كشف رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل خلال تصريحاته الأخيرة عن تعديلات وزارية مرتقبة فى الحكومة خلال الأسبوع القادم، معلنًا أن دمج عدد من الوزارات في التعديل الوزاري "وارد"، مستبعدًا في الوقت ذاته استحداث أي وزارات. تتزامن هذه التصريحات مع حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخير مع عدد من الصحف القومية، ردًّا على سؤال عن كيفية تقييم أداء الحكومة، وهل هناك تعديل وزاري قريب، فأجاب الرئيس: الناس تقيم الحكومة وفقًا للظروف والأسعار، وهذا أمر غير منصف، وأنا لا أقول هذا من أجل إيجاد مبرر، وإنما لعظم المسؤولية، وصعوبة المهمة في الظروف الراهنة، وما يحتاج إلى تصويب سنصوبه ونحسن الأداء.. وهناك من يقول: سنحسن أداءنا. ومن يقول: هذا أقصى ما عندنا. وليست لدينا مشكلة أن يأتي غيره، ويحسن الأداء، وأنا أقدر من غيري – بحكم الاحتكاك اليومي- على التقييم.. صحيح أن النتائج على الأرض توضع في الاعتبار ليس بعلو الصوت، وإنما بإدارة العمل وانتظامه ومتابعته. أما عن أداء المهندس شريف إسماعيل نفسه، فأكد السيسي أنه يتمتع بثقته، وأن هذه الثقة نابعة من العمل ومن الأداء والمتابعة، والتقدير للمهمة، وأمانة المسؤولية. تجدر الإشارة إلى أن الأصوات تعالت، بعد حكم الإدارة العليا ببطلان طعن الحكومة على مصرية جزيرتي تيران وصنافير، للمطالبة بإقالة حكومة إسماعيل، بل وتقديمها للمحاكمة وتحملها المسؤولية السياسية لتفريطها في الأرض وتوقيعها على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.. وبين المطالب الشعبية والتصريحات الرسمية يبقى سؤال: ما الذي يريده المصريون من التعديل الوزاري المرتقب؟ يقول الدكتور أيمن سيد عبد الوهاب، مدير وحدة المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة ل "البديل"، إن المواطن المصري يحتاج لتغيير سياسات وليس تغيير أشخاص في الحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حيث يحتاج المواطنون إلى تعديل وزاري يواجه الاختلالات الاقتصادية التي تمت في الفترة الأخيرة؛ لنمضي في إصلاح اقتصادي حقيقي، دون تحميل الشرائح الفقيرة عبء هذا الإصلاح. وأضاف أن التعديل سوف يشمل بكل تأكيد المجموعة الاقتصادية بالحكومة، والتي يجب عليها وضع سياسات حمائية قوية، تساعد في ضبط أسعار السوق، وتفعيل آليات الاستثمار بشكل كبير، وإصدار تشريع حقيقي لقانون مكافحة الاحتكار، مع ضرورة أن تتماشى كل هذه الإجراءات مع طرحها أمام الرأي العام بوضوح؛ حتى يكون مدركًا ومستوعبًا لطبيعة التغييرات التي تحدث. وطالب عبد الوهاب بأن ترتبط معايير الاختيار بمدى كفاءة وقدرة الوزير الجديد على تنفيذ السياسات بوضوح، ومدى نجاح كل الوزارات في تحقيق التكامل والتناغم فيما بينها؛ من أجل سد الفجوة بين المواطن والحكومة، والتي كانت أحد أسباب مشكلات حكومة شرف إسماعيل. وقال نبيل زكي، المتحدث باسم حزب التجمع: المصريون بحاجة إلى حكومة تحترم أحكام القضاء، ولا تصطدم بالسلطة القضائية، وتتهور إلى هذا الحد غير المعقول، كما حدث مع قضية تيران وصنافير، وتعتبر نفسها فوق القانون. وأضاف في تصريحاته ل "البديل": هذا بجانب الشق الاقتصادي وأهميته في التعديل الوزاري الجديد، والذي تكون أبسط مهامه القدرة على ضبط الأسعار، وألا تصبح بهذا التوحش الموجود الآن، مشددًا على أن أهمية التعديلات تأتي في الوزارت الخدمية، وعلى رأسها الصحة، حيث نحتاج إلى توفير رعاية صحية حقيقية للمواطنين بدل حالة الانهيار الحالية، وتطوير المستشفيات، وتوفير الأدوية والعلاج المجاني. وتابع: نحتاج إلى وزير تعليم صاحب رؤية حقيقية، قادر على تطوير هذه المناهج التعليمية الحالية، التي لا تخرج سوى إرهابيين صغار، يعتمدون على الحفظ والتلقين دون تفكير، وتقديم أفكار تنويرية تحترم العقل وقادرة على تخريج أجيال واعية، لا تغسل عقولها بمجرد التقاط الجماعات المتطرفة لها. وأشار إلى أن المواطنين يحتاجون إلى حكومة تحترم فكرة إحداث ثورة ثقافية وتطوير حقيقي للخطاب الديني، وليست حكومة بأفكار رجعية متسلقة، يرفض وزير تعليمها العالي الدكتور أشرف الشيحي إلغاء خانة الديانة الذي أقره رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار، بالإضافة إلى أهمية أن يكون لدى المصريين تشكيل حكومي يحترم حقوق الإنسان والمواطنة وأصحاب المعاشات وحقوق الأمومة والطفولة. وتوقع تغييرات في عدد من الوزارات الخدمية، مثل الصحة والتربية والتعليم، والوزارات الاقتصادية، مثل الاستثمار، خاصة مع الأداء الضعيف للوزيرة داليا خورشيد، واستمرارها في نفس سياسات مبارك، دون أن تدرك أن الاستثمار لن يتحقق بالتفريط في حقوق المصريين بفتح الباب على مصراعية في مجال الإعفاءات الضريبية للمستثمرين، ولكن ما يجذبهم هو الاستقرار السياسي واحترام دولة القانون. بينما لا تتوقع إلهام عيدروس، وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس، في تصريحات خاصة ل "البديل"، تغييرًا حقيقيًّا، معربة عن أن التعديل لن يجدي طالما يغيب التغيير عن رأس السلطة التنفيذية تحت رئاسة عبد الفتاح السيسي، مؤكدة أن حكومة شريف إسماعيل كانت أقرب للسكرتارية التنفيذية لرئيس الجمهورية، وتحول الوزراء إلى مجموعة موظفين لا يمتلكون أي رؤية حكومية أو خطط محددة. وأضافت أن هناك ثلاثة ملفات يجب حسمها من النظام السياسي الحاكم قبل أي تعديل وزاري، موضحة أن الرئيس يسير نحو سياسات اقتصادية شديدة الخطورة، واستمراره في تلبية شروط الاقتراض الدولي وتحرير سعر الصرف، فى ظل غياب تام لأي سياسات تحمي المواطن البسيط، وتوفر له الحد الأدنى من المعيشة الكريمة، لن يفيد معه تعديل وزاري في المجموعة الاقتصادية، طالما توجه الدولة يسير نحو هذا السوق الرأسمالي المفتوح، مضيفة أن الملف الثاني هو تبني سياسة الصوت الواحد وتكميم الأفواه، وتتضح هذه الممارسات بقوة في الإجراءات التي تتخذها الدولة مع المجتمع المدني والنقابات المستقلة والجمعيات الأهلية، واستمرار السياسات الأمنية الخاطئة. بينما يأتي الملف الأخير، وهو ترسيخ النظام السياسي للرجعية ومحاربة قيم المواطنة، والذي انعكس في غياب تطبيق القانون مع حوادث العنف الطائفي وانتشار الطائفية، واشتعال أزمات المواطنة بصفة عامة، واختتمت عيدروس بأنه حتى لو تم تعديل 100 حكومة ووزارة، فلن يحقق نفعًا طالما النظام السياسي لا يحسم بوضوح موقفه من هذه الإشكاليات الثلاثة السابقة؛ لما تمثله من أهمية كبيرة.