لا أحد يقترب من أبواب القصر.. فهناك لافتة وضعت على الأبواب الخارجية مكتوب عليها "ممنوع الوقوف"، داخل منطقة مصر الجديد، وتحديدًا في شارع العروبة، يتواجد قصر البارون، المعروف ب "بيت الأشباح"، وهي حكاية أسطورية ترجع إلى القرن التاسع عشر، حيث يحيط هذا القصر العديد من الروايات، ما بين أصوات صراخ تتعالي ليلًا، وأضواء تضيء وتنطفئ، وأشباح تتحرك من داخل البرج الذي يعلو القصر، ولا أحد يعلم السر الكامن داخله، ولكن نحاول معكم سرد حكاية قصر البارون من البداية. سحر الطبيعة المصرية كانت هوايته المفضلة السفر والترحال بين مدن العالم من باريس إلى المكسيك إلى البرازيل إلى أمريكا الجنوبية، وفي أحد الأيام بنهاية القرن التاسع عشر، رست سفينة عملاقة قادمة من الهند بقناة السويس لذلك المليونير البلجيكي إدوارد إمبان، والذي يعرف بالبارون. ولقب بهذا الاسم بعد إنشاء مترو باريس، فقد كان مهندسًا بارعًا، فنسب إليه ملك فرنسا هذا اللقب تقديرًا لمجهوداته. جاءت السفينة محملة بثروة ضخمة نتاج التجارة واستثمار الأموال في كافة الدول التي زارها، ولكن البارون أغرم بمصر وطبيعتها الساحرة، فقرر الاستقرار والموت بها. صحراء القاهرة بدأ يبحث عن مكان للعيش داخل مصر، فاختار مكانًا في الصحراء بالقرب من القاهرة، وعرض على الحكومة المصرية إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة، وبدأت الإجراءات، وقام البارون بشراء الفدان بجنيه واحد فقط، وذلك لأن المنطقة كانت بلا مرافق، وأطلق على المنطقة اسم هليوبوليس، أي المدينة التي لا تغيب عنها الشمس. القصر الذي لا تغيب عنه الشمس شرع إمبان في تشييد قصر أسطوري، وفقًا للتصميم المعماري الذي شهده بفرنسا داخل أحد المعارض، حيث عرض على المعماري ألكسندر مارسيل Alexandre Marcelتصميم هذا القصر البلجيكي الذي أعجبه فى مصر، وبالفعل تم تصميمه، بحيث لا تغيب الشمس عنه حيث تدخل أشعة الشمس جميع الحجرات منذ الشروق وحتى الغروب. استلهم هذا التصميم من معبد أوريسا الهندوسي وأنكور وات في كمبوديا، وصمم القصر من طابقين و7 حجرات على مساحة 12.5 ألف متر، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن مساحة الغرف صغيرة، ويتكون الطابق الأول من صالة كبيرة وثلاث حجرات، 2 منها للضيافة، والثالثة استعملها البارون للعب البلياردو. أما الطابق العلوي فيتكون من 4 حجرات للنوم، ولكل حجرة حمام ملحق بها. وأرضية القصر مغطاة بالرخام وخشب الباركيه اللذين تم استيرادهما من إيطاليا وبلجيكا، وشرفات القصر على الطراز العربي، والشرفات الخارجية محمولة على تماثيل الأفيال الهندية، كما تتواجد هذه التماثيل في مدخل القصر، بالإضافة إلى عدد من التماثيل النادرة المصنوعة من الذهب والبلاتين والبرونز، بخلاف تماثيل بوذا والتنين الأسطوري. فهو يعد من أفخم القصور في العالم، وأشرف على تزيين القصر وزخرفته المهندس جورج لويس كلود Georges Louis Claude، والقصر من الداخل عبارة عن متحف كبير به تحف وتماثيل الذهب، كما يوجد برج كبير أعلى القصر شيد على الجانب الأيسر، يتكون من 4 طوابق، وصمم البرج بحيث يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة؛ ليتيح لمن يجلس به أن يشاهد ما حوله في جميع الاتجاهات. كما يوجد داخل القصر ساعة أثرية قديمة، لا مثيل لها سوى في قصر باكنجهام الملكي بلندن، توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين، مع توضيح تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة، وتتزين قاعدة المائدة (السفرة) برسوم مأخوذة من الرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو ورامبرانت. أما السرداب أو البدروم داخل القصر فكان مخصصًا للخدم والطهي والغسيل، حيث يحتوى على حجرات واسعة لإقامة الخدم، وبه أفران ضخمة ومغاسل رخامية، وتتصل غرفة بحجرة الطعام عن طريق مصعد غاية في الفخامة مصنوع من خشب الجوز، كما يوجد نفق يصل بين القصر وكنيسة البازيليك الموجودة حتى الآن. منازل على الطراز البلجيكي اكتمل بناء القصر عام 1911، وقام البارون بالتخطيط لتعمير المنطقة التي يتواجد فيها القصر؛ لجذب السكان إليها، فكلف المهندس البلجيكي أندريه برشلو، الذي كان يعمل بشركة مترو باريس، بإنشاء مترو يربط بين حي هليوبوليس ومدينة القاهرة، وقام بإنشاء منازل على الطراز البلجيكي، وحرص على وجود مساحات خضراء بين البنايات. السرداب وعمليات القتل التي وقعت داخل القصر داخل أسوار القصر عاش المليونير إمبان وزوجته التي ماتت في حادثه بشعة، اختلفت الروايات حولها، ما بين أنها حشرت في المصعد الذي ينقل الطعام، وأنها سقطت من أعلى البرج، ووقعت هذه الأحداث أمام ابنتهما "آن" ذات الثمانية أعوام، التي تأثرت كثيرًا بعد رؤية أمها تموت أمام عينيها. وأثناء تشييد منازل هيليوبلس توطدت علاقة إمبان بالثري الفرنسي ماريبى، ونشأت صداقة بين "آن" التي بلغت السابعة عشرة من عمرها وسيلفيا ابنة الثري، والتي أهدت "آن" ورقة مفضضة رسم عليها الصليب المقلوب، فقامت بوضعها على جدران حجرتها، ولم تكن تعلم أن صديقتها سيلفيا تقودها إلى عبادة الشيطان دون أن تدري. بعد فترة تغير حال "آن"، فكانت تقوم بأفعال غريبة ليس لها تفسير، ونصح الأطباء بتغير غرفتها، ولكن لم يؤثر ذلك بعد مصرع 6 من خادمات القصر واحدة تلو الأخرى، بالإضافة إلى عمها الذي لقي مصرعه داخل السرداب، وتختتم بموت "آن" وهي بعمر 19؛ ليلحق بها البارون في 22 يوليو 1929، ومنذ ذلك التاريخ تعرض القصر للإهمال، وأصبح مهجورًا. الغرفة الوردية أحد أسرار البارون أشيع أنه في شهر مارس من كل عام في هدوء الليل تسمع أصوات ترتيل حزينة، وهو الشهر الذي لقيت فيه "آن" مصرعها داخل القصر، بالإضافة إلى أصوات تحريك الأثاث من حجرة إلى أخرى، فضلًا عن الأنوار التي تضيء وتنطفئ فجأة بالغرفة التي كانت محرم دخولها على جميع من في القصر، وتسمى الغرفة الوردية، وهي عبارة عن مرايا في كافة أنحائها، وتتصل الغرفة بسرداب طوله خمسة كيلومترات، ينتهي عند كنيسة البازيليك، حيث دفن فيها البارون بعد وفاته وفقًا لوصيته. شائعات كثيرة تدور حول القصر وعبدة الشيطان، خاصة بعد أن قام مجموعة من الشباب والشابات بتسلق الأسوار ودخول القصر، وإقامة طقوس العبادات الشيطانية، وذلك في منتصف عام 1997. ولكن يبقى السؤال: لماذا لا تستغل الدولة ووزارة الآثار هذا المتحف الأثري، بعد ضمه إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار المصرية، مقابل تعويض ورثة مالك القصر جان إمبان ومنحهم قطعة أرض بديلة بالقاهرة الجديدة؛ ليقيموا عليها مشاريع استثمارية؟