(1) بعد معركة حلب الأخيرة والتى انتهت بخروج المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية منها، وما تبعها من حديث للإعلام الغربى عن المجازر التى تقع هناك، تحدث الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، باراك أوباما فى مؤتمر صحفي عن الأزمة الإنسانية فى حلب مدافعا عن النهج الأمريكي تجاه الحرب الأهلية هناك وأضاف: كان من المستحيل التدخل "بكلفة بسيطة"، كان لابد من تدخل عسكري أمريكي كامل الأمر كان سيتطلب "نشر أعداد كبيرة من القوات الأمريكية على الأرض، ومن بين ما صرح به أنه يشعر كونه مسئولا مسئولية شخصية عن ما آلت إليه الأمور فى سوريا. أوباما تردد فى استخدام القوة حين هدد بها عام2013، وكان من المنتظر ضرب سوريا بالطائرات خلال 48 ساعة، تراجع موافقا على اقتراح تقدمت به روسيا يقضى بوضع سوريا تحت المراقبة الدولية للكشف والتخلص عن الأسلحة الكيماوية وهو ما وافق عليه الرئيس السورى. كانت الموافقة الأمريكية متوافقة مع عقيدة أوباما وما تعهد به خلال حملته الرئاسية بعدم تعريض أرواح الجنود الأمريكيين للخطر بالدخول فى معارك مباشرة على الأرض. وما حدث بعد ذلك معروف، وخسر أوباما حصة أمريكا فى الضغط خلال مفاوضات الأزمة السورية التى لم تصل لحل. (2) يوم الجمعة الماضى أعلن الجنرال ديفيد ريتشاردز ،الرئيس الأسبق لهيئة الدفاع البريطانية، في حديث لإذاعة "بي بي سي" ، أن على الدول الغربية الاعتراف بهزيمتها في الحرب في سوريا..وأشار الجنرال إلى أن الدول الغربية تفتقر لاستراتيجية واضحة، فيما هي موجودة لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس السوري، بشار الأسد، وأضاف الرئيس الأسبق لهيئة الدفاع البريطانية، الذي طرح خلال العامين 2012 و2013 خطة للتدخل العسكري في سوريا، أن الدول الغربية كان عليها الإقدام على هذه الخطوة والإطاحة ببشار الأسد، أو البدء بدعم سلطته كخيار بديل. وأوضح ريتشاردز موقفه قائلا: طرحنا استراتيجية عسكرية كانت تستحق الثقة، وتطلب تحقيقها عاما واحدا، وردوا قائلين إننا لا نمتلك هذا الوقت، ولهذا السبب لم تكن هذه الخطة جيدة بالقدر الكافي. قلت: حسنا، علينا أن نفكر في تأييد الأسد، لأن النتيجة… ستكون أسوأ من جميع السيناريوهات الممكنة. وأكد الجنرال أنه يدعو، في ظل الظروف الحالية في سوريا، إلى وقف الحرب، في أسرع وقت ممكن، فالوضع الإنساني في سوريا مرعب، وهذه الحرب ستستمر لسنوات، إذا لم نضع نهاية لها الآن. وأضاف الجنرال قائلا: للأسف يبدو لي أننا خسرنا في الحرب، لكن هذا لا يعني أننا سنخسر السلام، علينا التسلح باستراتيجية صحيحة، وأعتقد أن هذا الأمر هو ما ينبغي للساسة ورجال الدولة الغربيين أن يركزوا عليه. (3) الجميع يبحث الآن عن الحلول الدبلوماسية، وغلق ملف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل لسلام فى بلد مزقته الحرب الأهلية، لكن الدبلوماسية تحتاج للقوة، هذا هو المأزق الذى وقع فيه أوباما فى المقام الأول، على اعتبار أن أمريكا أقوى دولة فى العالم، وكانت قادرة بقوتها على فرض الحلول الدبلوماسية التى تحقق مصدقيتها فى المنطقة، ولقد وضح هذه النقطة وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر فى حوار أجراه الشهر الماضى مع "جيفري جولدبيرج" نشر فى صحيفة "ذا اتلانتيك "، حين سأله الصحفي: عن العلاقة بين الدبلوماسية والقوة، مشيرا لمحاولات جون كيري الضغط على أوباما لتوجيه ضربات ضد الأسد من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي، يكرس المصداقية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط. رد الثعلب العجوز قائلا: أنا أحترم شجاعة ومثابرة جون كيري. في سوريا، لقد صرح أنه يسعى لتشكيل حكومة ائتلافية مكونة من الأطراف المتحاربة فيها. ولكن كان عليه أن يدرك أنه حتى إذا تمكن من تأسيس مثل هذه الحكومة، يجب عليه تحديد القوة الفاعلة التي لها القدرة على تسوية النزاعات عندما تنشأ، فوجود حكومة لا يضمن أنه سوف ينظر إليها على أنها مشروعة أو أن أوامرها ستطاع. لقد حان الوقت ليفهم كيري أنه يجب عليه ممارسة ضغوط أخرى لتحقيق الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، يمثل استخدام القوة العقوبة النهائية للدبلوماسية، حيث لا يمكننا الفصل بين هذين المفهومين، لكن ارتباطهما لا يعني أن كل مرة يتم فيها المماطلة في المفاوضات، يمكنك اللجوء إلى القوة بل ببساطة أن المعارضة المتواصلة لمبدأ التفاوض يمكن أن تصل إلى نقطة انهيار سوف تحاول بعدها فرض إرادتك، وبالتالي، سوف نصل إلى طريق مسدود وسوف تهزم الدبلوماسية. كما أن الوصول إلى حل فرض القوة، يتطلب امتلاك ثلاثة عناصر أساسية، أولها القوة الكافية، ثانيها، الاستعداد التكتيكي لفرض هذه القوة، ثالثها رؤية استراتيجية لها القدرة على إعادة النظام. (4) من 2011 وحتى 2015، لم يحسم نظام الأسد ولا المعارضة المسلحة المعركة رغم أن كل طرف كانت تدعمه قوى إقلمية ودولية ، وازداد الطين بلة مع ظهور داعش واستيلاءها على أجزاء من الأراضى السورية، وأمام تراخى أمريكا وتردد أوباما وفشل التحالف الدولي فى القضاء على داعش رغم مئات الطلعات الجوية التى انتهكت الأجواء السورية بدعوى الحرب على الإرهاب، جاءت اللحظة المناسبة لظهور البطل المخلص "سوبرمان" الذى قام بدوره بامتياز بوتين، الذي سارع بتلبية دعوة حليفه الأسد للتدخل وحماية سوريا من الجماعات الإرهابية التى جالت وصالت على الأرض السورية، وبالفعل خلال 15 شهرا فقط استطاعت روسيا أن تقلب موازين القوة على الأرض وسير المعارك والقضاء على بؤر تحصن الجماعات الإرهابية، وبدأ تحالف الروسي السوري العراقي الإيراني يحصد الثمار فى تراجع حقيقى للجماعات الإرهابية فى سوريا، وكذلك قوى المعارضة المسلحة المدعومة من دول إقليمية ودولية، وكانت معركة حلب الأخيرة هى الفاصلة، ونتائجها ستحدد مستقبل سوريا وسير المفاوضات، القيصر الروسي لعب سياسة على أكمل الوجه، ولو أعدت قراءة حديث كيسنجر لوجدت أن بوتين طبق حرفيا نصائحه بالنسبة لاحتياج الدبلوماسية لقوة تحميها، وثانيا بالنسبة لحل فرض القوة وامتلاكه لعناصرها الثلاث. (5) الطريف هو ما تعهد به دونالد ترامب يوم الخميس الماضى بأن يجعل "دول الخليج تدفع أموالا كثيرة لنا" للمساعدة في "بناء مناطق آمنة في سوريا". وبذلك دفعت دول الخليج فى الحرب وستدفع لاحلال السلام والآمان ….ياخسارة ياعرب . [email protected]