من العنوان تقريبا يتلخص ما سأكتب في هذا المقال، وما يتبلور ويتضح أكثر بعد عدة أيام من خصم 30 % من رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، علماً بأنهم يتقاضون رواتبهم منذ أحد عشر عاماً وهم جالسين في منازلهم، بناءً على أوامر من السلطة لهم بعد الانقلاب في غزة وتولي حماس للحكم. الحقيقة أن ال30 % هذه هي تقريبا المال المتحرك في يد موظفي السلطة في غزة، حيث إن نسبة كبيرة جدا منهم يذهب معظم رواتبهم للقروض وللبنوك، وبخصم 30 %، الكثير لم يجد في رصيده شيكلاً واحداً ليصرفه. هذه الأزمة لا تقتصر على موظفي السلطة فحسب، فهي طالت وستطال كل شرائح وطبقات المجتمع، بحكم أنها جزء مهم من حجم السوق والتعاملات التجارية والصناعية والحرفية، وبالتالي الجميع متضرر. هذا بالتحديد ما أرادته المقاطعة برام الله، وهو إحكام الخناق على غزة وأهلها تحت حكم حماس، وبالأخص بعد إعلان حماس عن تشكيل لجنة لإدارة القطاع قبل شهر من الآن، الأمر الذي دفع السلطة بعدها إلى التصريح بإجراءات مشددة وغير مسبوقة، وبالفعل كان أولها قرار الخصم، للضغط أكثر على حماس، التي هي بدورها أيضا متضررة اقتصاديًّا وضريبياً بحكم هذا القرار، في عملية تهدف لإخضاعها للتراجع عن قرار تشكيل لجنة إدارة لغزة، الذي اعتبرته السلطة خروجاً وتمرداً على الوحدة الوطنية وجهود وإنهاء الانقسام المزعوم. حالة من الغضب والاحتقان في القطاع، والجميع يرفض هذا التمييز الواضح الذي تمارسه السلطة بين موظفي قطاع غزة وموظفي الضفة الغربية، فقرار الخصم استهدف فقط موظفي غزة، وهو ترسيخ للانقسام واللاوحدة وطنيًّا واقتصاديًّا. هذا بحد ذاته ضرب لحقوق المواطنة المشروعة، وإخفاق بحق أهل غزة الذين يدفعون ضريبة الحصار والحروب والبطالة والفقر منذ سنوات، ومكافأة لهم بعد كل ذلك، بحرمانهم من أقل حقوقهم. اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح وما تمخّض عنه أرسل الرسالة بوضوح، بأنَّ هذا القرار جاء رداً على تشكيل لجنة حماس لإدارة غزة، ولكن ما هو مثير للخوف والقلق، أن يكون هذا القرار هو تمهيد وبداية، لقطع وصال دائم، بين كل ما يربط السلطة الوطنية بقطاع غزة وأهله، وهو رسالة من أبو مازن لحماس، أنني أستطيع أن أفعل بكم الكثير، ويجب عليكم التنازل. بين هذا وذاك كالعادة، الشعب هو الضحية، ومعاناة الناس هي العربون الأول في أي صفقة سياسية، والمواطن المسكين لا حول له ولا قوة، يخرج في ساحة السرايا بغزة، فتلتف حوله بعض الكاميرات والصحفيين، ثم ينتهي كل شيء دون أن يحدث شيء، ويتبقى فوق رأسه المسؤولية والدَّيْن وابنه الطالب الجامعي والمصاريف الجمة التي تنتظر عطف من يتحكمون بمصيره. لم تنته مشاكل غزة بعد، فالأخبار تروّج عن أزمة كهرباء قادمة، بعد انتهاء المنحة القطرية، وعلى ما يبدو أنَّ هناك إجماعاً دولياً على الضغط والتضييق على حماس، لإنهاء الانقسام، بحكم أنها الحلقة الأضعف سياسياً تقريباً، مقارنة بالسلطة والرئاسة، هذا كله بات طريقاً مظلماً يسير فيه 2 مليون إنسان في غزة، طريق شديد الظلمة، لا أحد يرى نهايته، ولا أحد يتوقع نتائجه.