مازالت آثار مصر تستغيث من الإهمال تارة والفسادة تارة أخرى، ويجسد قصر البارون مأساة نتجت عن الإهمال وعدم الاهتمام من قبل المسئولين، بعد أن تم إلغاء عملية ترميم القصر، التي كان من المقرر أن تقوم بها جمعية المحافظة على التراث المصري أمس. شيد قصر البارون المليونير البلجيكي "البارون ادوارد إمبان" في 20 سبتمبر 1852، الذي جاء إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد افتتاح قناة السويس، ويقع القصر في قلب منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، تحديداً في شارع العروبة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي، ويشرف القصر أيضاً على شارع ابن بطوطة وابن جبير وحسن صادق. وصل "البارون إمبان" إلى القاهرة، ولم تمضِ أيام حتى انطلق سهم الغرام في قلب المليونير البلجيكي، وعشق الرجل مصر، واتخذ قرارا بالبقاء في مصر حتى وفاته، وكتب في وصيته أن يدفن في تراب مصر حتى ولو وافته المنية خارجها. وكان طبيعياً على من اتخذ مثل هذا القرار أن يبحث له عن مقر إقامة دائم في المكان الذي أحبه، وكان أغرب ما في الأمر هو اختيار "البارون إمبان" لمكان في الصحراء، بالقرب من القاهرة. ترجع فكرة بناء القصر إلى "البارون إمبان" الذي عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم "هليوبوليس" أي مدينة الشمس واشترى البارون الفدان بجنيه واحد فقط، وكانت المنطقة تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر في إنشاء مترو ما زال يعمل حتى الآن، وأخذ اسم المدينة مترو مصر الجديدة، إذ كلف المهندس البلجيكي "أندريه برشلو" الذي كان يعمل في ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحي أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ في إقامة المنازل على الطراز البلجيكي الكلاسيكي، بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبني فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم الذي ضم مؤخراً إلى قصور الرئاسة بمصر. قرر "البارون" إقامة قصر، فكان قصراً أسطورياً، وصمم بحيث لا تغيب عنه الشمس حيث تدخل جميع حجراته وردهاته، وهو من أفخم القصور الموجودة في مصر على الإطلاق، وتضم غرفة البارون بالقصر، لوحة تجسد كيفية عصر العنب لتحويله إلى خمور، ثم شربه حسب التقاليد الرومانية وتتابع الخمر في الرؤوس، أي ما تحدثه الخمر في رؤوس شاربيها. يقع القصر على مساحة 12.5 ألف متر الذي استلهمه من معبد "أنكور وات" في كمبوديا ومعابد "أوريسا" الهندوسية، فشرفات القصر الخارجية محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، والعاج ينتشر في الداخل والخارج، والنوافذ ترتفع وتنخفض مع تماثيل هندية وبوذية، أما داخل القصر فكان عبارة عن متحف يضم تحف وتماثيل من الذهب والبلاتين، كما ويوجد داخل القصر ساعة أثرية قديمة يقال إنها لا مثيل لها إلا في قصر باكنجهام الملكي بلندن توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين مع توضيح تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة. القصر من الداخل حجمه صغير، فهو لايزيد علي طابقين ويحتوي علي 7 حجرات فقط، الطابق الأول عبارة عن صالة كبيرة وثلاث حجرات، 2 منهم للضيافة والثالثة استعملها البارون إمبان كصالة للعب البلياردو، أما الطابق العلوي فيتكون من 4 حجرات للنوم ولكل حجرة حمام ملحق بها، وأرضية القصر مغطاة بالرخام وخشب الباركيه، أما البدروم "السرداب" فكان به المطابخ والجراجات وحجرات الخدم. صنعت أرضيات القصر من الرخام والمرمر الأصلي، حيث تم استيرادها من إيطاليا وبلجيكا، وزخارفه تتصدر مدخله تماثيل الفيلة، كما تنتشر أيضاً على جدران القصر الخارجية والنوافذ على الطراز العربي وهو يضم تماثيل وتحفاً نادرة مصنوعة بدقة بالغة من الذهب والبلاتين والبرونز، بخلاف تماثيل بوذا والتنين الأسطوري. ويتكون القصر من طابقين وبدروم "السرداب"، وبرج كبير شيد على الجانب الأيسر يتألف من 4 طوابق يربطها سلم حلزوني تتحلى جوانبه الخشبية بالرخام، وعلى درابزين "سور" السلالم نقوش من الصفائح البرونزية مزينة بتماثيل هندية دقيقة النحت. وصمم القصر بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبداً، واستخدم في بنائه المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري الذي يرى من في الداخل كل من في الخارج وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح لمن يجلس به أن يشاهد ما حوله في جميع الاتجاهات، وكان الطابق الأخير من القصر هو المكان المفضل للبارون إمبان ليتناول الشاي به وقت الغروب وكان حول القصر حديقة فناء بها زهور ونباتات نادرة كما يوجد بالقصر نفق يصل بين القصر والكنيسة العريقة "كنيسة البازيليك" الموجودة حتى الآن. التماثيل الموجودة بالقصر جلبها البارون إمبان من الهند، حيث يوجد عدد من ثماثيل الفرسان المصنوعة من الرخام الأبيض وهي ذات ملامح رومانية تشبه فرسان العصرين اليوناني والروماني، ويوجد في يد كل منهم سيف وتحت قدمه رأس مقطوعة، بالإضافة إلى تماثيل الراقصات يؤدين حركات تشبه حركات راقصات الباليه، بالإضافة إلى تماثيل الأفيال المنتشرة على مدرجات القصر وفي شرفات أبوابه مرسومة بزخارف الإغريق القديمة دقيقة الصنع، وهذا جعل لها منظر في غاية الجمال.