تبقى السينما الإيرانية لغزا محيرا للعالم، فرغم ما تعانيه من القيود المفروضة عليها من قبل نظام حكم الملالي الشيعي، نجحت في الحصول على العديد من الجوائز العالمية وبينها الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، بل ونجحت كذلك في كسب جمهور واسع بدول العالم رغم أنها تخلو تماما من مشاهد للممثلات بلا حجاب،ناهيك عن خلوها من الأحضان والقبلات المنتشرة بالسينما المصرية. تاريخ السينما الايرانية بدأ بالتزامن مع السينما المصرية قبل نحو مائة عام، غير أن الأولى مرت بتحول كبير عقب الثورة الايرانية الإسلامية العام 1978 حيث أحرقت أغلب دور السينما وتوقف الانتاج تماما، قبل أن يظهر جيل جديد من السينمائيين الذين نجحوا في تحقيق المعادلة الصعبة بالتعايش مع الرقابة الصارمة والتحليق في سماء العالمية. ومن أبرز الجوائز التي حصدتها السينما الايرانية مؤخرا، جائزة النمر الذهبي في مهرجان لوارنو في سويسرا في عام 1997، لجعفر بناهي عن فيلم "المرآة"،وكذلك جائزة أفضل فيلم في مهرجان فيلم القارات الثلاث في "نانت" بفرنسا في عام 1996 للمخرج أبوالفضل جليلي عن فيلم "قصة واقعية". ونالت السينما الايرانية أيضا جائزة الاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي الفرنسي في عام 1995 للمخرج جعفر بناهي عن فيلمه "البالون الأبيض". وأيضا جائزة روبرتو روسوليني في مهرجان كان السينمائي الفرنسي، وقبلها جائزة فرانسوا تروفو في مهرجان فيلم جيفوني الإيطالي في العام 1992 للمخرج عباس يارستمي تكريما له على مجمل أعماله السينمائية. وقائمة الجوائز العالمية التي حصدتها السينما الإيرانية طويلة للغاية وبينها كذلك جائزة أفضل فيلم في مهرجان القارات الثلاث في نانت بفرنسا في عام 1989 للمخرج أميرنادري لفيلمه "الماء الرياح التراب". وقبلها جائزة أفضل فيلم في مهرجان القارات الثلاث في نانت بفرنسا في عام 1985 للمخرج أميرنادري لفلمه "الراض". وفي العالم 1997، كان التكريم والانحناء الأكبر حين رشح المخرج مجيد مجيدي لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن "أطفال الجنة"، وكذلك فازالمخرج كياروستامي بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي عن رائعته فيلم "طعم الكرز"،الذي يقدم فيها سردا وحكيا مختلف عن الحياة والموت. وبعد أقل من أسبوعين من انتصار السعفة الذهبية، فاز محمد خاتمي برئاسة الجمهورية الإيرانية فى ذلك الوقت باكتساح،وإنطلقت التحليلات السياسية وقتها حول تأثير فوز كياروستامي في كان، وفخر الإيرانيين برمزهم السينمائي الأول، في ترجيح كفة خاتمي كانتصار للفن والحريات. أما آخر الجوائز التي حصلت عليها السينما الايرانية فكان من نصيب فيلم "انفصال" الذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان أبوظبي السينمائي في أكتوبر 2011، ونال الفيلم أيضا جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. ويرجع تاريخ السينما في إيران إلى العام 1900، يوم كان الشاه الإيراني مظفر الدين شاه، في زيارة لإحدى الدول الأوروبية وأحضر معه أول آلة تصوير في البلاد، وفي العام 1904، افتتحت أول صالة عرض للسينما بإيران. لكن أول فيلم إيراني أخرج عام 1930، بعنوان "آبي ورابي"، على يد المخرج أفانيس أوهانيان،وكانت السينما في إيران في بداياتها متأثرة بالسينما الهندية، وبعدها بدأت تأخذ خطا مستقلا لها يعبر عن شخصيتها المستقلة،وإن كان هناك ضغوط من الدولة للاتجاه نحو العصرنة، وإظهار إيران بشكل عصري منفتح على الغرب. وقد كان هذا تحديدا في فترة الستينات،حيث ظهرت موجة جديدة من المخرجين الإيرانيين الذين ابتدعوا تقنيات جديدة في السينما ولم يخشوا النقد الاجتماعي، ومن أهم أفلام هذه الفترة، فيلم "البقرة" 1969، الذي أخرجه داريوش ميهرجيو، فقد أسس هذا الفيلم، الذي صور بأكمله في قرية إيرانية لمنهج الواقعية الجديدة الذي نادت به السينما الايطالية، وهي المدرسة التي سيتبعها أهم مخرجي إيران في ما بعد. ومن أهم صفات المدرسة الواقعية الجديدة كما بدأت في ايطاليا عام 1943، وانتهت عام 1961، أن أفلامها تتناول حياة الفقراء والطبقة العاملة، وتتميز باللقطات الطويلة في مواقع التصوير الحية،وغالبا ما تعتمد على ممثلين غير محترفين في الأدوار المساعدة، وأحيانا في الأدوار الرئيسية. وظلت السينما الإيرانية حتى منتصف السبعينات تنتج أفلاما ذات مستوى فني عالي، ربما كان من أهمها فيلم بهرام بايزائي "أكثر غربة من الضباب" 1975، لكنها بدأت بعد ذلك في التراجع حتى قيام الثورة الإيرانية. ومع إندلاع الثورة العام 1978، تغير الحال تماما، فقد كانت النظرة العامة للسينما هي أنها رمز من رموز نظام الشاه والتأثير الغربي،ونتيجة لذلك تم إحراق أكثر من 180 دار سينما،كما أن 400 شخص قد ماتوا في حادث إحراق إحدى دور السينما في عمدا. وقد أدت هذه الظروف،إضافة إلى الرقابة الصارمة التي تفرضها الدولة على الأفلام التي لم تكن ذات حدود واضحة،إلى اختفاء النساء من المشهد السينمائي تماما، وعلى الرغم من هذا، فقد تم إنتاج بعض الأفلام المتميزة في بداية الثمانينات كفيلمي بهران بايزائي "نشيد من تارا" 1980، و"موت يازديجيرد" 1982، وفيلم أمير نادري "البحث" 1982، وإن كانت هذه الأفلام قد حظر عرضها داخل إيران. وفي منتصف الثمانينات من القرن الماضي،تغيرت سياسة الدولة تجاه الفنون،وبدأت في تشجيع إنتاج أفلام محلية، لكن هذا لم يغير من أن الرقابة ما زالت مستمرة، والحظر لا يزال واردا تجاه كثير من الأعمال المهمة. ولاتخفى القيود المفروضة على السينما الايرانية على أحد،سواء كانت رقابة ذاتية من جانب صناع السينما أنفسهم،أو رقابة من جانب رجال الدين المتحكمين في مجريات الحياة في بلادهم، لا سيما مع توسع نفوذ المحافظين في مواجهة المنفتحين على العالم. ويقول الفنان عبدالعزيز مخيون، الذي كان في زيارة إلى إيران قبل شهر ضمن وفد فني مصري،إن السينما الإيرانية استطاعت الوصول لكل أرجاء العالم وحصدت ما يزيد عن الألف جائزة عالمية منذ العام 1980، وهذا رقم كبير للغاية ومثير للدهشة،مشيرا إلى أن سينمائيي إيران إلتزموا بثوابت المجتمع مع التحليق في عالم السينما وهي المعادلة التي إذا تساوت معطياتها أدت للنتيجة المثالية. وأوضح أن الفنانين الايرانيين نجحوا في توظيف تراث السينما لصالح المجتمع بعد الثورة،وعلي الرغم من أن عمر السينما الإيرانية يقل عن عمر السينما المصرية بثماني سنوات إلا أن الأولي أحدثت طفرة عالمية لا ينكرها أحد. ويؤكد الناقد مصطفى درويش إنه من أكثر المعجبين بالسينما الايرانية وعلى وجه الخصوص السينمائيين الذين يواجهون عوائق وقيود هي الأكثر تشددا في العامل، ومع ذلك لم يتوقف السينمائيون أمام تلك القيود وتعاملوا معها بقدر من الذكاء والعبقرية. وقال درويش: صناع السينما الإيرانية فى منتهى التحدى والعناد، فتجدهم يعانون من محاذير أخلاقية وسياسية شديدة ورغم ذلك يقدمون سينما تبهر العالم وتنال العديد من الجوائز فى مهرجانات دولية كما هو حال فيلم "انفصال". وأوضح أن السينما الايرانية تتوافر لها ظروف أفضل لكنها بكل أسف لم تنجح فى الوصول إلى المكانة نفسها، ولم تستغل المساحة الأكبر من الحرية، مكتفية بأفلام تجارية لا يمكن المنافسة بها في مهرجانات عالمية.