أبلغ مستشارو الملك المغرب محمد السادس، رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، حرص الملك على تشكيل الحكومة الجديدة في أقرب وقت، وقالت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، إن المستشارين عبد اللطيف المنوني، وعمر القباج، عقدا السبت الماضي، لقاء مع بنكيران، بمقر رئاسة الحكومة، وأبلغا الأخير بانتظار الملك وكافة المغاربة بشأن "تشكيل الحكومة الجديدة". وكان ملك المغرب كلف في 10 أكتوبر الماضي، أي قبل نحو شهرين ونصف من الآن، بنكيران، وهو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بإعادة تشكيل الحكومة لولاية ثانية، عقب تصدر حزبه الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من ذلك الشهر، وأطلق بنكيران بعد ذلك مشاورات مع الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة، دون التوصل حتى اللحظة للأغلبية النيابية التي تمكنه من تشكيلها. مشكلة تشكيل الحكومة بعد مرور أشهر على فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات التشريعية، وإعادة تكليف رئيسه عبد الإله بنكيران، بتشكيل حكومة جديدة؛ لم يتمكن الأخير حتى الآن من الحصول على النصاب القانوني اللازم لتشكيل ائتلاف حكومي، وفي انتظار الخروج من الأزمة الحالية، يتم تسيير البلاد بحكومة تصريف أعمال تستمد قوتها من سلطة ونفوذ الملك، الذي يعدُّ المحرك الأول للشأن العام في المغرب. على الرغم من تصدر بنكيران الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب وحصوله على 125 مقعدا، وعلى ظهير ملكي بتعيينه رئيسا للحكومة، فإن ما يسمى بال"البلوكاج" أو الانسداد، يقف عثرة في وجه رئيس الحكومة الجديدة لتشكيل الحكومة. ورغم المشاورات المكثفة التي يقوم بها منذ العاشر من أكتوبر الماضي، لم يحصل بنكيران، على أكثر من 183 مقعدا تمثل حصيلة حزبه إلى جانب كل من حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية في البرلمان، وما زال بنكيران بحاجة إلى 15 مقعدا لكي يحصل على الغالبية البسيطة التي تسمح بالتصويت لمصلحة منح الثقة لحكومته في البرلمان وتمرير برنامجها. هناك العديد من المشاكل التي أفرزتها الانتخابات التشريعية لتشكيل الحكومة، جزء منها يعود إلى الثنائية الحزبية، التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث أصبح هناك للمرة الأولى حزبان متصدران ومتصارعان هما: "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، وهو ما خلق نوعا من الاصطفافات غير المعلنة أعاقت عجلة المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة. وسبق لحزب العدالة والتنمية أن وجه أصابع الاتهام إلى خصمه اللدود بعرقلة مسار تشكيل الحكومة عبر حث الأحزاب على عدم المشاركة فيها، وهي الاتهامات التي نفاها رئيس حزب الأصالة والمعاصرة إدريس العماري بشكل قاطع. وتعود الأزمة الحالية في تشكيل الحكومة بشكل مباشر إلى امتناع حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الحليف السابق للإسلاميين في الحكومة الماضية، عن المشاركة في الحكومة المقبلة ما دام حزب الاستقلال ضمن التشكيلة المقبلة، حيث اشترط رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار طرد حزب الاستقلال من التحالف الحكومي، كما قدم حزب التجمع الوطني للأحرار طلبات حزبه المتمثلة في منحه عددا من الوزارات السيادية وتخصيص حقائب لحليفه حزب الاتحاد الدستوري. طلب "الأحرار" طرد "الاستقلال" يشكل معضلة حقيقة بالنسبة لبنكيران لسببين، الأول أنه لا يمكنه تشكيل حكومة متماسكة من دون مشاركة حزب الأحرار، كما أن الزعيم الجديد لحزب الأحرار، عزيز أخنوش، هو من أكبر رجال الأعمال في المغرب، ويتمتع بنفوذ واسع، ويوصف بأنه مقرب من دوائر السلطة، والسبب الثاني لا يمكن الاستجابة لطلب حزب التجمع الوطني للأحرار بطرد حزب الاستقلال، من التحالف الحكومي، في الوقت الذي يمتلك فيه هذا الحزب "الاستقلال" مقاعد في البرلمان أكثر من حزب الأحرار نفسه الذي يطالب بطرده، حيث حل الأول ثالثا بحصوله على 46 مقعدا، في حين جاء الأحرار في المرتبة الرابعة بحصوله على 37 مقعدا فقط، وهو ما يزيد من صعوبة التخلي عن حزب الاستقلال، كما أن حزب الاستقلال يعدُّ أول الأحزاب التي أعلنت عن استعدادها للدخول في تحالف مع العدالة والتنمية بعد انتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي. انسداد الأفق تبدو الخيارات محدودة أمام بنكيران، الذي لوح بفشله في تشكيل الحكومة، إذ يستطيع اللجوء إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الحركة الشعبية لاستكمال النصاب القانوني لتشكيل الحكومة، وكان رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، قد أبدى استعدادا مشروطا للمشاركة في الحكومة المقبلة؛ لكن لقاءاته مع بنكيران لم تخرج بنتائج حاسمة؛ ما يجعل احتمال رفضه التحالف مع بنكيران واردا. وفي حال تعثر المفاوضات لتشكيل الحكومة، سيكون بنكيران ملزمًا بالالتزام بالدستور، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، ومن ثم فتح الباب لتعيين شخص آخر غير عبد الإله بنكيران، رئيساً للحكومة، سواء من داخل حزب العدالة والتنمية أو من حزب آخر. أو سيكون على بنكيران، توجيه خطاب إلى الملك يخبره بتعذر توافر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد، حتى يترتب على الشيء مقتضاه الدستوري الذي لن يكون سوى حل مجلس النواب الجديد، حيث يستطيع الملك أن يلجأ لحل مجلس النواب الجديد، والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، بعد نحو 3 شهور من تعثر رئيس الحكومة المكلف.