على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، تتنافس العديد من الدول الكبرى والإقليمية على جيبوتي ذات الأصول الإفريقية المطلة شرقًا على البحر الأحمر وخليج عدن، فهذه الدولة الإفريقية لم تعد محط أنظار الأمريكان والفرنسين فقط، بل شاركتهما في الفترة الأخيرة الصين والسعودية اللذين أعلنا اعتزامهما إقامة قواعد عسكرية أمنية تحمل في طياتها أهدافًا غير معلنة. وأبرز ما يميز التنافس بين هذه الدول في جيبوتي ذات ال23 ألف كيلومتر مربع فقط، ويقدر عدد سكانها بنحو 864 ألف نسمة، ويعيش نحو خمس سكان البلد تقريبا تحت الخط العالمي للفقر بنحو 1.25 دولار يوميا، التواجد العسكري لتحقيق عدة أهداف، أولها استخدامها لأغراض الملاحة ومحاربة القراصنة الصوماليين، ومواجهة خطر الانتقام من الإرهابيين الذين تلاحقهم هذه الدول الكبري، بجانب وضع نفوذ على المنطقة التي تعد محط أنظار العالم أجمع بعد اضطرابات الشرق الأوسط خاصة الأزمة اليمنية. ما هي جيبوتي؟ دولة عضو في جامعة الدول العربية، تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها من الشمال إريتريا، ومن الغرب والجنوب إثيوبيا، والصومال من الجنوب الشرقي، فيما تطل شرقا على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى الجانب المقابل لها عبر البحر الأحمر في شبه الجزيرة العربية اليمن التي تبعد سواحلها نحو 20 كيلومترا. المصريون القدماء أول من أقاموا علاقات مع جيبوتي؛ إذ أن أول بعثة مصرية بحرية إلى هذه المنطقة كانت في الألف الثالث ق.م، وكانت مستعمرة فرنسية سابقة، تسمى قديما باسم "أرض عفار وعيسى"، وأصبحت تحمل اسم جيبوتي بعد استقلالها عن فرنسا عام 1977 وانضمت لجامعة الدول العربية بعد الاستقلال بشهرين، وخلال التسعينات قادت أقلية عفار حربا أهلية انتهت عام 2001 باتفاق سلام. تحتل جيبوتي موقعا مهما في القرن الإفريقي على الشاطئ الغربي لخليج عدن، تشكل العرقية الصومالية 60% من السكان، والعفار 35%، فيما يسكنها 5% من الفرنسيين والإثيوبيين والإيطاليين، و94 % من السكان مسلمون، ويشكل المسيحيون فيها 6%. يعتمد اقتصاد جيبوتي على الخدمات المرتبطة بموقعها المهم على البحر الأحمر والموانئ، حيث تعتمد البلاد بشكل أساسي على المساعدات الخارجية، كما أن القواعد العسكرية الأجنبية تدر لها ملايين الدولارات، وتعد واحدة من أهم إيرادتها، حيث تحصل سنويا على قرابة 160 مليون دولار منها، كما يعيش 3 أرباع السكان في العاصمة والباقي من البدو الرحل، وتصل نسبة البطالة إلى 60%، ما يمثل مشكلة بالنسبة للبلاد. أهمية جيبوتي الاستراتيجية وتناولت مجلة إيكونوميست البريطانية في تقرير لها مؤخرًا الأهمية الاستراتيجية لجيبوتي -الرقعة الصحراوية الصغيرة- بأن لها الكثير من الطموحات لأن تصبح أكثر من ملعب للقوى العظمى، إذ يقول رئيس تطوير الأعمال في هيئة الموانئ والمناطق الحرة الجيبوتي، روبليه جامع، على أنهم لا يملكون شيئا آخر غير الموقع. ورغم افتقار جيبوتي للموارد الطبيعية، فإن موقعها الجغرافي بين إريتريا وإثيوبيا والصومال لم يتم بالصدفة، كونها من المحاور الرئيسية للتجارة العالمية، وتقع على باب المندب الذي يمر من خلاله جانب كبير من التجارة العالمية، من بينها أربعة ملايين برميل من النفط يوميا، كما أن أكثر من 80 % من السلع التي تستوردها جارتها إثيوبيا، يتم إفراغها في ميناء "دوراليه"، أحد أكبر موانئ المياه العميقة في شرق إفريقيا، إضافة إلى قربها من بؤر التوتر في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، فهي أهم دولة في مجال تأمين طرق التجارة وكنقطة انطلاق لمكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي. القاعدة الفرنسية كانت جيبوتي مستعمرة فرنسية منذ عام 1850، وبعد مائة عام لم ترغب فرنسا في التفريط في جيبوتي بعد استقلالها، لذا توصلت إلى اتفاقية عسكرية تضمن من خلالها تواجد بين 3800 و4500 جندي فرنسي على الأراضي الجيبوتية، ثم تم تقليص العدد إلى أكثر من 1500 جندي كجزء من قوات حفظ الأمن. وتعد القاعدة العسكرية الفرنسية في مقدمة القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي، حيث تعتبر أهم قاعدة للفرنسيين في القارة السمراء وهذا قبل دخولها مالي، ومهمتها حماية حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وحماية جيبوتي من أي اعتداء خارجي، مثل قضاؤها على التمرد عام 2001. وتفيد أرقام رئاسة أركان القوات الفرنسية العاملة في جيبوتي، أن المساهمة الاقتصادية لعناصر هذه القوات وأفراد عائلاتهم في هناك تمثل قرابة 130 مليون يورو، أي حوالي 25% من إجمالي الناتج الداخلي وما يساوي 65% من موازنته. قاعدة أمريكا المركزية في إفريقيا تحتضن جيبوتي القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة الثابتة في إفريقيا، "ليمونيير" التي تستضيف 4500 جندي أمريكي وشركات مقاولات، وتنفذ مهمات ضد تنظيم القاعدة في اليمن وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وتدفع أمريكا مقابل ذلك ستين مليون دولار سنويا لجيبوتي، وفي مايو من العام الماضي، مددت الولاياتالمتحدة مدة الإيجار لقاعدتها العسكرية لعشر سنوات إضافية على الأقل، وتقول الإدارة الأمريكية إن مهمة جنود المعسكر مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا، واليمن، وتمويل وتدريب جنود جيبوتي. اليابان عام 1977، اعترفت اليابان بجمهورية جيبوتي كدولة ذات سيادة، وأقيمت العلاقات الثنائية بين طوكيو وجيبوتي عام 1980، وفي سنة 2009، أنشأت البحرية اليابانية قاعدة عسكرية في جيبوتي، تمكنها من المشاركة في التصدي للقراصنة الصوماليين، بما فيها ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط لطائرات الاستطلاع اليابانية. قاعدة صينية جديدة وضمن الوافدين الجدد إلى جيبوتي، الصين التي تسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها، حيث أعلن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي هذا العام عن نية الصين إنشاء أول قاعدة عسكرية بإفريقيا في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تبدأ بكين العمل قريبًا في تشييد القاعدة البحرية. وتسعى الصين منذ العام الماضي لبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، هدفها – بحسب وزير الخارجية الجيبوتي – مكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب، خاصة أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق، حيث نفذت البحرية العسكرية الصينية في الثماني سنوات الماضية عشرين مهمة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن، لكنها واجهت صعوبات في محطات الرسو وإعادة التموين، ما يشير إلى أهمية هذه القاعدة للصين، خاصة أن بكين تهتم في الفترة الأخيرة بزيادة الاستثمار الاقتصادي في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى سعيها لملء الفراغ الذي تركته دول أوروبية، حسبما صرح وزير خارجية جيبوتي. قاعدة سعودية في جيبوتي في المرحلة الراهنة تعتزم السعودية هي الأخرى إنشاء قاعدة عسكرية على أراضي جيبوتي ، حيث أكد وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، أن حكومة بلاده "وافقت مبدئيا" على إقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها، مؤكدا أنها ترحب بوجود المملكة العسكري في جيبوتي. ورغم أن الخبر يتم تداوله في هذه الفترة من كل عام، إلا أن وزير خارجية جيبوتي محمود يوسف، أكد في تصريحات له في الأيام القليلة الماضية أن مسؤولين عسكريين سعوديين وجيبوتيين تبادلوا الزيارات خلال الفترة الماضية، التي تم في إطارها وضع "مشروع مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي… ما زال تحت الدراسة"، مشيرا إلى أن بلاده تتوقع أن يتم التوقيع على هذه الوثيقة "في القريب العاجل". ورغم تأكيد الرياض أن القاعدة لها علاقة بحروبها في المنطقة، وتواجدها من شأنه أن يمثل رسالة للأعداء، أكدت جيبوتي في تصريحات لوزير خارجيتها مارس الماضي، أن القاعدة العسكرية السعودية المزمع إنشاؤها في جيبوتي ضمن مشروع اتفاقية للتعاون العسكري بين الحكومتين السعودية والجيبوتية لا علاقة لها بالحرب في اليمن. وبحسب مراقبين، فإن الدول التي تتواجد عسكريا في جيبوتي والمنضمة حديثًا، تستغل الفقر والحاجة الاقتصادية للدولة، فوضعت أمامها استثمارات هائلة لتمويل مشاريع ضخمة، ومن أبرز الاستثمارات، الصينية؛ حيث أبرمت الصين وجيبوتي اتفاقيات مهمة لتأهيل الكوادر الإدارية العليا للدولة، وإنشاء معهد للدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، كما تم توقيع معاهدة أمنية ودفاعية بين الحكومتين في فبراير العام الماضي. وفيما يخص السعودية، قدمت الرياض مؤخرًا إلى الحكومة الجيبوتية منحة بقيمة 50 مليون دولار لدعم برنامج الاستثمار في جيبوتي، في إطار مساعدات دول مجلس التعاون الخليجية للبلاد التي تقدر ب200 مليون دولار أمريكي، كما كشف سفير جيبوتي لدى السعودية ضياء الدين بامخرمة، عن توجه رسمي سعودي لإقامة خطوط ملاحية مباشرة بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان لدعم التبادل التجاري بين البلدين، وتعزيز تواجد المنتجات السعودية في دول القرن الإفريقي. أهمية جيبوتي لمصر تمثل جيبوتي أهمية قصوى بالنسبة لمصر، لاسيما أنها من المحاور الأساسية لأمن القاهرة المائي والاقتصادي والأمني، خاصة في ظل اتساع رقعة الخلافات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول ملف حوض النيل، وإنشاء أديس أبابا سد النهضة الإثيوبي، ومن هنا يؤكد الخبراء أن هناك تهديدات تحتاج لإعادة نظر وتقييم للتحركات المصرية بمنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص والقارة السمراء بوجه عام. وبرغم هذه الأهمية، غابت القاهرة خلال الأعوام الماضية عن هذه المنطقة، وتدفع فاتورته اليوم، حيث تحتاج مثل هذه الدول إلى قوة عسكرية واقتصادية لملء الفراغات التي ترغب دول أخرى في شغلها، وفي ضوء ذلك، ترغب تل أبيب في إنشاء قاعدة عسكرية في إريتريا، وأنقرة أعلنت عن مشاريع عسكرية في الصومالوأديس أبابا، بينما ترغب السعودية والصين في إنشاء قواعد عسكرية في جيبوتي.