شارك نحو 180 مسؤولا من قادة دول وحكومات ووزراء، من بلدان موقعة على اتفاق باريس للمناخ، على مدى يومي 15و16 نوفمبر الماضيين، في مؤتمر المناخ الثاني والعشرين، الذي تنظمه الأممالمتحدة، في محاولة دولية ترمي إلى كبح جماح تغيير المناخ، عبر سلسلة من المؤتمرات المناخية منذ اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية في قمة الأرض بالبرازيل 1992، مرورا باتفاقية باريس التي تم التوصل إليها في المؤتمر الحادي والعشرين للأطراف الأعضاء في اتفاقية الأممالمتحدة 2015، وصولا إلى مؤتمر مراكش المنعقد حاليا في المغرب، حيث بدأت هذه الدورة يوم السابع من نوفمبر 2016 وتنتهي يوم 18 من الشهر ذاته، وافتتح العاهل المغربي الملك محمد السادس، مؤتمر اتفاقية الإطار المتعددة الأطراف الخاصة بالمناخ بحضور أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة. كالمعتاد في معظم المؤتمرات المناخية، فإن هدف مؤتمر مراكش هو تثبيت تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والحد من تبعات تغير المناخ وفق عناوين أساسية، تأخذ بعين الاعتبار التحول نحو الطاقات المتجددة، وتحقيق "العدالة المناخية" في قضية المناخ، في ظل تشديد الدول النامية على أن تتحمل الدول الصناعية مسؤولياتها التاريخية، خصوصا أنها حققت نموا اقتصاديا على حساب المناخ منذ الثورة الصناعية، وتحديدا منذ منتصف القرن التاسع عشر. التركيبة المعقدة لمؤتمر المناخ يبدو أن فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالسباق الرئاسي، أربك حسابات الأطراف المشاركة في المؤتمر، خاصة أن مواقف ترامب "المرشح" من اتفاقية المناخ التي أبرمت في باريس وتهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري معروفة، حيث هدد برفض الاتفاق العالمي الذي تفاوضت عليه 200 حكومة تقريبا وصادقت عليه 105 دول لمحاربة تغير المناخ، وأنه في حال وصوله للبيت الأبيض سيعمل على وقف جميع المدفوعات التي يقدمها دافعو الضرائب الأمريكيين إلى برامج الأممالمتحدة للاحترار العالمي، ما أثار قلق الكثيرين عقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ 4 نوفمبرالجاري. ورغم بعض المحاولات الأممية التي سعت لتخفيف من وقع تأثيرات تصريح ترامب المرشح، إلا أن الدخول في التفاصيل المناخية تعقدت، ففي حديثه للصحفيين الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر مراكش، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إنه يأمل من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن يدرك أهمية التحرك السريع لمواجهة الاحترار المناخي، معربا عن ثقته بأنه سيتخذ قرارا حكيما. فرنسا كانت أكثر حدية من كي مون في لهجتها مع الولاياتالمتحدة، خاصة أن باريس تعد مهندسة الاتفاق المناخي، حيث جاء موقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند واضحا في هذا المجال، لجهة تأكيده أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مدعوة ل"احترام التزاماتها تجاه العالم في ما يتعلق باتفاق المناخ وحماية البيئة على مستوى العالم"، في رد مباشر على تصريحات ترامب للخروج من الاتفاقية، وأضاف هولاند: "هذا ليس واجب الولاياتالمتحدة فحسب، وإنما هذا من مصلحة الولاياتالمتحدة ومصلحة الشعب الأمريكي لأنه لا يوجد بلد بعيدة عن التغيرات المناخية"، وأن الاتفاقية لا يمكن إلغاؤها بحكم القانون وبحكم الواقع، فضلا عن أنه "لا يمكن إلغاؤها في عقولنا"، بحسب تعبير هولاند، الذي أكد أنه ينبغي على الولاياتالمتحدة أكبر قوة اقتصادية في العالم وثاني أكبر دول العالم من حيث انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري احترام الالتزامات التي تعهدت بها. الصدام الحقيقي في المؤتمر حال نفذ ترامب وعوده المناهضة لمؤتمر المناخ سيكون مع الصين، ففي الوقت الذي أشاد صلاح الدين مزوار، وزير خارجية المغرب رئيس مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية حول التغيرات المناخية، بالتزام الصين لصالح الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية، تحاول واشنطن التملص من التزاماتها البيئية، الأمر الذي لا ترغب به بكين، ففي تعليق نادر من الصين على انتخابات الأمريكية، رفضت بكين في الأول من نوفمبر، خطة المرشح ترامب آنذاك بالانسحاب من اتفاقية تغير المناخ، قائلة إن على أي زعيم سياسي حكيم أن يضع السياسات بما يتفق مع الاتجاهات العالمية، وردا على سؤال بشأن كيف ستعمل الصين مع إدارة ترامب فيما يتعلق بتغير المناخ، قال كبير المفاوضين الصينيين إن العالم يتحرك صوب تحقيق توازن بين حماية البيئة والنمو الاقتصادي. ويبدو أن خلافًا بين بكينوواشنطن قد يحدث في حال انسحاب ترامب من الاتفاق، خاصة أن الصين تحتاج لسلسلة معقدة ومكلفة من الإجراءات للوفاء بالتزاماتها باتفاقية المناخ في باريس، تتمثل في خفض انبعاثات غاز الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي لديها بنسبة تتراوح بين 60 و65 % بحلول عام 2030 مقارنة بمستوى عام 2005، وأن تقوم بزيادة مصادر الوقود غير الأحفوري في استهلاك الطاقة الأساسية إلى حوالي 20 %، وأن تبلغ ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، إلى جانب زيادة مخزون حجم الغابات بمقدار 4.5 مليار متر مكعب مقارنة بمستوى عام 2005. وفي المقابل، أكد المفاوض الأمريكي جوناثان بيرشينغ، أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ألقى أمس، كلمة شدد فيها على ضرورة التحرك السريع في مجال المناخ، وأشار إلى أن أمريكاوالصين تسهمان بنسبة 40% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم. وكان اتفاق باريس قد دخل حيز التنفيذ بعد 30 يوما على مصادقة 55 دولة عليه، وهي الدول التي تصدر 55% على الأقل من الغازات المتسببة بظاهرة التغير المناخي.