تعقيدات سياسية عديدة تعترض طريق تشكيل الحكومة المغربية، بعد الحديث عن ضغوط ملكية مورست على رئيس الحكومة المغربية المعين عبد الإله بنكيران، لسرعة تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، رغم مضى أكثر من 3 أشهر على تكليف بنكيران. عقبات جديدة أمس، أعلن بنكيران توقف المشاورات مع عزيز أخنوش، رئيس "التجمع الوطني للأحرار"، وامحند العنصر، الأمين العام ل"الحركة الشعبية"، وهو الأمر الذي من شأنه أن يدفع ملف تشكيل الحكومة إلى طريق مسدود. وقبل 4 أيام اتجه بنكيران لتشكيل الحكومة القادمة من الأحزاب الأربعة التي تكوّن الائتلاف الحكومي الحالي، أي العدالة والتنمية (125 مقعدا)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (12 مقعدا)، والحركة الشعبية ذات (27 مقعدا)، بعد أن استبعد حزب الاستقلال، رغم حلوله ثالثًا في عدد المقاعد المتحصل عليها خلال الانتخابات التشريعية، وكان بإمكان أحزاب الأغلبية الأربعة السابقة، في حال اتفاقها، وهو مالم يحدث، تشكيل الحكومة الجديدة لحصولها في الانتخابات الأخيرة على مجموع 201 مقعد. ويبدو أن بنكيران، وجد ذريعة مناسبة قُدمت له على طبق من ذهب لاستبعاد حزب "الاستقلال" من المشهد الحكومي الذي كان يرفض استبعاده من قبل، وكانت عبر البوابة الموريتانية، فالأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، كان قال إن موريتانيا جزء من المغرب وإن حدود المغرب تمتد من طنجة إلى نهر السنغال، ورغم تراجع شباط، واعتذاره عن هذه التصريحات، فإن الحزب الحاكم "العدالة والتنمية"، قرر قطع صلاته بحزب الاستقلال المغربي، وقال بنكيران، إن هذه التصريحات تضر بالعلاقات المغربية الموريتانية، خاصة أنها تسببت، خلال الأيام القليلة الماضية، في تراشق إعلامي وسياسي بين البلدين، الأمر الذي دفع بنكيران لزيارة موريتانيا وتسليم رئيسها محمد ولد عبد العزيز، رسالة من ملك المغرب محمد السادس، تصف تصريحات حزب الاستقلال بغير المسؤولة. وكان حزب الاستقلال، قد عبّر عن رغبته المشاركة في الحكومة، إلّا أن حزب التجمع الوطني للأحرار، وخلفه الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، عبّر عن رفضه المشاركة بوجود الاستقلال. وبعد استبعاد بنكيران، لحزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية المزمعة، أصبح رئيس الوزراء المكلف في وضع لا يحسد عليه، فبعد رهانه على الأحزاب الثلاثة وهي التجمع الوطني للأحرار، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية، لتشكيل الائتلاف الحكومي، بعد تنفيذ رغباتهم في استبعاد الاستقلال، تعثرت المفاوضات بين بنكيران والتجمع الوطني والحركة الشعبية، وهو الأمر الذي تجلى في قرار بنكيران، بالأمس وقف مفاوضات تشكيل الحكومة مع حليفيه السابقين. توقف المفاوضات جاءت على خلفية أن حزبي التجمع الوطني والحركة الشعبية أصدرا بيانا مشتركا مع حزبين لم يوجه بنكيران لهما الدعوة للمشاركة في الحكومة ولا يرغب في ضمهما للتشكيل الحكومي، وهما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري (19 مقعدا)، وهي الأحزاب المناهضة لسياسات بنكيران لتشكيل الحكومة، حيث أصدر الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي في وقت سابق بيانين منفصلين انتقدا فيهما ما وصفاها بمنهجية بنكيران في مشاورات تشكيل الحكومة، وقالا إن حسابات حزبية ضيقة تبتغي تصفية حسابات سياسية حكمت تلك المشاورات. حلول بنكيران لا يعرف ما إذا كان بنكيران سيستجيب مستقبلًا لمطالبات خصومة بالاستقالة لتأخره في تشكيل الحكومة، وهي المطالبات التي مازال يرفضها، وطالب الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" المنافس للحزب الحاكم، بأنه يجب على رئيس الحكومة المعين أن يباشر تشكيل الحكومة من جديد أو يقدم استقالته لجلالة الملك، وهو الأمر الذي رفضه بنكيران. وفي الشهر السابق رفض رئيس الوزراء المكلف إعادة الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 أكتوبر الماضي وفاز فيها ب125 مقعد في البرلمان. يحتاج بنكيران إلى 198 مقعدا من أصل 395 مقعدا لتشكيل ائتلاف حكومي يساعده على تمرير القوانين في مجلس النواب، وهو الغرفة الأولى في البرلمان المغربي، وبعد نتائج الانتخابات التشريعية، أعلن حزب الاستقلال الحاصل على 46 مقعدا، وحزب التقدم والاشتراكية (12 مقعدا) قرارهما المشاركة في الحكومة الجديدة، ما يعني أن بنكيران كان محتاجًا فقط إلى 15 مقعدا، ولكن بعد استبعاده لحزب الاستقلال وتوقف المفاوضات مع حزبي الأحرار والحركة الشعبية (27 مقعدا)، لا يملك بنكيران سوى 137 مقعدا، وهو الأمر الذي لا يخول له تشكيل ائتلاف حكومي. صحيح أن الدستور المغربي لا ينص على مهلة زمنية معينة لتشكيل الحكومة عقب إجراء الانتخابات البرلمانية، ولكن في الوقت نفسه تقل الخيارات أمام بنكيران لتشكيل الحكومة، خاصة أن الانتخابات التشريعية أفرزت واقعا سياسيا معقدا، نتيجة تقارب النتائج بين حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة (102 مقاعد)، ومن الواضح أن هذه النتيجة المتقاربة للحزبين المغربين الرئيسيين ستجعل من الصعب بالنسبة للعدالة والتنمية تشكيل حكومة، علما أن النظام الانتخابي الساري في المغرب لا يسمح لأي حزب بالفوز بأغلبية مطلقة، وينبغي على الفائز تشكيل حكومة ائتلافية، ويعين الملك، الذي لا يزال يحتفظ بمعظم الصلاحيات التنفيذية، رئيسا للوزراء من الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات. ويرى مراقبون أن فرص بنكيران تتمثل في تنازل حزبي "التجمع الوطني للأحرار" و"الحركة الشعبية" عن شروطهما بإشراك حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، أو على الأقل التنازل عن إدخال الاتحاد الاشتراكي والإبقاء على الاتحاد الدستوري، الحاصل على 19 مقعدا، أو أن يعود بنكيران إلى الأغلبية الحكومية في نسختها الأولى التي كانت تضم حزب "الاستقلال". وتبقى أحد الحلول الصعبة أمام بنكيران التحالف مع حزب "الأصالة والمعاصرة" (معارض)، رغم أن العدالة والتنمية تعتبر ذلك "خطا أحمر".