الرئيس السيسي يوقع تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    فتح باب التقديم لوظيفة مدير عام المجازر والصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالغربية (الشروط)    انخفاض سعر الريال السعودي أمام الجنيه في 4 بنوك اليوم    الثلاثاء 10 يونيو 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    ارتفاع الأسهم العالمية والدولار مع تقدم المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    لا تهاون مع التعديات.. إزالة فورية لبناء مخالف بدندرة    وزير المالية يوجه بتسهيل الإجراءات الجمركية لضيوف الرحمن    وزير الإسكان يتابع مشروعات المرافق الجاري تنفيذها بالعبور الجديدة    رغم ترحيل جريتا ثونبرج.. 8 نشطاء رفضوا التوقيع على وثائق الترحيل الطوعي من إسرائيل    استشهاد 4 مسعفين برصاص الاحتلال أثناء تأديهم واجبهم الإنساني في حي التفاح بغزة    عائلات الأوكرانيين المفقودين تتجمع مع بدء تبادل الأسرى    وزيرة إسبانية تدين اختطاف السفينة مادلين : يتطلب رد أوروبى حازم    لبنان: استشهاد لبناني ونجله فى غارة إسرائيلية على شبعا    مستوطنون يقتحمون باحات "الأقصى" بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    كندا تتعهد برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي استجابة لضغوط "الناتو"    الدبيس: أتمنى المشاركة أساسيا مع الأهلي في كأس العالم للأندية    "سيصل إلينا يوماً ما".. كلمة مؤثرة من جوارديولا على الأحداث في غزة (فيديو)    الأردن ضد العراق: الموعد والقنوات الناقلة مباشر في تصفيات كأس العالم 2026    "بطريقة طريفة".. لاعبو الأهلي يرحبون بزيزو (فيديو)    مباريات اليوم.. ختام المرحلة الثالثة بتصفيات آسيا للمونديال    إمام عاشور: الأهلي غيّرني    تعليم سوهاج: بدء تصحيح أوراق الشهادة الإعدادية اليوم الثلاثاء    تحذير من طقس اليوم.. الأرصاد تعلن استمرار الأجواء شديدة الحرارة    كوارث الانقلاب اليومية ..إصابة 33 شخصا بتسمم غذائي بالمنيا وسقوط تروسيكل فى مياه النيل بأسيوط    طواف الوداع.. ختام الرحلة ودموع الفراق    ضبط 8 ملايين جنيه من تجار العملة في 24 ساعة    حريق محدود في مخزن مواد غذائية بقسم أول سوهاج دون إصابات    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 2200 قضية «سرقة كهرباء وظواهر سلبية» خلال 24 ساعة    بعد عدة تأجيلات.. موعد عرض فيلم «روكي الغلابة» في السينما    بعد حفل زفافها باليونان.. أمينة خليل تتصدر التريند    في أولي حفلاته بعد الحج.. أحمد سعد يوجه رسالة لجمهوره| صور    10 يوليو.. بتر شو Better Show يعود بعرض "السنجة" على مسرح نهاد صليحة    اعلام إسرائيلي: ناشطو السفينة مادلين قيد الاعتقال في سجن الرملة    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا خلال شهر مايو    رئيس صندوق المأذونين الشرعيين يفجر مفاجأة حول زواج المصابين بمتلازمة داون    حِجر إسماعيل..نصف دائرة في الحرم تسكنها بركة النبوة وذاكرة السماء    الصحة: استحداث خدمات نوعية بمستشفيات التأمين الصحي آخر 10 سنوات    انتشار سريع وتحذيرات دولية.. ماذا تعرف عن متحور "نيمبوس"؟|فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    فنان العرب محمد عبده والمايسترو هاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية في حفلات عيد الأضحي 2025    حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    الخارجية الإيرانية: الجولة المقبلة من المحادثات مع واشنطن تُعقد الأحد في سلطنة عُمان    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    "خسارة للأهلي".. نتائج مباريات الإثنين    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير من السعودية: معكم ضد مصر!
نشر في البديل يوم 31 - 12 - 2016

من جديد يكشف الرئيس السوداني، عمر البشير، عن إمكانيات نظامه في اللعب على حافة الصراعات الإقليمية للاستفادة من أطرافها بأقصى ما يمكن، فجدد البشير ولائه البادئ منذ أوائل 2015 للمملكة بعدما خلع مره وإلى الأبد علاقات اعتبرها "اضطرارية واستثنائية" مع إيران. ولكن تصريحاته إبان زيارته الأخيرة للمملكة تأتي بعنوان رئيسي وهو التعاون مع الرياض ضد الخصم المعتاد، مع عنوان جانبي ممثل في اتفاق بين الأخيرة وبلاده على مواصلة الضغط على القاهرة في أكثر من ملف وقضية.
من ضمن هذه الملفات وعلى رأسها بالأحرى ملفي حلايب وسد النهضة، وكيفية التلاقي بين الخرطوم والرياض على الاستثمار في هذين الملفين ضمن حزمة من التفاهمات والاستفادة الناتجة عن تقارب بين البلدين منذ بداية العام قبل الماضي. والذي فيما بدا حتى الأن يأتي على حساب الدور المصري في أفريقيا، أو بالحد الأدنى عرقلته.

على مستوى العلاقات بين البلدين وتأثيرها على مصر، فالمتغير الأساسي منذ ذلك التاريخ هو تحريك مسألة حلايب من زاوية "عربية"، أتى تدويرها على أثر عودة العلاقات السعودية-السودانية إلى مساحات التعاون بعد قطيعة استمرت لنحو ثلاث سنوات، سبقها تقليص السعودية لاستثماراتها ومساعداتها للسودان، وذلك على أثر فتح البشير لقنوات تعاون اقتصادي وثقافي إيرانية في بلاده على خلفية موقف السعودية المتجاهل لدعم البشير إبان أزمة استدعائه للمحاكمة الدولية في 2009، وصدور قرار اعتقال دولي بحقه. هذه القطيعة بلغت ذروتها في 2013 عندما منعت المملكة عبور طائرة البشير لأجوائها في طريقة إلى إيران، وقتها قلصت السعودية وجودها الدبلوماسي في السودان إلى حد إغلاق سفارتها عملياً اللهم إلا خدمة تأشيرات الحج.
هذا التأزم الغير مسبوق في تاريخ العلاقات بين نظام البشير والمملكة انتهى في ساعات قليلة هي عمر اجتماع البشير مع محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي في مارس من العام الماضي، عشية العدوان السعودي على اليمن، وحاجة بن سلمان لحشد موقف عربي وإقليمي ل"عاصفة الحزم"، وذلك طبقاً لرؤية إستراتيجية شُرع في تنفيذها منذ تولي الملك سلمان والتغيرات التي حدثت في البيت السعودي الحاكم، والتي كانت انعكاساتها الخارجية تتلخص في إنهاء كل الخلافات الثانوية بين المملكة ودول المنطقة من أجل صراعها الرئيسي مع إيران. وهذا تطلب بالنسبة للحالة السودانية أن تسعى المملكة وبسرعة في تعويض الخرطوم بما يزيد عن حاجتها لطهران، في النواحي المادية والسياسية بهدف إنهاء العلاقات بين الأخيرة ونظام البشير بشكل حاسم وسريع، وهو ما تم فعلاً، كذلك ضم السودان لتحالف الحزم ومشاركة قوات سودانية في المعارك البرية في اليمن، وأخيراً أن تسعى الرياض لخلق ورقة ضغط مستقبلية عن طريق السودان وأثيوبيا في منطقة جنوب البحر الأحمر، أو شمالاً تجاه مصر، حيث تتباين الرؤى بين القاهرة والرياض منذ بداية العام الجاري فيما يخص السياسات الخارجية وخاصة فيما يتعلق بالاستدارة السعودية الإيجابية تجاه جماعة الإخوان وتركيا وقطر، وكذلك التباين بين العاصمتين فيما يخص سيناريوهات حل الأزمة السورية، وسرعان ما تطورت إلى خلافات حادة بين البلدين في الشهور الأخيرة.

ومن شبه المؤكد أن الاتفاق السعودي السوداني مؤخراً، أو بالأحرى شراء الرياض لولاء الخرطوم تطور عن فكرة اجتراح ورقة ضغط ضد القاهرة في تبايناتها وخلافاتها مع الأولى إلى وجود ارتكاز سعودي في أفريقيا يضمن موطئ قدم له فوائد ودوافع متعددة:
1-تقدم السعودية في عهد بن سلمان كقوة إقليمية فاعلة تستند على مرتكزات جيوستراتيجية لا تعتمد فقط على الظهير المصري والمال السياسي والاصطفاف الطائفي بل توظيفهم كل ذلك على أرضية صلبة تتيح لها الاضطلاع بدور الدولة المهيمنة عربياً وإسلامياً في المنطقة، وتفاعل هذا الدور مع مختلف القوى الدولية والإقليمية سلباً وإيجاباً خاصة في ظل سياسات الانكماش الأميركي ورفع الغطاء السياسي التقليدي عن دول إقليمية مثل السعودية.
2-سعودة البحر الأحمر أي يكون شبه بحيرة خالصة للسعودية سواء من حيث الحيازة على شواطئه الغربية والسيطرة على الممرات البحرية من تيران وصنافير إلى جزر باب المندب اليمنية، وهو ما يتجانس مع السابق من زاوية تملك أوراق قوة جيوسياسية تمكن المملكة من مسايرة القوى الدولية والإقليمية وضمان قدرة المبادرة والمبادأة.
3-تواجد في أفريقيا كنفوذ في أطار السابق ووجود عمق حيوي سعودي سواء عن طريق التأثير الغير مباشر في أكثر من جهة وملف (دور السعودية في القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي وعودة المغرب له وتأثير الرياض على الجزائر في هذا السياق، تطوير علاقاتها بدول حوض النيل وعلى رأسها أثيوبيا والسودان.
4- وهو الدافع الأهم، والذي يقف خلف معظم السياسات السعودية الخارجية، وهو الصراع مع إيران ومحاولة الحد من تنامي علاقات ونفوذ إيران في القارة السمراء.
5- تلاقي السعودية مع الحليف الإقليمي الأهم، إسرائيل، في معظم السابق وخاصة في مسألة التواجد في أفريقيا وحوض النيل، والتي تعد الرياض لاحقة على تل أبيب في هذا المضمار وتعتبر الأخيرة نموذج ينبغي الاحتذاء به من حيث استخدام النفوذ وتوظيفه في مختلف الأوجه.

على هذا الأساس انتقل البشير بسلاسة من مربع التحالف مع إيران لمربع خدمة المملكة، ضارباً على وتر التخوفات والأهداف السعودية في أفريقيا والمنطقة بشكل عام وعلى رأسها مواجهة إيران، فتصريحاته إبان زيارته الأخيرة تحدثت بدون مواربة عن "الخطر الإيراني" "والدور الإيراني في أفريقيا" وإلى أخر المسميات والتوصيفات التي تطرب الإعلام السعودي وكذا الساسة. وربما أيضاً كطلب لمغفرة سعودية بعد الدور الذي لعبته الرياض وتل أبيب في إسقاط العقوبات الأميركية على الخرطوم في أواخر ساعات عهد أوباما، وهو ما قد يتراءى للبعض أنها "برجماتية" سليمة من زاوية أن علاقة الخرطوم مع طهران لم تساعد –إن لم تصعب- مسألة العقوبات الدولية والأميركية ضد البشير ونظامه، على عكس العلاقة مع الرياض التي لها منافع كثيرة لهذا النظام وأخرها إسقاط العقوبات الأميركية، ولكن هذه النظرة ينبغي أن تتوازى معها فكرة أن بقاء هذا النظام وأشخاصه ومصالحهم الضيقة لم يرى ضرراً في التفريط بالقمع والمجازر والتنازل عن نصف بلده –جنوب السودان- وربما أيضاً نصف ما تبقى – دارفور وكردفان- من أجل الاستمرار في السلطة.

بالتوازي مع زيارة البشير وتصريحاته في الرياض التي قللت من شأن تخوفات القاهرة تجاه مشروع سد النهضة، وكذا تصريحاته المضادة لإيران، تجددت "تسريبات" خاصة بعلاقة القاهرة بالرياض وعامل طهران كمؤثر عليها سلباً وإيجاباً، وهو ما يشي بأن البشير يلتقط خيط التوتر المصري السعودي لمنافسة القاهرة في توفير ما تريده السعودية في أفريقيا؛ فبالإضافة إلى اتساق الخرطوم مع موقف أديس أبابا، وحذوها مؤخراً لصالح الأخيرة، فإن البشير ضرب بتصريحاته الأخيرة المتعلقة بموقف القاهرة من سد النهضة على وتر الدور السعودي المتنامي في نفس الملف، والمنقلب منذ العام الماضي ضد مصلحة "الحليف المصري"، وكأن البشير يريد بذلك ترقية دور نظامه من مجرد عامل إزعاج وتوتر تستفيد منه السعودية للضغط على مصر، مثلما حدث العام الماضي في دعم المملكة للخرطوم في إحياء مطالب الأخيرة بسودانية مثلث حلايب، إلى لاعب مساعد في تنفيذ سياسات المملكة في أفريقيا عموماً ودول حوض النيل خصوصاً، والتي تهدف إلى تواجد ونفوذ وإدارة غير مباشرة بالتعاون مع إسرائيل لملفات هذه الدول عامة وملف سد النهضة بشكل خاص.

هنا لا يمكن الجزم بأن زيارة البشير الأخيرة للسعودية كانت محصورة فقط في شأن ثنائي بين البلدين، ولا حتى "مواجهة الخطر الإيراني في أفريقيا" بتعبير البشير، ولكن بوضع لمسات أخيرة على تموضع السودان في أي تصعيد وشيك بين مصر والسعودية وتفعيل دور الخرطوم بشكل بتجاوز مجرد الضغط والإزعاج للقاهرة، إلى توحيد موقف البلدين ضد القاهرة في ملف النهضة بشكل خاص، ودور السودان الوظيفي في مفاعيل التحالف السعودي-الإسرائيلي بشقه الأفريقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.