إذا نجحت قوات »البنيان المرصوص» التابعة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا برئاسة فايز السراج، في مهمة تحرير مدينة سرت الليبية، من وجود تنظيم داعش، الذي فرض سيطرته علي المدينة ذات الطابع الاستراتيجي منذ العام الماضي، وتحديدا في يونيو 2015، فنحن أمام أول خطوة في مسيرة ألف ميل، لإعادة الاستقرار إلي ليبيا، والحفاظ علي وحدتها وأمنها، فهناك إجماع محلي وشعور إقليمي ودولي، علي أن الخطر الحقيقي علي ليبيا، والجوار حتي علي العالم من قدرة التنظيم علي الانتشار، واعتبار ليبيا قاعدة انطلاق لعملياته في دول الجوار وأوربا، استثمارا لحالة الفوضي والانقسام التي تعيشها ليبيا، منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011. الوقائع علي الأرض تقول إن قوات البنيان المرصوص تحقق إنجازات يومية علي الأرض منذ مايو الماضي، موعد بداية العملية، وتلحق بالتنظيم خسائر فادحة، وكان من مؤشرات ذلك النصر، قدرة رئيس وزراء حكومة الوفاق فايز السراج علي زيارة المدينة المحررة، بصفته القائد الأعلي للجيش الليبي، ومعه أعضاء في المجلس الرئاسي، تجولوا في المقر الرئاسي هناك، الذي كان القذافي يستخدمه لإقامة كثير من المؤتمرات الدولية، كما أصدر السراج قرارا باستئناف تصدير النفط، والعمل جار لتهيئة المنشآت والموانئ وإصلاح ما لحق بها من أضرار. حكومة السراج تكتسب كل يوم أرضا جديدة، وشرعية جديدة علي مستويين داخليا وخارجيا، في الأولي نجح في الدخول إلي العاصمة الليبية طرابلس، بعد ثلاثة أشهر من التوقيع علي اتفاق الصخيرات في المغرب، في نهاية العام الماضي، الذي تم برعاية المبعوث الدولي مارتن كوبلر ونجح أيضا في عودة العمل إلي عدد من الوزارات، كما استطاع تشكيل قوات حماية النفط التي تولت مسئولية الحفاظ علي المؤسسات السيادية، وكذلك بدأ حملة البنيان المرصوص، والتي لم تتوقف كثيراً عند البحث عن مبررات لفشل مهمة مواجهة داعش، كما هو الحال بالنسبة لقوات حفتر، بالحديث عن إنهاء العمل بقرار تجميد توريد السلاح إلي ليبيا، بل بدأ علي الفور في المواجهة بالإمكانيات المتاحة والمقاتلين الليبيين، بمساندة ملحوظة من واشنطن، والجديد أن هناك اثنين من أعضاء المجلس الرئاسي الذي يضم تسعة أشخاص، يمثلون كل مناطق ليبيا ومنهم علي القطراني أعلنوا استئناف عملهم في المجلس، بعد تحفظات طوال الفترة السابقة. أما علي المستوي الدولي، فان الغرب ينظر للسراج وحكومته، علي أنه إفراز لاتفاق ليبي برعاية المبعوث الأممي كوبلر في الصخيرات، يجب دعمه والعمل علي إنجاحه، ومن ناحية أخري هو يري ليبيا علي أنها قاعدة لتنظيم داعش، ويجعل مواجهته أولوية أولي، وطالما استطاع فايز السراج عبر قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومته، تحقيق إنجاز علي الأرض، وأنها تحقق ما عجز عنه بقية الفرقاء في ليبيا، ويتجسد الاعتراف بشرعيته دوليا، في تلقيه دعما أمريكيا، وواشنطن تعلن أنها قامت بشن 108 غارات ضد التنظيم في سرت، وأنها مستمرة في دعم حكومة الوفاق الوطني، ومن جهته يعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن دعوة السراج لزيارة باريس، للبحث في إنهاء الفوضي في ليبيا، والغرب في هذه الحالة يتعامل مع السراج، علي أنه الخيار الأفضل للتعامل مع حالة الفراغ السياسي والأمني، وحالة الانهيار الاقتصادي في ليبيا بعد أن عجز الفرقاء طوال أربع سنوات سابقة من إنهاء تلك الحالة. ولا يعني ذلك كله أن الأمور في ليبيا علي ما يرام، أو أنها تسير في طريقها الصحيح، فهناك حالة من عدم الثقة والتربص والاستهداف والشخصنة، تمثل العائق الأكبر أمام عودة الاستقرار هناك، من خلال ما يقوم به رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، عندما جمد عمل مجلس النواب لفترة ليست قصيرة، ومنع عقد اجتماعاته، وفجأة دعا إلي جلسة بدل في جدول أعمالها، وطرح فكرة التصويت علي منح الثقة لحكومة السراج، ولأن الحضور من جماعته وأنصاره، فقد صوت 61 عضوا لحجب الثقة و39 مع منح الثقة، وعادت الأزمة من جديد إلي المربع رقم واحد، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد صعد عقيلة صالح الأمور، ودعا السراج إلي التنحي، وفتح الطريق أمام شخصية أخري للترشح، ونفي أن يكون المجلس قد أعطي السراج فرصة ثالثة، لتقديم تشكيلة جديدة، وطلب من محافظ مصرف ليبيا المركزي، عدم الاعتداد بأي مراسلات أو تعليمات تصدر عن المجلس الرئاسي. وصعد مع المبعوث الدولي ومع الأممالمتحدة، وأعلن عن أغرب تحرك، عندما كشف النية عن تقديم شكوي ضد الأممالمتحدة، أمام محكمة العدل الدولية. وهكذا فان عنوان الأزمة هي في البحث عن النفوذ، والبقاء في دائرة السلطة سواء لرئيس مجلس النواب، رغم أن المجلس انتهت ولايته، أو للفريق خليفة حفتر والذي يخشي من وجود السراج علي رأس الحكومة، وتوليه مهام القائد الأعلي للجيش الليبي، وهناك كما تردد وساطات غربية لإنهاء الأزمة بين الرجال الثلاثة.