أثار اقتراح وزير الداخلية الألماني، توماس دي مزيير، بوضع خطة لإصلاح أجهزة الأمن في البلاد، جدلًا واسعًا في الأوساط الألمانية، لاسيما أنه أعاد للذاكرة فترة النازية الألمانية التي كانت قائمة على تقويض الحرية وحقوق المواطنين واستعلاء اللهجة الأمنية، الأمر الذي أثار تخوفات وتوجسات المعارضين والمؤيدين للحكومة. واتسعت دائرة الجدل بالموافقة المبدئية التي أعلنت عنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاقتراح، حيث أكد نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج شايتر، في بيان "المستشارة ميركل كانت قد أعلنت أن الوزير الاتحادي دي مزيير سيقدم مقترحات لتحسين الأمن الداخلي، وشجعته على ذلك". وتابع المتحدث "نحن نعيش حاليا في فترة تحديات جديدة، والسؤال الرئيسي هنا يتمثل في: ما هي الردود المناسبة على تلك التحديات؟ وليس السؤال عما إذا كان إدخال تغييرات تنظيمية مناسبا أم لا.. رفض واستبعاد كل شيء بشكل قطعي من البداية لا يمكن أن يكونا الطريق الصائب.. ومبدئيا تدعم المستشارة وزير الداخلية الاتحادي بشكل واضح". وتتضمن خطة وزير الداخلية الألماني إنشاء مراكز اعتقال فيدرالية لاحتجاز طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم والمهاجرين غير الشرعيين إلى حين إبعادهم عن البلاد، كما تقوم على انتزاع سلطات الأمن وجمع المعلومات الاستخبارتية من الأقاليم وتركيزها في يد سلطة مركزية، لكن أبدت المعارضة والائتلاف الحاكم رفضهما للاقتراح، مؤكدين أنه يرسخ لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية خلال فترة هتلر. وأعلن وزير الداخلية خطته في مقال نشر الأسبوع الماضي بصحيفة "فراكفورتر الجماينه"، موضحا أنها تتضمن الإسراع بترحيل المهاجرين غير الشرعيين في أعقاب هجوم دموي على سوق لمناسبة أعياد الميلاد في برلين الشهر الماضي، مؤكدًا على ضرورة تعزيز سيطرة السلطات الفيدرالية على أجهزة المخابرات المحلية، وتوسيع صلاحيات الشرطة الفيدرالية في انحاء البلاد، وإنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات، وتسريع طرد المهاجرين الذين ترفض طلبات لجوئهم إلى ألمانيا. وردًا على انتقاد معارضين للخطة، أكد الوزير أن "صلاحيات الشرطة الفيدرالية محدودة ضمن محطات القطارات، والمطارات، ومراقبة الحدود"، مضيفا "لقد حان الوقت لإعادة دراسة التركيبة الأمنية في ألمانيا بكاملها". وربط الكثير من المناهضين للخطة بين اقتراح دي مزيير وما أسسه هتلر في عام 1933، الذي يعرف بجهاز "شرطة الدولة السرية" المعروف بالغستابو، الذي كان ذا صلاحيات مطلقة وغير مراقبة قانونيا، فأصبح يمثل القلب المركزي لإدارة البلاد والمكلف بمتابعة "أعداء الدولة الداخليين والخارجيين"، وضربهم بأقسى الوسائل، لكن يشير مراقبون إلى أن وزير الداخلية الألماني لديه ما يقدمه لتبرير هذا الاقتراح، حيث تزايدت الانتقادات لأجهزة الأمن الألمانية، التي وصفت بإنها تتسم بالتشظي وضعف التنسيق البيني، ما يمكن الإرهابيين المحتملين، وبينهم المشتبه به في هجوم برلين الأخير، أنيس العامري، من تفادي المراقبة. وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تعرضت ألمانيا لضغوط من حلفائها الأمريكيين والبريطانيين، لتحسين أجهزة استخباراتها لمواجهة المتطرفين، لكن عراقيل عديدة تواجه اعتزام الحكومة الألمانية تنفيذ خطة إصلاح النظام الأمني، الذي فرض عليه الحلفاء "النمط اللامركزي" بسبب المعارضة الواسعة لذلك داخل ألمانيا. وفندت صحيفة دويتشه فيلة الألمانية الخطة؛ مؤكدة في تقرير لها أن مقترح وزير الداخلية الألماني الخاص بإنشاء مراكز اتحادية لتجميع طالبي اللجوء المرفوضة تعرض لانتقادات شديدة من قبل أحزاب المعارضة، فقد وصف حزب اليسار المعارض المقترح بأنه "معاد للإنسان". كما وجه حزب الخضر المعارض في البرلمان الألماني انتقادات حادة لمقترحات الوزير دي ميزير،وقال نائب رئيس كتلة الخضر في البوندستاغ كونستاتين فون نوتس "مراكز الإيواء الاتحادية المزعومة لن تساهم في تسريع عمليات الترحيل"، وحسب رأي السياسي من حزب الخضر، فإن "أمر تسريع عمليات الترحيل للاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم يتعلق بتوفير شروط ترحيلهم القانونية من جانب، إلى جانب استعداد دول المنشأ لاستقبال رعاياهم". ويعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف برلين الشهر الماضي هو حجر الزاوية في تبني اقتراحات وزير الداخلية وترحيب ميركل به، فرغم تقديم وزير الداخلية هذا الاقتراح منذ 9 أشهر، إلا أنه لم ينظر له بمحمل جد إلا عندما أسقط 12 قتيلا و48 جريحًا في الهجوم الإرهابي الذي قاده لاجئ تونسي يدعى أنيس العامرى أثر عملية دهس بشحانة كبيرة. وفي ضوء الهجوم، أظهر استطلاع للرأي، نشرت الإذاعة الألمانية نتائجه يوم 26 ديسمبر، أن غالبية الألمان يؤيدون اتخاذ إجراءات أمنية إضافية لحفظ الأمن، حيث أيد 60 % زيادة عدد كاميرات المراقبة، و73 % زيادة قوات الشرطة، وهو ما يعكس قلق الغالبية من المسألة الأمنية.