تواجه حرفة الأقفاص الخشبية بدمياط العديد من الصعوبات، ورغم الشهرة الواسعة التي اكتسبتها المهنة قديمًا إلَّا أنها تواجه حاليًا شبح الاندثار، خاصة بعد دخول الميكنة وانتشار الأقفاص البلاستيكية وعزوف الأبناء عن توارث مهنة آبائهم، علاوة على ارتفاع أسعار الخامات والمعدات، مما دفع الفئة المتبقية من العاملين بها إلى ترك المهنة. بين مجموعة الأقفاص، يجلس فاروق غنيم، أحد العاملين بالحرفة، وبنبرة حزينة قال: حرفتنا بتدمر، الأسعار بترتفع كل يوم، رغم تراجع حركة البيع والشراء، خاصة بعد انتشار الأقفاص البلاستيكية، وبات الدخل لا يكفي. وتابع فاروق، دخلنا جنيهات بسيطة لا تغني ولا تثمن من جوع، ومهما اشتغلت فالدخل لايكفي، خاصة مع غلاء المعيشة، وهو ما دفعني للعمل بمهن أخرى، لكن كلما تركت مهنتي التي تعلمتها منذ أن الصغر أعود إليها مرة أخرى. وتساءل فاروق: لو تركت شغلي حاليًا لا أعلم بأي مهنة سألتحق وأنا لا أملك مصدر دخل آخر للإنفاق على أسرتي، وتابع: أغلب أصدقائي بعد تدهور الصنعة وانتشار الأقفاص البلاستيكية تركوا المهنة واتجهوا للعمل بمهن أخرى سائقي كارو وبائعين جائلين. على بعد عدة أمتار من فاروق يجلس محمد عزت يلتقط أنفاسه بعد يوم عمل شاق، وأمامه العديد من الأقفاص الخشبية التي انتهى من صنعها بعد ساعات عمل طويلة. ويقول محمد: لم أكسب من مهنتي مالًا بل بالعكس خسرتني صحتي، وأنا مريض منذ سنوات، ولكوني لم أتعلم مهنة أخرى لم يكن أمامي بديل آخر، فصناعة الأقفاص تعلمتها منذ كنت طفلًا صغيرًا . وتابع: حرفة الأقفاص دائمًا ما تسبب لصانعها مشكلات صحية بالعمود الفقري والنظر، وللأسف لا توجد نقابة مهنية تتحدث باسمنا كما لم نستفد لا بتأمينات ولا معاشات، والتكنولوجيا الحديثة كانت سببًا في تدمير الآلاف من العاملين بحرفة الأقفاص الخشبية، وبات العاملون بها حاليًا يعدون على أصابع اليد الواحدة، بعدما انتشرت الأقفاص البلاستيكية، وفئة قليلة في الأرياف فقط تستخدم الخشبية. ويضيف: مهنتنا اندثرت، فأغلبنا ترك المهنة والنسبة الباقية تعافر مع الزمن من أجل البقاء. وبحسب محمد يعد من أبرز أسباب اندثار المهنة قلة دخل الصنايعي قياسًا بالمجهود المبذول والوقت المستغرق في التصنيع ، والنظر بدونية لمستخدمي أثاث الجريد، وعدم توفر منافذ لبيع منتجاتهم وعدم قدرتهم المادية على توفيرها. ويعد عدم توفر أماكن تصنيع الأقفاص الخشبية مشكلة تواجه صانعي الأقفاص، فقديمًا كان القفاصون يستغلون ساحات الأضرحة والمقامات والخرائب كمكان للتصنيع دون إيجار، مما يقلل من تكاليف الإنتاج، أما الآن فلا مكان دون إيجار. تعد صناعة الأقفاص الخشبية واحدة من الصناعات القديمة التي اشتهرت بها محافظة دمياط، حيث كان يعمل بها الآلاف من الحرفيين، حتى سميت إحدى قرى مركز كفر البطيخ بمحافظة دمياط ب«القفاصين»؛ لاشتهار أبناء البلدة بالعمل فيها، كما يعمل العديد من أبناء قرية البستان بالحرفة ذاتها.