يبدو أن الانعطافة الكبيرة التي ظهرت مؤخرًا في الدبلوماسية والاستراتيجية التركية تجاه روسيا فيما يخص الأزمة السورية لم تكن سوى مراوغه تركية للتحالف، وتصليح العلاقات بين أنقرةوموسكو، بعد أن كانت قد تدهورت بينهما على خلفية إسقاط الأولى مقاتلة للأخيرة على الحدود السورية التركية، حيث جاءت تصريحات الرئيس التركي، رجل طيب اردوغان، حول أن «الهدف النهائي من دخول قوات بلاده الأراضي السورية يتمثل في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد»، لتكشف النوايا الحقيقية لأردوغان من الدخول إلى الأراضي السورية. قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها في ندوة عن القدس بإسطنبول: القوات التركية بدأت عملياتها في سوريا لتحقيق العدالة وإنهاء حكم الأسد الذي أدى إلى نشر الإرهاب بالمنطقة، وفق تعبيره، وأضاف أردوغان: نحن لم نقدر أن نتحمل الوضع في في سوريا ودخلنا مع الجيش الحر، مؤكدًا: نحن لا نخطط للاستيلاء على الأرض السورية، بل مهمتنا إعطاء الأراضي لأصحابها الحقيقيين. تصريح أردوغان السابق أثار ضجة سياسية كبيرة في الأوساط الروسية والسورية وحتى الإيرانية، حيث طالبت موسكو الجانب التركي بتقديم توضيحات حول تصريحات أردوغان، حيث قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: تصريحات أردوغان كانت مفاجأة جدية للجانب الروسي، ويجب أن ننتظر صدور توضيحات قبل أن ندلي برأينا، موضحًا أن الرئيس التركي لم يثر هذا الموضوع خلال اتصالاته الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشدد على أن تلك التصريحات لا تتماشى أبدًا مع الرؤية الروسية حول الوضع في سوريا، لكنها لن تنعكس بنحو سلبي على علاقاتنا الثنائية مع أنقرة. بعد ساعات من تصريح المتحدث باسم الكرملين، خرج مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، ليعلن أن الرئيس فلاديمير بوتين، بحث مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان الأربعاء، تصريحاته حول سوريا، وبدوره أعطى توضيحات بهذا الشأن، وقال أوشاكوف: يمكنني أن أقول فقط إن محادثة هاتفية جرت الأربعاء بين رئيسنا وأردوغان، وهذا الموضوع تم تناوله، وأضاف مساعد الرئيس الروسي: نعم أردوغان أعطى التوضيحات في هذا الشأن. من جانبه قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف: تصريحات الرئيس التركي حول السعي للإطاحة بالرئيس السوري، بشار الأسد، تتعارض مع الاتفاقات السابقة بين روسياوتركيا، وأضاف بوغدانوف: هذا يتعارض مع جميع الاتفاقات، أولًا القرار 2254، والقرار 2268، وقرار صيغة فيينا، وصيغة لوزان، ونحن مشاركون في تلك الصيغ، جنبًا إلى جنب مع تركيا. من جانبها ردت دمشق سريعًا على تصريحات أردوغان المثيرة للجدل، حيث أدانت الخارجية السورية تلك التصريحات حول سوريا، واصفة إياها بأنها «متطرفة وتأتي نتيجة لأطماع وأوهام تغذي فكر التطرف»، وأكدت أنها ستردّ بقوة ضد أي تدخل في شؤونها الداخلية، وقال مصدر رسمي بوزارة الخارجية والمغتربين السورية: تصريحات أردوغان حول أهداف العدوان التركي على سوريا تضع حدًّا لأكاذيبه، وتكشف بوضوح أن العدوان التركي السافر على الأراضي السورية ما هو إلَّا نتيجة للأطماع والأوهام التي تغذي فكر هذا الطاغي المتطرف الذي جعل من تركيا قاعدة للمجموعات الإرهابية التي تنهل من الفكر نفسه، واعتبر المصدر أن تلك المجموعات الإرهابية التي تنهل من الفكر نفسه تعمل على ضرب الاستقرار والأمن في سوريا والعراق، وتتحمل المسؤولية الأولى عن معاناة الأابرياء جراء الجرائم الإرهابية التي ترتكبها من دعم النظام التركي، مؤكدة أن دمشق لن تسمح بالتدخل في شؤونها وستقطع اليد التي تمتد إليها، وإذا كانت تحارب الآن أدوات هذا الطاغية وعملاءه، فإن غدًا لناظره قريب. في الإطار ذاته، دخلت إيران على خط الرد على تصريحات أردوغان، حيث هاجمت طهران التصريحات التركية، وقال المساعد السياسي للقائد العام لقوات الحرس الثوري، العميد رسول سنائي: أردوغان لا يمتلك القدرة الكافية لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وأوضح سنائي أن تركيا لو كانت تمتلك قدرة كهذه لكانت قد نجحت في الماضي في تشكيل منطقة عازلة، موضحًا أن تصريح أردوغان يعد نوعًا من المواساة للإرهابيين الذين يمرّون في حلب بظروف الحصار الصعبة والاحتجاجات الشعبية، وأشار المساعد السياسي إلى أن سوريا تمر اليوم بمرحلة مصيرية يشهد فيها الإرهابيون ظروفًا صعبة، مضيفًا أن التطورات التي حصلت خلال الأشهر الماضية جعلت هزيمة الإرهاب أمرًا حتميًّا. تلك الضجة الدولية دفعت الرئاسة التركية إلى المسارعة في التهرب وتبرير ما اسمته ب«الفهم الخاطيء» لتصريحات أردوغان، حيث أفاد مصدر في ديوان الرئاسة التركي، بأن تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حول إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لا ينبغي أن يؤخذ حرفيًّا، وقال المصدر: هكذا جاء تصريح الرئيس، لكن لا ينبغي أن يؤخذ حرفيًّا، آمل أن يتم تجاوز سوء الفهم هذا مع روسيا المتعلق بهذا التصريح سريعًا، مضيفًا أن بيانات رسمية بشأن تصريح أردوغان يمكن أن يعطيها فقط قادة البلاد عالي المستوى. بعد ساعات من محاولات الرئاسة التركية الالتفاف على تصريحات أردوغان، بادر الرئيس التركي للمرة الثالثة خلال أسبوع بإجراء اتصال هاتفي بنظيره الروسي، واتفقا خلال الاتصال على تكثيف المساعي للتوصل إلى وقف للأعمال القتالية وضرورة إيصال المساعدات لمدينة حلب. تصريحات أردوغان التي أثارت ضجة سياسية في سورياوروسياوإيران وحتى تركيا نفسها، لم تكن مفاجئة بالنسبة للمتابعين للسياسة التركية في سوريا، فأنقرة طالما عُرفت بمعاداتها العميقة للنظام السوري وتمسكها بدعم التنظيمات والجماعات المسلحة هناك، لكن المفاجئ في تلك التصريحات أنها تأتي بعد حرص أنقرة بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة على التنسيق مع روسياوإيران، الأمر الذي حلله مراقبون على أنه انعطافة تركية تجاه الأزمة السورية بعد أن خسر أردوغان حلفاءه كافة السابقين والداعمين الأساسيين لاستراتيجيته هناك. تصريحات أردوغان أيًّا كانت أهدافها أو مسمياتها سواء «زلة لسان» أو «تسريبات غير مقصودة» أو «فهم خاطيء»، ورغم أن الرئاسة التركية حاولت نفيها أو توضيحها أو تغيير صيغتها، إلَّا أنها لن تمضي مرور الكرام، فمن المؤكد أن روسيا ستضعها قيد البحث والدراسة، وقد ينتج عنها طريقة تعامل جديدة بين موسكووأنقرة على خلفية التصريحات التي تؤكد أن استراتيجية أردوغان في سوريا لم ولن تتغير حتى بعد فشل رهاناتها كافة هناك، وأهدافها وطموحاتها في توسيع نفوذها بسوريا والعراق لن تعرقله تحالفها مع روسيا، التي تحاول أن تحافظ على النظام السوري القائم بزعامة الأسد قويًّا، لكن هذا التحالف فقط جاء لأن أنقرة لم تعد تمتلك نقاط قوة في سوريا ولم تستطع انتزاع أي من أهدافها هناك؛ ولأن موازين القوة في دمشق قد اختلفت، الأمر الذي يمكن أن يُحدث أزمة جديدة باردة بين أنقرةوموسكو، التي لم تكن مطمئنه من البداية لتحالفها مع إدارة أردوغان الازدواجية. في الوقت الذي لا تزال الأجواء بين تركياوروسيا غامضة، وطريقة تعامل موسكو مع أنقرة بعد تصريحات رئيسها التي لا تتناغم نهائيًّا مع استراتيجية روسيا في سوريا، غير واضحة، تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لولاية أنطاليا جنوبي تركيا، للمشاركة في اجتماع «مجموعة التخطيط الاستراتيجي المشترك» التركية الروسية، كما يأتي التحضير إلى زيارة من المقرر أن يجريها رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، في 6 ديسمبر الجاري لموسكو. في الإطار ذاته، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف: التصريحات التركية ستحضر على طاولة البحث بين الوزيرين لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، خلال لقائهما في أنطاليا، وأضاف بوغدانوف أن الاجتماع سيكون فرصة جيدة لتوضيح النيات الحقيقية للجانب التركي.