مكالمة هاتفية استمرت 45 دقيقة، هى الأولى بين الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، أحدثت الكثير من التخبطات السياسية وأثارت العديد من التساؤلات، حيث أكد الرئيسان خلال المكالمة تصميم كليهما على مواصلة الحرب ضد أشكال الإرهاب كافة، وذكر بيان صادر عن الرئاسة التركية أن الرئيسين أكدا خلال اتصالهما أن الولاياتالمتحدةوتركيا بلدان حليفان وصديقان، يربطهما تحالف دائم، وأكد ترامب دعم بلاده لتركيا بوصفها شريكًا استراتيجيًّا وحليفًا في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، معربًا عن ترحيب بلاده بالمساهمات التي تقدمها أنقرة للحملة ضد جماعة داعش. في الإطار ذاته، تطرق الرئيسان إلى مسألة إقامة منطقة آمنه في سوريا وأزمة اللاجئين، حيث اتفقا على التحرك بشكل مشترك في الباب والرقة بسوريا، كما لفت الرئيس التركي إلى أهمية مكافحة حزب العمال الكردستاني «بي كا كا»، وعدم تقديم الولاياتالمتحدة دعمها لتنظيم «ب ي د / ي ب ك»، فيما قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ينظر بإيجابية تجاه المقترح التركي حول إنشاء منطقة آمنة خالية من الإرهاب في سوريا، وأفاد قالن بأن تشكيل المنطقة الآمنة الخالية من الإرهاب في سوريا، التي تحدث عنها أردوغان، يعتبر أحد التدابير الأساسية لإيقاف تدفق اللاجئين من جهة والحل الأمثل من أجل عودة اللاجئين إلى مدنهم، وتابع: رؤيتنا هي رفع الخط الواصل بين أعزاز وجرابلس والباب، في محافظة حلب شمالي سوريا، إلى مساحة 5 آلاف كيلو متر، وإعلانها بالدرجة الأولى منطقة آمنة وخالية من الإرهاب. ورأى بعض المراقبين أن هذه المكالمة التي توحدت فيها الرؤى السياسية الأمريكية والتركية، قد تجعل الأخيرة تعود سريعًا إلى أحضان حليفتها القديمة واشنطن، خاصة أن أنقرة متمسكة بتحقيق حلم إقامة المنطقة الآمنة على الحدود، وهو ما تأكد مؤخرًا في تصريح الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، الذي أكد أن أولويات أنقرة تكمن في إقامة منطقة آمنة بشمال سوريا، تمتد بين بلدتي إعزاز وجرابلس، مضيفًا أن الفصائل المسلحة التي تدعمها انقرة دخلت إلى مدينة الباب بريف حلب الشمالي، مشيرًا إلى أن العملية العسكرية هناك تقترب من الانتهاء. في الوقت ذاته يظل حلم العودة إلى الأحضان الأمريكية يراود الرئيس التركي الذي يريد إمساك العصا من المنتصف، وكسب الخيارات كافة، والحصول على البدائل، والدخول في التحالفات، حيث خرجت تركيا على مضض من العباءة الأمريكية التي ظلت تحتمي بها لسنوات، لكنها اضطرت خلال السنوات القليلة الماضية للخروج منها بسبب سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في الأزمة السورية، خاصة دعم الإدارة الأمريكية السابقة للحليف الكردي والعدو اللدود لأنقرة على حساب تركيا، أضف إلى ذلك رفض أوباما التجاوب مع إلحاح أردوغان في تسليم زعيم المعارضة التركية، فتح الله جولن، المقيم في واشنطن بعد اتهامه بالوقوف وراء الانقلاب العسكري التركي الأخير الذي فشل في منتصف يوليو الماضي. التقارب التركي الأمريكي تجلى أيضًا في زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ال«CIA»، مايك بومبيو، إلى العاصمة التركية أنقرة، لتكون أول زيارة خارجية يقوم بها هذا المسؤول الأمني الأمريكي بعد تسلمه منصبه في إدارة دونالد ترامب، حيث وصل بومبيو إلى أنقرة وكان في استقباله عدد من موظفي السفارة الأمريكيةبأنقرة ومسؤولون أتراك، وكانت المحطة الأولى لبومبيو السفارة الأمريكية في تركيا، قبل أن يغادرها متجهًا إلى مقر الاستخبارات التركية لعقد لقاءات مع المسؤولين هناك. المتابعون للمواقف السياسية التركية لن يتفاجأوا من تنقل أردوغان بين الأحبال السياسية المختلفة، وتغييره لحلفائه وتحالفاته حسب أهوائه الشخصية ومصالحه بين غمضة عين وانتباهتها، فالرئيس أردوغان معروف بازدواجية معاييره وتقلباته السياسية، ليس فقط في الملف السوري، لكن في تصريحاته ومواقفه السياسية كافة، فسبق أن استشاط غضبًا من روسيا وأظهر أنها عدوه اللدود بعد حادثة إسقاط القوات التركية للمقاتلة الروسية على الحدود التركية السورية في 24 نوفمبر 2015، وقال مرارًا، إنه لن يعتذر عن الحادث لتمر الأيام ويخرج باعتذار للرئيس بوتين، وأظهر فيما قبل انتمائه ودفاعه عن القضية الفلسطينية، وأدان وشجب مرارًا تطبيع الدول العربية مع الاحتلال، لتمر الأحداث ويكون مسؤولوه هم الأكثر زيارة للكيان الصهيوني، وتكون بلاده الأوثق علاقه بالاحتلال، وفي الملف السوري أطلق مرارًا وتكرارًا تصريحات تفيد بعداوته مع الرئيس السوري، بشار الأسد، واستحالة التعاون أو التنسيق معه أو مع الجيش السوري، لتجبره مصالحه الشخصية على التنسيق مع الأسد والتعامل مع الجيش السوري. تأتي هذه التطورات في الوقت الذي أعلن فيه الجيش التركي مقتل 3 جنود أتراك وإصابة 11 آخرين خلال ضربة جوية «غير مقصودة» نفذها سلاح الجو الروسي في مدينة الباب شمال سوريا، الخميس الماضي، وذكر بيان صادر عن الجيش أن الضربة الجوية استهدفت مبنى كان يتواجد فيه جنود أتراك، وأكد البيان أن المسؤولين الروس أكدوا أن القصف كان عن طريق الخطأ ولم يكن مقصودًا، وأعربوا عن تعازيهم للجانب التركي. اللافت للانتباه أن أنقرة حاولت الإسراع نحو غلق ملف الضربة الروسية التي أسقطت 3 من الجنود الأتراك، وتقبلت التبريرات الروسية حول الضربة العسكرية واقتنعت بأنها «غير مقصودة» أو «جاءت نتيجة لسوء التنسيق» بسهوله دون الحديث عن تعويضات أو اعتذار رسمي حتى من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، فكيف يمكن لأردوغان المعروف باستغلاله لأصغر المواقف وتهويلها كي يستفيد منها سياسيًّا أن تمر مثل هذه الحادثة مرور الكرام عليه لمجرد قول الجيش الروسي بأن الضربة لم تكن مقصودة؟! وذهب بعض المحللين إلى القول إن تركيا باتت تدرك تمامًا أنها تحتاج إلى الدعم الروسي ولا يمكنها أن تتعامل باستراتيجية العنجهية القديمة مع موسكو، مثلما تعاملت معها في حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية – التركية، حيث تعتبر روسيا همزة الوصل والتنسيق بينها وبين الجيش السوري، كما أن روسيا باتت تمسك بزمام الأمور بإحكام في المنطقة. فيما رأى آخرون أن الضربة الروسية «المقصودة» كانت تهدف إلى إيصال رسالة معينة إلى السلطات التركية، مفادها أن أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة أو التوازنات في سوريا سيقابل برد حازم وصارم وموجع لأنقرة، خاصة بعد التحركات التركية الأخيرة تجاه أمريكا ومحاولاتها حشد التأييدات لإنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية السورية مرفوضه من قِبَل القيادة الروسية والسورية والإيرانية. ومن المؤكد أن الألاعيب التركية لا تخفى على القيادة الروسية التي باتت على معرفة كاملة باستراتيجية أردوغان، وهو ما ظهر في تصريحات موسكو مؤخرًا التي أشارت إلى أن هناك قلقًا روسيًّا من تحركات أنقرة تجاه السعودية وأمريكا المؤيدتين للمنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة، حيث أكد دبلوماسي روسي رفيع المستوى، أنه مازالت هناك نقاط اختلاف كثيرة في مواقف موسكووأنقرة من الأزمة السورية، مؤكدًا أن الأخيرة تسعى لتحقيق أهداف خاصة بها، بالإضافة إلى محاربة داعش، الأمر الذي من المؤكد أنه سيؤثر على العلاقات بين موسكووأنقرة، والتنسيق المكثف بين البلدين في الملف السوري.