في الوقت الذي ساد فيه التشاؤم داخل أروقة الغرف المغلقة في العاصمة جنيف السويسرية؛ بسبب انقسام المعارضة السورية وحالة التعنت والدائرة المفرغة التي يدور فيها طرفا المحادثات، ساد تفاؤل على خلفية تحرير الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية للمرة الثانية في غضون عام، الأمر الذي رفع الروح المعنوية لدى القيادات السياسية والعسكرية السورية. تطورات عسكرية تمكن الجيش السوري وحلفاؤه بدعم جوي روسي، الأربعاء الماضي، من دخول مدينة تدمر الأثرية، الواقعة في منطقة صحراوية بريف حمص الشرقي في وسط البلاد، حيث شن الجيش السوري سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة بإسناد جوي من الطيران الحربي الروسي، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من سيطرة تنظيم داعش عليها، حيث كان التنظيم قد تمكن من السيطرة على المدينة في 11 ديسمبر الماضي، بعد ستة أشهر من طرده منها وسيطرة الجيش السوري عليها. الجيش السوري بدأ اقتحام المدينة من الجهة الغربية، بعد أن سيطر على تلة السيرياتل، وعلى حي المتقاعدين الواقع بالقسم الغربي منها، كما سيطر على كامل القسم الغربي والقسم الشمالي الغربي من ضواحي تدمر، إضافة إلى تثبيت الجيش نقاطًا له، وبات يطوق المدينة من عدة اتجاهات، بعد أن سيطر أيضًا على مطار تدمر. هذه التقدمات والضربات المتلاحقة دفعت مجموعات داعش إلى الفرار باتجاه مدينة السخنة الواقعة على طريق تدمر دير الزور، بعد أن قامت بتفخيخ المنازل داخل المدينة والطرقات. من جانبها سخر رئيس منصة الرياض في المعارضة السورية من نبأ تحرير الجيش السوري وحلفائه لمدينة تدمر الأثرية، حيث زعم رئيس الوفد، نصر الحريري، أن هذا التحرير إنما هو تسليم واستلام للمرة الثانية، وأن هذه العملية يتم استثمارها سياسيًّا، وأضاف أن كلتا الجهتين (الحكومة السورية وجماعة داعش الإرهابية) تشتركان في لعبة تدمر، وأنها أصبحت مكشوفة، حسب زعمه. مدينة منبج أيضًا كان لها نصيب من المفاجآت العسكرية والسياسية، حيث أعلن "المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها" المنضوي ضمن "قوات سوريا الديمقراطية"، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الاتفاق مع الجانب الروسي على تسليم القرى الواقعة على خط التماس مع فصائل "الجيش الحر" المنضوية ضمن "درع الفرات" والمحاذية لمنطقة الباب غرب مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، لقوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية، حيث ستقوم قوات حرس الحدود السورية بمهام حماية الخط الفاصل بين "قوات مجلس منبج العسكري" ومناطق سيطرة الجيش التركي و"درع الفرات". برر مجلس منبج هذه الخطوة بأنها "تهدف إلى حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء وما تحمله من مآسٍ، وحفاظًا على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها، وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية، والتزامًا منا بعهدنا ببذل كل ما هو ممكن ولأجل مصلحة وأمن وشعبنا وأهلنا في منبج"، الأمر الذي رأى فيه مراقبون بداية تحالف عسكري كردي سوري في مواجهة التوغل التركي في الأراضي السورية واحتلال أنقرة لمدن في الشمال السوري، خاصة أن قوات سوريا الديمقراطية كانت قد خسرت قبل أيام قريتين بريف منبج الغربي أمام قوات درع الفرات التابعة لتركيا، بعد معارك عنيفة وقصف مدفعي تركي، وهو ما يطرح تساؤلًا حول إمكانية حدوث مواجهات تركية سورية قريبًا إذا قرر الجيش السوري التوجه نحو منبج أو الباب بعد تحرير تدمر، وربما تتأخر هذه المواجهه قليلًا إذا قرر الجيش السوري التوجه نحو الرقة أو إدلب، التي باتت نقطة تجمع للجماعات المسلحة، مثل "هيئة تحرير الشام"، و"أحرار الشام" و"جيش الفتح" و"الجيش الحر". ورأى سياسيون أن الخطوة الكردية التي اتخذها المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها، بتسليم القرى إلى الجيش السوري، جاءت ردًّا على تهديد تركي بضرب المقاتلين الأكراد في حال عدم انسحابهم من مدينة منبج التي سيطرت عليها "قوات سوريا الديمقراطية" في أغسطس عام 2016، حيث قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو: قلنا من قبل إننا سنضرب وحدات حماية الشعب الكردية إذا لم تنسحب من منبج الواقعة قرب الحدود التركية، وأضاف: "لا نريد أن يستمر حليفنا الأمريكي بالتعاون مع منظمات إرهابية تستهدفنا". مفاوضات جنيف على وقع هذه الإنجازات العسكرية ظلت المفاوضات السياسية في جنيف بطيئة بشكل دفع العديد من السياسيين إلى القول إنها لن تثمر نتائج إيجابية، حيث تستمر في جنيف المفاوضات بمشاركة وفد الحكومة السورية، ووفود 3 مجموعات للمعارضة السورية، هي "الهيئة العليا للمفاوضات" المنبثقة عن مؤتمر الرياض، ومنصتا موسكو والقاهرة، ومنذ بداية المفاوضات تبحث وفود المعارضة عن إمكانية التوحد، ولكنها تفشل في كل اجتماع لها حول التوحد على صوت واحد وبنود موحدة للاتفاق مع الحكومة السورية؛ بسبب الأولويات التي يريد كل وفد مناقشتها في البداية، الأمر الذي دفع رئيس وفد الحكومة السورية إلى مفاوضات جنيف، بشار الجعفري، إلى تحميل المعارضة مسؤولية فشل المحادثات، وخاصة وفد الرياض. وقال الجعفري إن وفد الرياض هو الوحيد الذي يرفض إدراج مكافحة الإرهاب ضمن محادثات جنيف، وأضاف رئيس الوفد الحكومي: قرأنا وشاهدنا في وسائل الإعلام تصريحات لرئيس وأعضاء معارضة الرياض الذين رفضوا إدراج السلة الرابعة، وهي مكافحة الإرهاب، في جدول أعمالنا بمحادثات جنيف السورية السورية، الأمر الذي لم نستغربه على الإطلاق؛ لأن جزءًا من وفد الرياض يضم مجموعات إرهابية، بعضها يقاتل إلى جانب القوات التركية الغازية لأراضينا في الشمال، والبعض الآخر تديره إسرائيل، حتى إنهم يأتمرون بأوامر دول معروفة مسؤولة عن سفك الدم السوري. من جانبها اتهمت موسكو أيضًا منصة الرياض بالسعي إلى تقويض محادثات السلام في جنيف، حيث قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: ما تسمى بالهيئة العليا للمفاوضات ترفض التعاون على مستوى متساوٍ مع منصتي موسكو والقاهرة، وتقوض الحوار مع وفد الحكومة السورية ومجموعات المعارضة.