لا يختلف حال البرلمان الأردني عن نظيره المصري أو معظم نظرائه العرب، فممثل الشعب (البرلمان) هو آخر من يعلم، وأن تصل الاتفاقيات الحكومية متأخرة إلى أروقة هذه البرلمانات خيرًّا من ألا تصل، لأنها تجرد الدور الرقابي لهذه المؤسسة التشريعية، وتحولها إلى مؤسسة استشارية ليس إلا، وتحصر وظيفتها في تمرير الصفقات الحكومية مع أي طرف دون أن تُعنى بتفاصيل هذه الاتفاقيات، والأخطر من ذلك أن بعض هذه الاتفاقيات تتعلق بالأمن القومي لهذه البلاد، وبعضها مبرم مع أخطر عدو في المنطقة، ألا وهو الكيان الصهيوني. البرلمان المصري والأردني بالأمس تزامن خبران حول البرلمان المصري والأردني، الأول يتعلق بالبرلمان المصري بخصوص قضية تيران وصنافير والقرض المصري من صندوق النقد الدولي، والثاني يتعلق بالبرلمان الأردني واتفاقية الغاز التي أبرمتها الحكومة الأردنية مع الكيان الصهيوني. ففي مصر وبعد عام على إبرام اتفاقية تيران وصنافير بين الحكومة المصرية والسعودية، والتي كانت ستتم بسلاسة، لولا مجموعة من التحركات القضائية والشعبية، تصل الاتفاقية إلى أروقة البرلمان المصري، حيث قال أمس رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، إن اتفاقية «تيران وصنافير» الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية وصلت إلى المجلس. الجدير بالذكر أنه خلال زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، للقاهرة في إبريل العام الماضي، وقعت القاهرة والرياض عددًا من الاتفاقات الثنائية، أُرسلت جميعًا إلى البرلمان بقرارات من رئاسة الجمهورية؛ للتصديق عليها، باستثناء واحدة فقط، هي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي شملت تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، والصادر بشأنها حكم بالإلغاء من محكمة القضاء الإداري، حتى فوجئ الجميع في 29 ديسمبر الماضي بموافقة الحكومة عليها وإحالتها إلى مجلس النواب دون توقيع رئيس الجمهورية، وها هي تصل للبرلمان. وحتى فيما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولي فهو الآخر وصل إلى البرلمان المصري بالأمس، حيث قال عبد العال، إن اتفاقية صندوق النقد تمت إحالتها بالفعل للجنة المختصة، والغريب هنا هو مدى جدوى هذه الخطوة، خاصة أن الحكومة المصرية وافقت على شروط الصندوق الدولي، واستلمت الشريحة الأولى بالفعل من القرض، والبالغ قيمتها 2.7 مليار دولار أمريكي، وقامت بخطوات كثيرة أضرت بالاقتصاد المصري، كتحرير سعر الصرف، والقيمة المضافة، ورفع الدعم. ولا يختلف حال البرلمان الأردني عن نظيره المصري، من حيث المبدأ الذي تتعامل به الحكومات العربية مع برلماناتها، إلا أن البرلمان الأردني كان له موقف أكثر صرامة من البرلمان المصري، حيث رفض بالأغلبية أمس، مناقشة اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي، لحين تزويد المجلس بفحوى الاتفاقية، وطالب رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، الحكومة الأردنية بإطلاع المجلس على بنود الاتفاقية خلال 24 ساعة، ورفض 73 نائبًا مناقشة الاتفاقية مقابل 23 اعتبروا أنه من الممكن مناقشتها. المهم في هذا الموضوع أن الحكومة الأردنية ترفض الكشف عن بنود الاتفاقية؛ بدعوى أنها تحتوي على بنود "سرية" مع الجانب الصهيوني، وأضافت ذريعة أخرى، وهي أن ظروف متطلبات المنافسة التجارية في سوق الغاز تستوجب إبقاءها طي السرية للمصلحة. الخلافات الأردنية بين البرلمان الأردني والحكومة يراها مراقبون بأنها ليست ذات قيمة، حيث إن الاعتراضات البرلمانية جاءت متأخرة، فالحكومة الأردنية بدأت بالفعل في استيراد الغاز الإسرائيلي المغتصب من الأراضي الفلسطينية، وعلى الأردنيين التعامل مع الأمر وفق سياسة الأمر الواقع، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن الكيان الصهيوني بدأ في تصدير الغاز الطبيعي إلى الأردن "بهدوء"، وذلك بعد أن تم توصيل شركتي "البوتاس العربية" و"برومين الأردن" بشبكة الأنابيب الإسرائيلية. وأضافت الصحيفة أن تسليم الشحنات إلى الشركتين، اللتين تقومان بتشغيل المحطات على الجانب الأردني من البحر الميت، بدأ في شهر يناير الماضي، لكن الأطراف المعنية اختارت الابتعاد عن الأضواء وعدم الكشف عن هذا الأمر؛ بسبب الحساسيات السياسية في الأردن بشأن التعامل مع إسرائيل، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. ووقعت الشركتان الأردنيتان تلك الاتفاقية قبل ثلاث سنوات لشراء الغاز الطبيعي من حقل تمار الإسرائيلي لمدة 15 عامًا، في صفقة تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، كما تعمل وزارة الخارجية الأمريكية كوسيط بينهما، ولإبقاء الجانب الإسرائيلي بعيدًا، يتم بيع الغاز الطبيعي عبر شركة "إن إل بي" الأمريكية، وذلك في محاولة أردنية للتحايل على التعامل بشكل مباشر مع الكيان الصهيوني، وهي شركة تكساس نوبل للطاقة ومجموعة ديليك الإسرائيلية وشركة إسرامكو. وعن محاولات الحكومة الأردنية طمس حقائق الاتفاقية عن الشعب الأردني، قال النائب الأردني صداح الحباشنة، الأسبوع الماضي، إنه من المعيب جدًّا أن يعلم الأردنيون نبأ وصول الغاز المسلوب من أرضنا الفلسطينيةالمحتلة، من وسائل إعلام صهيونية، ولا نسمعه من حكومتنا. وطالب حكومة الملقي بإسقاط هذه الاتفاقية المخجلة، مؤكدًا أن الغاز القادم من الأراضي المحتلة مسروق من أرض فلسطين العربية التاريخية، ومن المعيب أن نمول الاحتلال بشراء ما سرقه منا. واعتبر الحباشنة أن هذه صفعة جديدة من الحكومة لمجلس النواب، الذي وصفه بأنه "صار جزءًا من الحكومة، ومنظومة واحدة يكملان بعضهما"، مضيفًا أنه لو كانت الحكومة "تحترم مجلس النواب، لعملت على أخذ موافقته على اتفاقية الغاز الصهيوني"، واستدرك "لا يجب أن يعول أحد على النواب، فالشعب يغني بهمومه.. والنواب يرقصون على أنغام الحكومة. ويرى مراقبون أن القاسم المشترك بين تصرفات التعتيم التي تقوم بها الحكومة المصرية والأردنية هو التغطية على الجانب الإسرائيلي، فالتسريبات الإعلامية الهاتفية لوزير الخارجية المصرية، سامح شكري، مع محامي رئيس حكومة الاحتلال، بينيامين نتنياهو، كشفت عن مجموعة من التفاهمات المصرية الإسرائيلية حول مستقبل تيران وصنافير، وبالنسبة لاتفاقية الغاز بين عمان وتل أبيب فهي لا تحتاج لتسريبات، فالحكومة الأردنية تتعامل مع العدو الإسرائيلي على مرأى ومسمع من الجميع.