يمتلئ تاريخ السينما الإيرانية بالأحداث التي ساهمت بشكل كبير فى خلق حالة فنية مختلفة ومميزة، ورغم القيود التي واجهتها التجربة الإيرانية، إلا أنها استطاعت فرض نفسها على خريطة السينما العالمية، ولاقت اهتماما كبيرا فى المحافل والمهرجانات الدولية، وأحدثت جدلا كبيرا بسبب الإنتاج الديني الذي يمثل 80% منها. سينما الشاه في عام 1900، ذهب الشاه الإيراني مظفر الدين إلى إحدى الدول الأوروبية، واشترى آلة تصوير سينمائية خلال جولته بأوروبا، ثم التقط مصوره ميرزا إبراهيم خان، عدة صور للزهور بمدينة اوستاند، ليكون هذا أول عمل إيراني مصور، وتم افتتاح أول صالة عرض سينمائية بإيران عام 1904. ورغم أن بدايات السينما كانت فى مرحلة مبكرة، لكنها لم تزدهر إلا مع نهاية عشرينيات القرن الماضي؛ فتم إنتاج أول فيلم إيراني عام 1930 "آبي ورابي" للمخرج أفانيس أوهانيان، وكان قبلها يتم عرض الأفلام الغربية المدبلجة داخل صالات السينما الإيرانية، وكانت الطبقة الدينية فى إيران تخشى الأفلام الغربية لما تحمله من قيم مختلفة عن الثقافة الإيرانية وتتعارض مع الإسلام. كانت التجربة الإيرانية فى بدايتها متأثرة بالسينما الهندية (بوليودد)، ثم رسمت بعدها مسارا مختلفا يتفق مع ثقافة شعبها، وتم إنتاج أول فيلم طويل عام 1932، بطولة حجي آغا، الممثل السينمائي، للمخرج اوهانس اوهانيان. وفى عام 1940، تم إنتاج أول فيلم إيراني ناطق "دخترلر" الذي حظى باستقبال الجمهور، وكان ناطقا باللغة الفارسية، ليكون بداية لصناعة السينما الإيرانية، لكن حصل ركودا بالسينما حتى عام 1948، فكانت الأفلام الأمريكية والهندية والمصرية تكتسح السوق الإيراني، وزادت صالات السينما، وكان هدف المنتجين الربح فقط. حقبة سينمائية جديدة شهدت السينما الإيرانية بداية الخمسينيات حتى السبعينيات، انفتاحا كبيرا على الغرب، حيث لا يوجد رقابة على الأفلام والمشاهد الساخنة، وكانت أزياء الممثلات أقرب إلى أوروبا، وكل ذلك قبل الثورة الإسلامية فى إيران وتحولها من ملكية إلى جمهورية. وفي الستينيات، ظهر عدد من المخرجين الإيرانيين الذين طوروا السينما، وكانت أفلامهم تنتمي إلى المدرسة الواقعية، وتعبر عن الحياة اليومية وتتناول حياة الفقراء والطبقة العاملة، وأنتج فيلم "البقرة" للمخرج داريوش مهرجوئي، ومُنع من العرض أيام الشاه؛ لأن الرقابة كانت ترى أنه يتعارض مع صورة إيران العصرية، لكنه عرض في "مهرجان البندقية" عام 1971، ولقي احتفاء واسعا من قبل النقاد، وظلت السينما الإيرانية حتى منتصف السبعينيات تنتج أفلاما على مستوى فني جيد. السينما أثناء الثورة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1978، تغير الحال تماما، وشهدت الحركة السينمائية تراجعا كبيرا، باعتبارها أحد رموز نظام الشاه ولتأثرها بالغرب، واشتدت الرقابة على السينما من قبل وزارة الثقافة التي تغير اسمها بعد الثورة ل"وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي"، بالإضافة إلى اختفاء المرأة من المشهد السينمائي. ورغم التقييد، أنتج عدد من الأفلام المتميزة مع بداية الثمانينات، مثل «نشيد من تارا، وموت يازديجيرد، وأمير نادري البحث»، لكن حظر عرضها داخل إيران، ووقتها سافر بعض المبدعين الإيرانين إلى الخارج للبحث عن فرصة فنية جديدة. وفي منتصف الثمانينات، تغيرت سياسة الدولة تجاه الفنون، وبدأت وزارة الثقافة تشجع إنتاج أفلام محلية، مع استمرار دور الرقابة على الأعمال السينمائية، وكل هذه الظروف ساهمت في خلق نوع مختلف من السينما ذات ملامح خاصة بالشعب الإيراني مع احتفاظها بمكانة مميزة وسط السينما العالمية، ولاتزال السينما الإيرانية تحظى باهتمام كبير من جانب المهرجانات الدولية. الإنتاج الديني كان للإنتاج الديني نصيب الأسد فى السينما الإيرانية عقب الثورة؛ حيث تم إنتاج عدد كبير من المسلسلات والأفلام عن الأنبياء والصحابة، وتم تجسيد شخصيات الأنبياء (وجوه)، ما سبب جدلا كبيرا فى الدول الإسلامية، ومنعت بعضها عرض هذه الأفلام وسط فتاوى تحرم ذلك، فيما لاقت بعضها الأعمال قبولا في الفضائيات العربية. وفي عام 2010، أنتج فيلم ملك سليمان، الذي تناول قصة سيدنا سليمان، وقام بدور سيدنا سليمان، الممثل الايراني أمين زندگاني، وشكل هذا الفيلم ثورة سينمائية وإنتاجية، حيث نفذ وفق أهم المعايير العالمية، وكذا المسلسل الذي تناول قصة "السيدة مريم"، من حيث مولدها ونشأتها وتربيتها على يد سيدنا زكريا حتي مولد سيدنا عيسى. وأنتج أيضا فيلم "إبراهيم خليل الله" الذى جسد سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، من كتابة وإخراج محمد رضا ورزي، وفيلم "ناسپاس" الذي جسد قصة سيدنا موسى وسيدنا هارون وقصة البقرة المشهورة، كما تم تجسيد قصة سيدنا يوسف فى أضخم إنتاج تليفزيوني، حيث وصلت ميزانية المسلسل 2.5 مليون دولار، وتم عرضه فى الوطن العربي وحقق نجاحا كبيرا. وعرض مؤخرا الفيلم الإيراني "محمد رسول الله"، الذى سجل أعلى ميزانية فى تاريخ السينما الإيرانية بلغت 40 مليون دولار، وعرض وسط استياء وغضب كبير من قبل كل المؤسسات الدينية، لكنه حقق إيرادات بعد مرور 22 يوما في دور العرض، 5 مليارات و500 مليون تومان (العملة الإيرانية)، وسط استقبال جماهيري واسع. الجوائز الدولية حصلت الأفلام الإيرانية على عدد من الجوائز الدولية، منها "جائزة النمر الذهبي في مهرجان لوكارنو في سويسرا عام 1997عن فيلم آيينه (المرآة)، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان فيلم القارات الثلاث في نانت بفرنسا في عام 1996 للمخرج أبوالفضل جليلي عن فيلم (يك داستان واقعي)، وجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي الفرنسي في عام 1995 عن فيلم (البالون الأبيض).