ملفات الخلاف بين الرياضوالجزائر كثيرة، ليس فقط فيما يخص العلاقات الخارجية ونظرة كل دولة لملفات المنطقة سواء في سوريا والموقف من إيران وحزب الله، بل حتى في الملفات الداخلية، فالسعودية تدعم المغرب ضد الجزائر في قضية البوليساريو. تطور جديد طبيعي أن تظهر الخلافات بين الجزائروالرياض في إطار العلاقات الدبلوماسية للبلدين، خاصة في ظل اتساع الهوة بينهما فيما يتعلق بقضايا الأمة العربية، ولكن التطور الجديد أن تفبرك المملكة السعودية حيثيات لا أساس لها من الصحة، وتضعها على لسان مسؤول جزائري؛ لتهاجم بها إيران، في الوقت الذي تتمتع فيه الجزائر بعلاقات طيبة مع إيران. المزاعم السعودية زعمت صحيفة "المدينة" السعودية أن محمد عيسى عمر، وزير الأوقاف الجزائري، قال إن تدخل إيران في الشأن العربي، ومحاولة الملالي، نشر الطائفية في مجتمعات المنطقة، يمثل الخيار الجديد لضرب العرب كبديل لداعش الذي فشل في دفع المنطقة للهلاك. وقالت الصحيفة إنه كشف لها بالقاهرة أن المسلمين يعيشون في الخارج كمتهمين، بسبب الإرهاب، محملًا مسؤولية ما وصفه بالتبلد العقلي العربي إلى غياب دور النخبة، وفقدانها القدرة على التأثير في عقول الشباب. الرد الرسمي من وزير الأوقاف الجزائري نفى وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام السعودية، والتي مفادها أنه اتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالإرهاب ومحاولة زعزعة المنطقة العربية. وقال عيسى لوسائل إعلام جزائرية إن صحيفة المدينة السعودية أجرت معه حوارًا بالقاهرة، ونقلت بهتانًا ما روجته على لسانه بخصوص إيران، موضحًا أنه أخطر وزارة الخارجية الجزائرية بالأمر. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستثمر فيها السعودية وزير الأوقاف الجزائري لصالح خلافها مع طهران، حيث رد محمد عيسى على إقحام وزير الحج السعودي محمد بنتن السنة الماضية لاسم الجزائر في ملف اختراق إيران للبعثات الأجنبية للحج بالنفي القاطع، وقال عيسى إن كافة أعضاء الوفد المرسل للبقاع المقدسة يحمل الجنسية الجزائرية، متهمًا بعض الأطراف بمحاولة إقحام الجزائر في تجاذبات طائفية، هي بعيدة عنها، وصرح عيسى بلهجة حادة "بعثتنا جزائرية وطاقمها كذلك.. ولن ندخل في صراع، ولن نريد أن يفرح بنا أي طرف". ردود جزائرية على الرغم من أن ما نشرته الصحيفة السعودية ليس إلا مزاعم افترتها على لسان وزير الأوقاف الجزائري، إلا أن الردود الجزائرية لم تتأخر حول الموضوع، ولم تنتظر حتى تكذيب العيسى لها، حيث قال عدة فلاحي، مستشار سابق بوزارة الشؤون الدينية، إن تصريح محمد عيسى سيدخلنا في أزمة دبلوماسية مع إيران، ولا يحق له أن يتجاوز موقف الجزائر الممثلة في وزارة الخارجية ودبلوماسيتها اللتين لهما الحق في إصدار الأحكام وإبداء الرأي في القضايا التي تمس المسائل الخارجية. من جهته وصف الجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد التصريح المزعوم لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، بأن إيران بديل ل"داعش" لضرب استقرار الدول العربية، بالخطير واللامسؤول ومنافٍ لموقف الدولة الجزائرية تجاه ما يحدث في المنطقة العربية. وتساءل مجاهد عن القاعدة التي استند عليها عيسى ليصل إلى هذه الخلاصة، ويصف إيران بأنها بديل لداعش في المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن هذا الموقف مبني على أيديولوجية تخدم أطرافًا معينة، جرمت حزب الله وعادت إيرانوسوريا واليمن، في إشار إلى الرياض. وتساءل بعض الجزائريين عما إذا كان عيسى وزيرًا للأوقاف في حكومة السلال، أم في حكومة آل سعود؟ المملكة والاصطياد في الماء العكر يرى مراقبون أن المملكة اختارت البلد الخطأ لتستثمر فيه عداوتها مع طهران، فالقيادتان الجزائريةوالإيرانية هما أبناء ثورتين حقيقيتين وليستا مصطنعتين، ويفهمان جيدًا اللعبة الدولية، ولا ينجران إلى المهالك، وبوصلتهما فلسطين، ويقفان أينما كانت، بالإضافة إلى استقلالية القرار لدى القيادتين، فعندما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ما لبثت أن أيدتها الجزائر، وشهدت العلاقات بعدها تطورًا مريحًا إلى حد ما، توٍّج بزيارة الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد لطهران عام 1982، وعلى الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهرانوالجزائر عام 1993، على خلفية مزاعم بدعم طهران لحركات أصولية في الجزائر التي كانت تعيش في لحظات مضطربة آنذاك، إلا أنها سرعان ما استؤنفت في عهد الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، في سبتمبر 2000، وتم تبادل السفراء في أكتوبر 2001. ومن الناحية التاريخية يجب استحضار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث يطفو إلى السطح حدثان بارزان، الأول توّسط "الجزائر" بين إيران والعراق سنة 1975، حين تم وضع حد للخلاف الحدودي بين البلدين، والثاني يتمثل في رعاية الجزائر للمصالح الإيرانية في واشنطن، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الإيرانيةالأمريكية سنة 1980. وفي الوقت الراهن تعرف العلاقات الجزائريةالإيرانية توافقًا واضحًا في مواقف البلدين تجاه كثير من الأحداث الدولية، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أرجعه المتتبعون للشأن الدولي إلى حجم الزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين. وتتطابق وجهات نظر البلدين حول العديد من القضايا العربية الإقليمية والدولية، كالحرب في سوريا والحرب على اليمن ومحاولة تصنيف حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وكذا القضية الفلسطينية، ورفض تدخل الناتو في ليبيا. ويرى متابعون للشأن الجزائري أن المواقف الإيرانية المعلنة المعادية للغرب وبشكل خاص الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني تنسجم مع التوجهات العامة للسياسة الخارجية الجزائرية منذ الاستقلال. الجدير بالذكر أن مزاعم السعودية لإزعاج الجزائر ليست المحاولة الخليجية الأخيرة، فقبل يومين قامت الإمارات، حليفة الرياض في العدوان على اليمن، بإطلاق تصريحات استهدفت بها الجزائر، حيث قال حاكم الشارقة سلطان بن محمد القاسمي إن الجنرال الفرنسي شارل ديغول منح الاستقلال للجزائر لإرضاء الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وهو الأمر الذي أغضب الشعب الجزائري صاحب الأكثر من مليون ونص شهيد، ما اضطر حاكم الشارقة للاعتذار أمس الأربعاء.