تحول «الجمهورية» أشهر شوارع مدينة المنيا، المواجه لمحطة القطارات، ويمتلئ بقصور العديد من الأثرياء والبشوات قديمًا، إلى أكبر تجمع للمتسولين، حتى أطلق المواطنون عليه مؤخرًا اسم «شارع الشحاتين». شارع الجمهورية كان يمتاز دائمًا بمكانة كبيرة لدى المنياوية، ويتوسط أشهر ميادين المحافظة «بالاس»، الذي شهد انطلاق جميع الثورات والتجمعات السياسية، والعديد من الأحداث المهمة في الأعوام الأخيرة، إلا أن عشرات المتسولين يتخذون منه ملتقى فيما بينهم لتوزيع الأدوار عليهم وتقسيم مناطق التسول. تبدأ رحلة التسول صباح كل يوم بالقدوم من مراكز المحافظة المختلفة، خاصة "أبو قرقاص وبني مزار وسمالوط" إلى مدينة المنيا، ويبدأ المتسولون في الانطلاق إلى الشارع، إذ يوجد به أكثر من 8 مقاهي في مساحة لا تتجاوز ال80 مترًا تقريبًا، وعشرات المحلات، ما يجعلهم يترددون عليها بصفة مستمرة على مدار اليوم، ما يتسبب في حالة من الضيق والاستياء لدى المواطنين لكثرة أعداد المتسولين بشكل كبير. ورغم كثرة المتسولين في شارع الجمهورية الذين يأتون على فترات مختلفة ويتنقلون من شارع لآخر، لكن بعضهم يتمركز بصفة مستمرة في الشارع لسنوات وشهور كثيرة. أم أسماء وبناتها الأربعة أم أسماء.. اسم حركي لأشهر المتسولات بالشارع، تأتي صباح كل يوم ومعها 3 فتيات صغيرات، في سن لا يتجاوز 12 عامًا، بينهن طفلة تبلغ 3 سنوات تقريبًا، وتفترش قطعة صغيرة من الكرتون، بجوار أحد أعمدة الإنارة، وتبدأ في توزيع بناتها الثلاثة ما بين بائعة للمناديل، وواحدة ب"مبخرة" ترداد المحلات، والثالثة للتسول فقط، وأصغرهن سنًا، تظل معها تتسول بها أثناء جلوسها في مكانها. بحسب أحد أصحاب المحلات التي تجلس أمامها أم أسماء، فإنها تأتي من مركز سمالوط يومًيا وتقطع مسافة 25 كيلو متر، لقضاء 8 ساعات في التسول بصحبة بناتها بمدينة المنيا، ثم الانطلاق لمجمع المواقف مرة أخرى والعودة لمنزلها من جديد. عجوز صماء.. 14 ساعة في الشارع ويرى المواطنون صباح كل يوم، سيدة عجوز "صماء" لا تتحرك، تجلس على كرسي، بجوار ميدان بالاس حتى التاسعة مساءً؛ لجمع بعض الجنيهات من المواطنين، وغير معلوم من الشخص الحقيقي الذي يأتي بها يوميًا. ونالت مؤخرًا السيدة العجوز تعاطفا كبيرا من المواطنين، نظرًا لعدم قدرتها على التحرك أو التحدث، واكتفائها بتحريك يدها اليمنى طوال اليوم لمحاولة الحصول على مساعدة من أحد المارة. وأكد محمد علي، يعمل بمقهى قريب من مكان السيدة، أنه يأتي صباح كل يوم للعمل ويجدها جالسة على كرسيها، وتظل هكذا حتى التاسعة مساءً، إلى أن يأتي أحد الأشخاص تارة أو فتاة تارة أخرى، ويأخذونها وينطلقون، بعد أن يتأكدوا أنها جمعت عشرات الجنيهات، مشيرًا إلى أنهم لا يتركون للسيدة أية مأكولات أو مياه، بل يعطف المواطنون عليها، سواء بالأكل أو المال، دون أن يعلم أحد حقيقتها، مناشدًا مسؤولي المحافظة بالتحفظ عليها في دار للمسنين. سيد الأعرج.. أمام بنك مصر سيد الأعرج يعد أقدم المتسولين في المنطقة، ويجلس دائما أمام فرع بنك مصر هناك، لا يقوى على المشي أو الوقوف لوجود إعاقة بقدميه، بل يظل جالسًا طوال اليوم في مكانه، ويتنقل عن طريق "الكسح"، حتى ينتقل لغرفته التي يعيش فيها بحي أبو هلال، جنوب مدينة المنيا بعد الانتهاء من تجميع أمواله من التسول. اختيار المتسولين شارع الجمهورية لأن الكثير من أصحاب الدخول المرتفعة يعيشون فيه، بجانب مرور غالبية المواطنين به طوال اليوم، خاصة أنه يؤدي لشوارع تجارية مهمة، على رأسها، شارعا الحسيني وابن خصيب، اللذان يتكدسان دائمًا بالمواطنين، ما يعد أرض خصبة للتسول وسط تدفق المواطنين حتى آخر المساء.