أعلن رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، رسميا، يوم السبت الماضي، تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش الإرهابي، لكنه أكد أن الحرب على ما يسمى الإرهاب في ليبيا لم تنته بعد. وقال السراج في خطاب تلفزيوني إنه "بعد مرور 8 أشهر من بداية العمليات ضد تنظيم داعش في مدينة سرت، أعلن رسميا انتهاء العمليات العسكرية وتحرير مدينة سرت". وأضاف أنه مع تكثيف الجهود ورأب الصدع وتصدير النفط قريبا والتزام مؤسسات الدولة بتعهداتها، ستنتهي معاناة المواطن وتشهد المدن والقرى بما فيها سرت وبنغازي حركة تعمير وبناء وانتعاش اقتصادي. العبارة الأبرز في الخطاب والتي يمكن أن تشكل مدخلًا للتعريج على زيارة المشير خليفة حفتر إلى الجزائر، حينما ذكر السراج أنه يمد يده لكل الفرقاء ومن اختلف معه من أبناء الوطن، مؤكدا أن الحرب على الإرهاب في ليبيا لم تنته، "لذا علينا توحيد القوى العسكرية في جيش وطني واحد". زيارة حفتر للجزائر تأتي زيارة الجنرال خليفة حفتر إلى الجزائر، التي بدأت الأحد الماضي، في وقت تعاني فيه ليبيا من انقسام سياسي حاد يتمثل في وجود حكومتين، الأولى يرأسها السراج، ومدعومة من المجتمع الدولي ومقرها طرابلس، والأخرى تتمركز في الشرق ولا تتمتع باعتراف المجتمع الدولي لكنها تحظى بمساندة قوات المشير خليفة حفتر، كما أن الحكومة الأولى لن يتم الاعتراف بها بصورة نهائية إلا بعد موافقة برلمان طبرق عليها كما ينص اتفاق الصخيرات. توقيت زيارة حفتر للجزائر، والتي يزورها للمرة الأولى بعد سقوط القذافي في فبراير 2011، يتزامن مع حدثين مهمين، الأول تحرير سرت من داعش، والثاني انتهاء مدة اتفاق الصخيرات، حيث انتهت السبت الماضي المدة القانونية المحددة للعمل بحكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق الصخيرات الموقع بين أطراف الأزمة الليبية العام الماضي في المغرب، حيث ينص الاتفاق على أن تتولى حكومة الوفاق الوطني الإشراف على أمور البلاد لفترة سنة كاملة، على أن يتم التحضير خلالها لمرحلة انتقالية، ومن شأن انتهاء الأمد القانوني للاتفاق دون وجود توافقات حوله؛ أن يُدخل ليبيا في مرحلة جديدة من الغموض والتأزم، وتوقفت الأمور السياسية عند نقطة رفض البرلمان منح الثقة للتشكيلة الحكومية، التي قدمها السراج، وطالب البرلمان بتقديم تشكيلة بديلة وهو ما تعهد السراج بالعمل عليه لكن دون أي نتائج حتى الآن. زيارة حفتر للجزائر سبقتها زيارة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، ففي أواخر الشهر الماضي؛ قام بزيارة بحث خلالها الوضع في ليبيا، ومدى إمكانية الحصول على مساعدة الجزائر بشأن قرار مجلس الأمن حول حظر التسليح في ليبيا، والذي قوبل بالرفض من قبل الجزائر. زيارة حفتر للجزائر في هذا التوقيت، على الرغم من محاولات كثيرة سابقة لم تكلل بالنجاح، تشير إلى أن حفتر انتظر الظروف المثالية ليثبت للجزائر التي رفضت مرارًا مساندته أنه طرف قوي، خاصة بعد سيطرته على حقول النفط في ليبيا، والمحاولات الغربية في إقحامه في أي تشكيلة حكومية مقبلة، بالإضافة لدعمه من قبل قوى عالمية كفرنسا وإقليمية كمصر والإمارات، وترقيته من رتبة لواء لمشير على مستوى الداخل الليبي. في المقابل، تدرك الجزائر أن حظوظ حفتر في الحكومة المقبلة كبيرة ما يجعل التعامل معه يتسم بالكثير من الجدية، خاصة أنه محسوب على المكونات الوطنية الليبية، والموقف الجزائري معروف برفضه الشديد لوجود أية قوى دولية بالقرب من حدوها، وأي صراع في الغرب الليبي، خوفا من مطالبة الأمازيع بالاستقلال، وانتشار الجماعات المتطرفة في المنطقة، وهو الأمر الذي قد يجعل الجزائر تعيد النظر في علاقاتها بحفتر والجيش الليبي. كما يدرك حفتر جيدًا، أن الجزائر تلعب دورا في حل الأزمة الليبية، كونها دولة مؤثرة في شمال إفريقيا، ويهمها استقرار ليبيا، فالقضية الليبية سياسية اجتماعية عسكرية، ولا يمكن فصل هذه القضايا عن بعضها. وبعد تحقيق قوات البنيان المرصوص انتصارًا في سرت الليبية، يبدو أن هناك مجموعة من الخيارات تدفع بحفتر لتقوية وضعه العسكري في ليبيا، فقوات البنيان المرصوص إما أن ينجح حفتر بإيجاد صيغة توافقية معها والعمل معًا كثنائي عسكري ضد الإرهاب في ليبيا، وهو الوضع الذي يحتاج فيه حفتر إلى توفير أي دعم عالمي كروسيا وإقليمي كالجزائر لرفع الحظر عنه بتوريد الأسلحة إليه ليصبح قوة عسكرية تتمتع بنفس الميزات العسكرية الممنوحة للبنيان المرصوص، وبما أن ورقة النفط التي امتلكها حفتر مؤخرًا حاضرة فإن توجهه للجزائر بدا أكثر مقبولية الآن، كون الجزائر قادرة على التأثير في روسيا التي تريد أن تكسب حصة من شركات الطاقة الجزائرية لتضمن الصدارة في تصدير الغاز لأوروبا، وبالتالي تشكل الجزائر بوابة إضافية لحفتر للتأثير على روسيا، كما أن الجزائر تعتبر طرفا محايدا بالنسبة للبنيان المرصوص على عكس مصر والإمارات، وبالتالي يستطيع حفتر الاستفادة منها في أي تقارب مع قوات البنيان، وفي حال أخفق حفتر في إيجاد صيغة للتقارب مع قوات البنيان فقد يؤدي هذا إلى حالة من الاستقطاب العسكري بين الطرفين ما قد يقود البلاد إلى المجهول، خاصة أن هناك دولا أوروبية جاهزة لتلقف قوات البنيان المرصوص والتعامل معها بجدية حتى بعد انتهاء اتفاق الصخيرات كالولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، خاصة في ظل حديث السراج عن تشكيل قوة الحرس الجمهوري لتكون نواة لتشكيل الجيش الليبي الجديد، الأمر الذي قد ينذر بضم قوات البنيان المرصوص لتكون نواة في هذا الجيش الجديد، وهو الأمر الذي قد يسحب الغطاء العسكري من تحت أقدام حفتر في حال لم يستطع تقوية أرضيته الدولية والإقليمية.