يشير لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز أمس على هامش القمة العربية في الأردن بانفراجة في العلاقات المتأزمة بين البلدين، فاللقاء الأول منذ العام الماضي يأتي بعد محاولات عربية عديدة للوساطة بين القاهرةوالرياض، لرأب صدوع عديدة في علاقة البلدين بدأت منذ تولي سلمان الحكم، وتفاقمت على نحو غير مسبوق خلال العام الماضي وبداية العام الجاري، والتي نتجت بالأساس عن محاولة الرياض منذ بداية 2015 عقب وفاة الملك السابق، عبد الله بن عبد العزيز، فرض نمط من الهيمنة على القرار السياسي الخارجي للقاهرة مقابل استمرار دعمها الاقتصادي، بينما تمسكت القاهرة بمبدأ الشراكة كحد معقول لإدارة العلاقات بين البلدين، وتوحيد موقف مشترك تجاه مختلف القضايا الإقليمية. بينما ذهب المملكة إلى وجوب تبعية مصر في كافة الخطوات التي تم اتخاذها في عهد سلمان بما فيها الخطوات العسكرية، وما تبع ذلك من رهن تدفق المال السياسي السعودي والمساعدات الاقتصادية للقاهرة بتبعية الأخيرة لسياسات المملكة على مستويات عديدة بما فيها المتعلقة بالشئون الداخلية المصرية، وغيرها من الشئون الخارجية التي إذا أديرت بحسب رؤية الرياض تهمش دور القاهرة وتقصيها كلاعب مستقل فاعل على مستوى المنطقة، ويتم إلحاقه بالسياسات السعودية ويمكن حصر النقاط الخلافية الأساسية بين البلدين منذ هذا الوقت في ثلاث نقاط هي: إتباع القاهرة لسياسات المملكة في الأزمة السورية، المشاركة المصرية الفعالة في حرب اليمن، تصالح النظام المصري مع جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من محاولة القاهرة الوصول إلى حل وسط يجنب تصاعد هذه الخلافات إلى حد الأزمة، فإنه سرعان ما تم ذلك بسبب تعنت الرياض في إنفاذ السابق بشكل شبه إملائي على القاهرة، وهو ما جنب كل إمكانية لرأب سريع للتصدع البادئ في العلاقة بين البلدين منذ تولي سلمان؛ فحتى زيارة الأخير للقاهرة إبريل العام الماضي، نتج عنها أزمة جديدة فاقمت الخلافات بين البلدين، وأضرت بمكانة وشعبية النظام المصري داخلياً، وذلك عبر اتفاقية ترسيم الحدود التي بمقتضاها تتسلم السعودية حيازة وملكية جزيرتا تيران وصنافير والإشراف على خليج العقبة، وهو ما أقدمت عليه القاهرة استرضاء للسعودية بعد مخالفة الأولى لها في حرب اليمن والأزمة السورية وتعطيل المصالحة مع الإخوان. إلا أن مردود فعل الشارع المصري والأحكام القضائية الخاصة بالاتفاقية حال دون تنفيذها، وبالتالي وجدت الرياض أن حتى الترضية المشار إليها لن تتحصل عليها، وهو ما أدى إلى استحداث السعودية لأوراق ضغط متعددة بداية من التلويح وقطع المساعدات الاقتصادية المختلفة، وتطوير العلاقات السعودية الأثيوبية وعلاقة ذلك بسد النهضة، وأخيراً دفع المملكة بنظام البشير في السودان بتحريك قضية مثلث حلايب. ويضاف إلى السابق أن الرياض استشعرت بتخلي القاهرة عنها حتى فيما يتعلق بمواقف رسمية غير مُكلفة مثل الاصطفاف مع الرياض في أزمتها مع واشنطن العام الماضي المتعلقة بقانون "جاستا"، وهو ما لم يحدث. وتجد الإشارة هنا أن كل محاولات حلحلة الأزمة بين السعودية ومصر طيلة الشهور الماضية لم ينتج عنها شيء، سواء كان ذلك بجهود ثنائية حثيثة أو وساطة خليجية من الكويت أو الإمارات والبحرين، فلم تفلح هذه الدول في جمع الملك والرئيس إلا بعد تبيان الرياض لموقف الإدارة الأميركية الجديدة لمختلف قضايا الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية في زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى واشنطن قبل أسبوعين، وكذا قرب لقاء السيسي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع المُقبل، وهو ما يستدل منه أن كل من القاهرةوواشنطن كانتا تعولان على موقف الإدارة الأميركية الجديدة تجاه تراتبية التعاون كل منهما، واستبيان مدى اتساق أولوياتها مع أولويات كل منهما، وبالتالي إمكانية توحيد أجندة ذات أولويات مشتركة بالتتابع مع موقف البيت الأبيض حيال العلاقات الثنائية بينهما، ومدى الحاجة الأميركية لإنهاء حالة الخلاف بين أثنين من أهم حلفائها في المنطقة، وبالتالي يمكن القول أن لقاء أمس يأتي في إطار حلحلة الأزمة الثنائية بين القاهرةوالرياض بتدخل أميركي بدأ باستئناف مبيعات النفط السعودي لمصر بالتوازي مع زيارة بن سلمان الأخيرة للولايات المتحدة، ويعد إرهاصة لتوحيد موقف على أساس شراكة في رؤية موحدة بين البلدين تجاه الأولويات الأميركية وما تتقاطع معه من أولويات مختلفة لكل من مصر والسعودية يجري العمل على إعادة ترتيبها. ويمكن استجلاء هذا الأمر من تحليل خطابي السيسي وسلمان الذي لم يختلف كثيراً من حيث الصورة العامة تجاه معظم القضايا التي طُرحت في الخطابين، وإن اختلافا بشكل كبير من حيث الأولويات وترتيبها. وطبقاً للسابق فإن "اللقاء الغير مُعد له" بين السيسي وسلمان، لا يدل على إتمام مصالحة بين مصر والسعودية، فزيارة سلمان للقاهرة العام الماضي على الرغم من حجمها وأهميتها لم ينتج عنها سوى مزيد من التأزم في العلاقات ما بين البلدين، وبالتالي فأن العامل المختلف الجديد في هذا اللقاء وزيارة السيسي القادمة للسعودية عقب من واشنطن، هو التعويل على "إشراف" أميركي لإدارة علاقات حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، نابع من استجلاء كل من البلدين لموقعهما في إستراتيجية ترامب تجاه الشرق الأوسط. وبالتالي يمكن اعتبار لقاء أمس بين السيسي وسلمان تمهيداً هاماً لترتيب أوراق تفاهم مصري-سعودي من حيث ترتيب أولويات كل منهما، وتوافق هذه الأولويات مع أولويات الإدارة الأميركية. خاصة وأن هناك سببين مهمين من أسباب الخلاف بين القاهرةوالرياض قد تلاشى بدافع تغيرات سياسية أكبر متعلقة بتطورات ميدانية وإقليمية ودولية أثرت على مسارات السياسة والحرب في كل من اليمن وسوريا. ليتبقى فقط مسألة المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، ومشكلة تيران وصنافير، ورفع السعودية لأوراق ضغطها على مصر في السودان وأثيوبيا. والسؤال الفاصل هنا: هل انتهت أسباب الخلاف المصري السعودي بلقاء أمس.. وحال أنها انتهت هل هذا يعني تراجع السعودية عن مسألة فرض التبعية بديلاً عن الشراكة مع مصر.. وهل سيؤدي هذا لانتهاء الضغط السعودي على القاهرة عبر الخرطوم وأديس أبابا والمعارضة المصرية في الخارج؟ حتى كتابة هذه السطور لا يبدو أن هنا حل للخلاف بين القاهرةوالرياض باستثناء ما ساهمت فيه واشنطن بشكل مباشر عبر التدخل لحلحلة الأزمة بين حلفائها، أو غير مباشر عبر تغيير أهداف السعودية بالتوافق مع الولاياتالمتحدة في اليمن وسوريا؛ التي سلمت المملكة راية إنهاء مغامرتها العسكرية هناك لواشنطن، فيما رأت أن الثانية "معركة خاسرة" ينبغي حلها بطرق سلمية. وهو ما يعني أن حلحلة الأزمة بين مصر والسعودية في الأيام الأخيرة وربما في المستقبل القريب لم تكن ولن تكون عبر مبادرة ثنائية ولكن بتدخل واشنطن، وانتفاء سببين هامين من أسباب الخلاف بدافع من عوامل خارجة عن إرادة الطرفين، ليتبقى أمر تداعيات أسباب الخلاف وعلى رأسها أوراق الضغط السعودي في السودان وأثيوبيا، التي تجري مناورة عسكرية حالية مع المملكة على الحدود مع مصر، وكذا مسألة تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود، وانتهاء دعم الرياض لجماعة الإخوان، والأهم من السابق كله توافق البلدين على تصدر أي منهما للوكالة الأميركية في المنطقة وتراتبية دورهما وأهميتهما بالنسبة لواشنطن.