في الوقت الذي تمر فيه بريطانيا بحالة من التوتر والاضطراب السياسي، وبعد أيام قليلة من إطلاق الحكومة البريطانية عملية البريكست للخروج من الاتحاد الأوروبي وفق المادة 50 من معاهدة لشبونة، اختارت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، الاتجاه سريعًا نحو الشرق الأوسط، خاصة المنطقة الخليجية والدول المحيطة بها، حيث تزور حاليا السعودية، والتقت بالملك سلمان بن عبد العزيز، ليعد اللقاء الثاني بينهما؛ بعدما جمعهما لقاء سابق في القمة الخليجية في المنامة. وسبقت زيارة رئيسة الوزراء البريطانية إلى السعودية أخرى للأردن الاثنين الماضي، وأجرت في العاصمة الأردنيةعمان، مباحثات مع الملك عبد الله الثاني، تناولت جهود محاربة الإرهاب والتعاون العسكري بين البلدين، وقال بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، إن الملك بحث مع ماي سبل تعزيز العلاقات الأردنية البريطانية في شتى الميادين، ولا سيما في مجالات التعاون العسكري، خاصة أن الأخيرة أكدت في وقت سابق، أنها سترسل مدربين عسكريين بريطانيين لمساعدة سلاح الجو الأردني في معركته ضد تنظيم داعش. وأضاف البيان أنه تم بحث آخر المستجدات على القضايا الإقليمية الراهنة، وفي مقدمتها عملية السلام والأزمة السورية، مع التركيز على جهود محاربة الإرهاب، وتابع: "جرى تأكيد أهمية تكثيف هذه الجهود إقليميًا ودوليًا ضمن استراتيجية شمولية للتصدي لخطره الذي يهدد منظومة الأمن والسلم العالميين.. والملك عبد الله وماي زارا قيادة قوة رد الفعل السريع، بحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن، محمود عبد الحليم فريحات، والأمير فيصل بن الحسين.. واستمعا إلى إيجاز عسكري قدمه قائد الوحدة عن المهام والواجبات والبرامج التدريبية التي تنفذها الوحدة ضمن برنامج التدريب والتعاون المشترك بين البلدين الصديقين". ورأت صحيفة ذي تلغراف أن رئيسة الوزراء البريطانية بدأت "مهمتها التجارية والأمنية" ذات الرمزية العالية في الشرق الأوسط، كجزء من خطتها لمستقبل جريء وواثق لبريطانيا، بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولفتت الصحيفة إلى أن ماي ستبعث برسالة واضحة لأوروبا مفادها أن الحكومة تغتنم الفرصة، بالفعل، من أجل التجارة مع بقية دول العالم، في إشارة إلى رفض القادة الأوروبيين مناقشة أي اتفاق تجاري جديد مع بريطانيا، قبل موافقتها على شروط ما يسمى "الطلاق"، لذا ردت ماي على التوجه الأوروبي المُعادي لها بنشر وزرائها حول العالم، حيث يزور وزير المالية، فيليب هاموند، الهند، فيما يتجول وزير التجارة الدولية، ليام فوكس، في دول آسيوية منها الفلبين وماليزيا وإندونيسيا. وفي السياق، رأت صحيفة تايمز البريطانية، في زيارة ماي إلى الأردن والسعودية عملية ابتزاز بريطانية؛ إذ أشارت إلى استغلال الفائض الأمني في مفاوضات بريطانيا مع بقية دول الكتلة الأوروبية، وذكرت أن هذه السياسة ستطغى على أبعاد الجولة الشرق أوسطية، حيث ستكون الجهود لتحديد أهمية بريطانيا في الحفاظ على الأمن الأوروبي من الخطوط العريضة، التي ستتمحور حولها زيارة ماي للسعودية والأردن. وتأتي جولة ماي، في الوقت الذي تعيش فيه لندن حالة من القلق الشديد بسبب تقارير متضاربة حول الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي ستواجه الحكومة البريطانية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد بدأت بريطانيا خطواتها الجدية منذ الأربعاء الماضي، تجاه عملية البريكست، حيث وقعت ماي الرسالة الرسمية لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التي سلمتها لندن إلى بروكسل لإطلاق مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الاهتمام البريطاني بالمنطقة الخليجة والدول المحيطة بها لم يظهر فقط خلال زيارة ماي الحالية إلى السعودية والأردن؛ حيث سبق وظهرت أيضًا خلال حضورها كضيف شرف في القمة الخليجية في العاصمة البحرينيةالمنامة التي عُقدت في مطلع ديسمبر الماضي، وأكدت فيها أن "أمن الخليج من أمن بريطانيا"، ما يشير إلى حاجة لندن الماسة لفتح منافذ تجارية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فلم تجد أفضل من المنطقة الخليجية بثرائها النفطي واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة، خاصة أن دول الخليج ثاني أكبر مستورد غير أوروبي للبضائع والخدمات البريطانية، فيما تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 150 مليار جنيه إسترليني. وتعتبر السعودية الحليف الأول لبريطانيا في المنطقة الخليجية، كما تُعد الشريك التجاري الأول للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، وهي العلاقة التي تنتقدها معظم المنظمات والهيئات الحقوقية، حيث تعترض على استمرار عمليات توريد الأسلحة من لندن إلى الرياض، التي تستخدمها الأخيرة في تسعير الصراع في اليمن، والذي دخل عامه الثاني في مارس الماضي. المتحدث باسم حملة مناهضة تجارة الأسلحة، أندرو سميث، كان على رأس المنتقدين لزيارة ماي إلى السعودية، حيث كتب مقالًا في صحيفة "ذي إندبندنت"، رأى فيه أن زيارة ماي فرصة ولادة بريطانيا عالمية حقيقية بعد البريكست، وأشار إلى الزيارات السابقة التي أجرتها إلى البحرين، وغيرها التي أجراها وزير التجارة الدولية في بريطانيا، ليام فوكس، للإمارات وسلطنة عمان، وتساءل: ما هي الفرص التي تسمح لماي وزملائها بالحصول على إصلاح حقيقي، في الوقت الذي يفاوضون فيه من أجل صفقات يائسة؟، وأضاف أن الرسالة التي ترسل إلى الحكومة السعودية أنها ستحصل على الدعم الثابت، أما الرسالة التي ترسل إلى هؤلاء الذين يعانون في السجون السعودية، والذين يتعرضون للقصف في اليمن، فهي مختلفة، وهي أن المملكة المتحدة تنظر إلى معاناتهم كثمن يجب أن يدفعوه مقابل استمرارها في بيع الأسلحة.