اعترفت روسيا، أخيرًا، بوجود خلافات تكاد تكون جوهرية مع تركيا حول الملف السوري. وأقر مدير القسم الرابع للشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر بوتسان خارتشينكو، أن أنقرة تسعى لتحقيق أهداف خاصة بها في شمال سوريا، بالإضافة إلى محاربة تنظيم داعش. وقال الدبلوماسي الروسي "نعم، نحارب داعش والنصرة معا، ومن غير الصحيح أن ننفي وجود أهداف خاصة بالأتراك في سوريا، ترتبط بتفهمهم للوضع". وأكد بوتسان خارتشينكو، على أنه مازالت هناك نقاط اختلاف كثيرة في مواقف موسكو، وأنقرة من الأزمة السورية، لكنه شدد على أن الجانب الروسي ينطلق من أن الأتراك لا يقيمون "منطقة عازلة"، مشيرًا إلى "أنهم في الوقت الراهن لا يعملون على إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، حسب تفهمنا". ورصدت التقارير قلقا روسيا مفاجئا بعد اتصال هاتفي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وأعقبتها تصريحات للرئاسة التركية ولرئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم. ما دفع موسكو إلى التصريح بأن موضوع بقاء الأسد في منصبه أو رحيله لا يمثل عائقا أمام تعزيز التعاون الروسي التركي في سوريا. وذلك في إشارة واضحة إلى أن روسيا غضت الطرف عن مساعي تركيا لإزاحة الأسد وتصميمها على هذا الموقف، وفضَّلت تطبيع العلاقات والتعاون معها على أمل تغيير موقفها من الأسد في ما بعد. الدبلوماسي الروسي بوتسان خارتشينكو قال أيضا إن الشيء الأهم هو توصل الطرفين (الروسي والتركي) إلى تفاهم أكبر بشأن الوضع الميداني وأولويات العمل في سوريا، والتي تتمثل في تثبيت نظام الهدنة، والعمل مع المعارضة السورية، وتشجيع أطراف النزاع على المشاركة في الحوار، مشددا في الوقت نفسه على أن موسكو لم تنس الخلافات، لكن من المهم "أن نناقشها. ويجب علينا الاعتماد على النقاط المشتركة بيننا في الوقت الراهن". وأعرب في نهاية المطاف عن أمله بأن يعدل الجانب التركي مواقفه مع تطور تعاونه مع روسيا في الملف السوري. ومن جهة أخرى، لجأت موسكو ولأول مرة منذ تطبيع العلاقات مع تركيا إلى الإدلاء بتصريحات تعكس عمليا حقيقة التناقضات والمخاوف القائمة، حيث قال الدبلوماسي الروسي إن "موقف موسكو من عملية درع الفرات التي يقودها الجيش التركي في شمال سوريا، لم يتغير. وهو يكمن في تأكيد ضرورة إجراء أي عمليات قتالية نشطة في أراضي دولة أخرى بموافقة حكومة هذه الدولة فقط". بل واستخدم الجانب الروسي ورقة الأكراد بعد أن كانت موسكو قد تجاهلتهم تماما خلال الفترة السابقة على أمل استمالة تركيا. وقال بوتسان خارتشينكو في هذا الصدد "إن موقف موسكو لا يتغير فيما يخص ضرورة إشراك أكراد سوريا في عملية التسوية السورية. ولكن موقف أنقرة في هذا الموضوع أيضا يبقى ثابتا.. هناك حوار جاري حول الموضوع بين الطرفين. ولكن موسكو ترفض تصنيف حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا كتنظمين إرهابيين". المراقبون اعتبروا التصريحات الروسية تحولا في الموقف الروسي يعكس غضبا وقلقا، وخاصة بعد أن أعلن رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم أن مدينة الباب السورية محاصرة من كل الجهات، وأن الجيش التركي يتقدم تجاه المدينة، مشيرا إلى أن "قوات نظام الأسد تتجه نحو مدينة الباب. وبالتالي، اتخذنا التدابير اللازمة بالتنسيق مع روسيا لكي لا يحدث أي حادث مزعج". كل هذه التصريحات الروسية جاءت عقب إعلان الرئاسة التركية أنها تولي الأولوية لإقامة منطقة آمنة شمال سوريا ستمتد من جرابلس إلى إعزاز. وكان الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين قد أكد على أن أولوية أنقرة تكمن في إقامة منطقة آمنة بشمال سوريا، تمتد بين بلدتي إعزاز وجرابلس. بل وشدد أيضا على أن قوات "الجيش السوري الحر" التي تدعمها تركيا قد أصبحت داخل مدينة الباب شمال سوريا. وأضاف أن تركيا طرحت خطة مفصلة لطرد "داعش" من معقله الرئيسي في مدينة الرقة، وأن مناقشة هذه الخطة تجري حاليا. غير أن المهم في تصريحات الرئاسة التركية، أنها ركزت على أن "التنسيق مع التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة بشأن الضربات الجوية في الأيام العشرة الماضية كان أفضل". وفي الوقت نفسه، أكد أن أنقرة تنسق عملياتها العسكرية في الباب مع الجانب الروسي للحيلولة دون صدامات مع قوات نظام الأسد. ووصف هذا التنسيق بأنه فعال، وأن هذا الأمر مهم بالنسبة لروسيا أيضا. المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين، قال أيضًا إنه بعد "تطهير الباب"، ستكون المعارضة السورية مستعدة للتقدم نحو الرقة، وأكد مجددا على أن استمرار بحث الخطة التركية بهذا الشأن في إطار التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وأشاد بالتنسيق مع طيران التحالف، مشيرا إلى تحسن مستوى هذا التنسيق على مدى الأيام العشرة الماضية. ما يعكس التأثير الواضح والخطير للمباحثات الهاتفية التي جرت بين ترامب وأردوغان، حيث اتفقا على التحرك بشكل مشترك في مدينتي الباب والرقة، إضافة إلى بحث إقامة المناطق الآمنة في سوريا وأزمة اللاجئين.