في الوقت الذي لا تبدو فيه العلاقات بين الغريمين التقليديين النسر الأمريكي والدب والروسي على ما يرام، على خلفية المشاكل الدائرة بينهما في ملفات عدة، قد يكون السوري أعقدها، يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللعب على الحبلين الروسي والأمريكي، في محاولة منه لتحقيق مصالحه، فواشنطن تؤمن لأنقرة دعمًا في معارضتها للنظام في سوريا، الأمر الذي يحقق لها التقارب مع أموال العواصم الخليجية وتل أبيب، بينما تؤمن موسكولأنقرة دعمًا ضد الأكراد وداعش الذين نفذوا سلسلة من الهجمات الإرهابية على أراضيها. أنقرة بين واشنطنوموسكو تشهد العلاقات الروسية الأمريكية توترًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، فقبل أيام توصل الخبراء الروس والأمريكيون إلى صياغة أولية لاتفاق بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والأمريكي جون كيري، كان من المفترض أن يتم الإعلان عنه الأحد الماضي، لكن الأمريكيين اتهموا الروس بالتراجع عن بعض النقاط الواردة فيه. اليوم كان من المفترض أن يعقد لقاء بين الوزيرين في جنيف حول الأزمة في سوريا، حيث أكدت الخارجية الروسية أنه تم التوافق على الاجتماع، غير أن الخارجية الامريكية اكتفت من جهتها بتأكيد إجراء المكالمة الهاتفية بين كيري ولافروف، مشيرة إلى أنه ليس لديها في الوقت الحاضر ما تعلنه بشأن أي رحلة مرتقبة لكيري إلى الخارج، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر: إنه لم يتم التوصل لاتفاق لوقف لإطلاق النار في سوريا. الأمر الذي يعكس طبيعة الصراع بين موسكووواشنطن. وفي خضم الأجواء المشحونة بين روسيا وأمريكا، يحاول السلطان التركي الإمساك بجميع أوراق اللعبة، فمع واشنطن يعد أردوغان حليفها الرئيسي في المنطقة من خلال بوابة الناتو، وتطبيعه الأخير مع مدللتها الكيان الصهيوني يسير في تعميق هذا التحالف، ومع روسيا يمني أردوغان النفس في أنَّ تصالحه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيمنحه الضوء الأخضر لاحتلال سوريا أو أجزاء منها. جرابلس والرقة بعد المصالحة بين أنقرةوموسكو حاول أردوغان سريعًا استثمار الموقف، من خلال إقحام قواته العسكرية في جرابلس، وقتها استنكرت "إعلاميًّا" كل من دمشقوموسكو هذا التدخل، لكن هذا الاستنكار لم يتعدَّ وسائل الإعلام، فمن حيث المبادئ إيقاع التدخل التركي في الشمال السوري مضبوط روسيًّا وإيرانيًّا، فالحيز المسموح لتركيا في هذا التدخل يأتي في حدود محاربتها لداعش، وهو ما لا تمانع فيه موسكو، وطرد الشبح الكردي عن حدود تركيا الجنوبية، وهو الأمر الذي لا تعارضه طهرانودمشق، خاصة بعد التمرد الكردي على مواقع تابعة للنظام السوري في الحسكة، والمحاولات الكردية المتكررة للاستقلال عن سوريا أو اتباع نظام فيدرالي في انتظار أن تحين الفرصة. في عملية جرابلس "درع الفرات" استغل أردوغان المواقف الدولية في إحداث نوع من التوافق الدولي على تدخله فيها، فموسكوودمشقوطهران تتابع بحذر تحركات أنقرة في الشمال السوري، خاصة بعد الانعطافة التركية باتجاه روسيا، في المقابل قد لا ترغب واشنطن في إظهار ممانعة لتوغل تركيا في الشمال السوري؛ حتى لا تخسرها كحليف بشكل نهائي، خاصة في ظل الملفات العالقة بين واشنطنوأنقرة فيما يخص الأكراد وملف فتح الله جولن، وتردد أنباء عن دعم واشنطن للانقلاب الفاشل في تركيا منتصف يوليو الماضي، بالإضافة لتقارب تركيا الأخير مع روسيا، كما أن الولاياتالمتحدة قد تجد في تركيا الحليف العسكري المحترف الذي قد يخرجها من ورطتها في حربها ضد داعش، سواء في سوريا أو العراق، الأمر الذي دفع واشنطن لدعم عملية "درع الفرات" بغطاء جوي. ولكن يبدو أن رقص أردوغان على الحبل الروسي المقطوع، والذي تم وصله مؤخرًا، قد لا يشكل أرضية ثابتة للتوافقات بين أنقرةوموسكو، خاصة بعد عودة حديث أردوغان الجديد القديم عن تشكيل منطقة حظر جوي في الشمال السوري، الأمر الذي ترفضه كل من دمشقوموسكووطهران، وحتى واشنطن جددت رفضها لفكرة الحظر الجوي. وعلى صعيد معركة الرقة السورية معقل داعش الرئيسي، أصبحت تصريحات أنقرة تقلق الجانب الروسي، فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، قال الجمعة الماضية إن أنقرة ستتخذ خطوات "جدية" لتطبيع العلاقات مع سوريا كما فعلت مع روسيا والكيان الصهيوني، إلا أن دعوة أردوغان لمشاركته الولاياتالمتحدة في حربها ضد داعش في الرقة لا ينظر لها بعين الرضا من الجانب الروسي، فأردوغان أكد أن بلاده مستعدة لقبول اقتراح واشنطن حول إجراء عملية مشتركة لتحرير الرقة السورية من أيدي تنظيم "داعش"، الأمر الذي لم يعجب بوتين، فلم تكد أنقرة تعلن استعدادها لهذا، حتى دعت روسياتركيا إلى الامتناع عن أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في سوريا، وحذرتها من أن عملياتها العسكرية داخل سوريا قد تعقد الوضع العسكري السياسي الصعب في هذه الدولة، وتؤثر سلبًا في الجهود الدولية الهادفة إلى الاتفاق على أساس للتسوية السورية. أردوغان يحاول اللعب مع الكبار في ظل عدم وجود توافق وتفاهمات كاملة بين أنقرةوموسكو، وأنقرةوواشنطن، فأردوغان اقترح سابقًا على الولاياتالمتحدة أن تتولى القوات التي تتلقى تدريبًا تركيًّا، والمكونة من عناصر عربية، تحرير مدينة منبج وريفها من قبضة داعش، لكن الاقتراح لم يلقَ موافقة واشنطن، التي فضلت إعطاء الدور لحزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، وأوضحأن الحجة الأمريكية كانت تقول إن تنفيذ المقترح سيؤجل تحرير المدينة بين شهرين إلى ثلاثة أشهر. في الوقت نفسه تتردد أنباء أن زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، اليوم الخميس وغدًا الجمعة، لتركيا تهدف إلى أن تقوم تركيا "عضو الناتو" بإعطاء ضمانات للأطلسي بعدم التنسيق العسكري مع روسيا أو تسريب معلومات عسكرية لموسكو قد تضر بالحلف الأطلسي، الأمر الذي يشي بأن على أنقرة حسم أمورها سريعًا حول الوضع في سوريا، وأنه لا مكان لأنصاف الحلول، فأهداف واشنطنوموسكو في سوريا وغيرها متناقضة، ولن يستطيع أردوغان الجمع بين المتناقضين.