أصدر الأثري خالد عليان مدير عام مناطق آثار جنوبسيناء بوزارة السياحة والآثار تعليماته برفع العلم المصري علي قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا، وذلك في إطار احتفال مصر بالذكري ال32 لاسترداد طابا يوم 19 مارس 1989. وأشار الأثري سامي جودة مدير منطقة آثار طابا، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأربعاء، إلي أنه رفع العلم المصري علي أعلي برج بالقلعة، والذي يقع بالمنطقة الوسطي من التحصين الشمالي، موضحا أن ذلك يأتي في إطار البروتوكول المتعارف عليه للاحتفال بذكري استرداد طابا حيث يرفرف علم مصر عليها منذ ذلك الوقت. ومن جانبه، رصد الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوبسيناء، بالوزارة قصة التجربة المصرية الرائدة منذ إحالة قضية طابا إلي التحكيم إلي رفع العلم المصري علي طابا، وهي تجربة وظفت فيها الوثائق التاريخية والخرائط والمجسمات الطبيعية وكتابات المعاصرين والزيارات الميدانية وشهادة الشهود وأشرطة الفيديو والصبر والمثابرة في استرداد الحق بشكل غير مسبوق. وأضاف أن المنطقة المتنازع عليها في طابا كانت تمثل شرفة صغيرة من الأرض المطلة علي رأس خليج العقبة والممتدة علي شاطئ طابا بين سلسلة الجبال الشرقية وربوة جرانيتية قليلة الارتفاع ملاصقة لمياه الخليج والتي تبلغ مساحتها 1020 متر مربع. وأوضح أنه رغم صغر مساحتها فكانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل، عبر عنها وكيل حكومة إسرائيل روبي سيبل، في المرافعات الإسرائيلية في قضية طابا، ذاكرا أنها ذات أهمية بالغة لمدينة إيلات، وهي في حقيقتها ضاحية لها، لذلك أقاموا استثمارات سياحية بها وبنية مدنية ليؤكدوا استحالة عودتها للسيادة المصرية. وأشار إلي أن الجانب الإسرائيلي عمد إلي التضليل والتزييف للحقائق فمن خلال سيطرتهم علي المنطقة من 1967 إلي 1982، قاموا بتغيير معالمها الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو، حيث أزالوا أنف الجبل الذي كان يصل إلي مياه خليج العقبة وبناء طريق مكانه يربط بين إيلات وطابا، وكان علي المصريين أن يبحثوا عن هذه العلامة التي لم يعد لمكانها وجود، ولم يعثروا إلا علي موقع العلامة قبل الأخيرة التي اعتقدوا لفترة أنها الأخيرة. وتابع أنه في يوم 13 مايو 1985 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 بتشكيل (اللجنة القومية العليا لطابا) من أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، وهي اللجنة التي تحولت بعد ذلك إلي هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا، والتي أخذت علي عاتقها إدارة الصراع في هذه القضية مستخدمة كل الحجج لإثبات الحق. وأكد أن الوثائق التاريخية في تلك القضية مثلت نسبة 61% من إجمالي الأدلة المادية التي جاءت من ثمانية مصادر، وقد نصت مشارطة التحكيم علي أن المطلوب من المحكمة تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب أي في الفترة بين عامي 1922 و1948، وبالرغم من ذلك فإن البحث في الوثائق ذهب إلي ثلاثينيات القرن التاسع عشر والوثائق في الفترة اللاحقة علي عام 1948 حتي حرب يونيو ونتائجها. وأضاف انه تم البحث عن هذه الوثائق في دار الوثائق القومية بالقلعة، وبالخارجية البريطانية، ودار المحفوظات العامة في لندن، ودار الوثائق بالخرطوم، ودار الوثائق باسطنبول، ومحفوظات الأممالمتحدة بنيويورك. وأكد الدكتور ريحان أن الوفد المصري لم يقبل الموقع الذي حدده الجانب الآخر للعلامة 91 وأصروا علي الصعود لأعلي، وهناك وجد المصريون بقايا القاعدة الحجرية للعلامة القديمة، ولكنهم لم يجدوا العمود الحديدي المغروس في القاعدة، والذي كان يحمل في العادة رقم العلامة. وقال ريحان "لقد اندهش الإسرائيليون عندما عثروا علي القاعدة الحجرية، وكانت الصدمة الكبري لهم حين نجح أحد الضباط المصريين في العثور علي العمود الحديدي علي منحدر شديد الوعورة حيث نزل وحمله لأعلي". وأضاف أن طول هذا العمود 2م وعرضه 15سم ووزنه بين 60 إلي 70كجم، وكان موجودا عليه رقم 91، وأمام هذا الموقف لم يملك أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي نفسه قائلا "إن الطبيعة لا تكذب أبدا". وتابع انه اتضح فنيا أن العمود والقاعدة قد أزيلا حديثا ورغم ذلك فقد رفضت إسرائيل الاعتراف بهذه العلامة حتي موافقتها علي التحكيم في 13 يناير 1986. وأشار إلي اللحظة الحاسمة، ففي يوم الخميس 29 سبتمبر 1988 في قاعة مجلس مقاطعة جنيف حيث كانت تعقد جلسات المحكمة دخلت هيئة المحكمة يتقدمها رئيسها القاضي السويدي جونار لاجرجرين لتنطق بالحق وعودة الأرض لأصحابها في حكم تاريخي بأغلبية أربعة أصوات والاعتراض الوحيد من القاضية الإسرائيلية، ووقع الحكم في 230 صفحة. وأوضخ أن حيثيات الحكم انقسمت لثلاثة أقسام، الأول إجراءات التحكيم ويتضمن مشارطة التحكيم وخلفية النزاع والحجج المقدمة من الطرفين، والثاني أسباب الحكم ويتضمن القبول بالمطلب المصري للعلامة 91 والحكم لمصر بمواضع العلامات الأربعة، والثالث منطوق الحكم في صفحتين جاء فيه في الفقرة رقم 245 " النتيجة -علي أساس الاعتبارات السابقة تقرر المحكمة أن علامة الحدود 91 هي في الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم علي الأرض حسب ما هو مسجل في المرفق (أ) لمشارطة التحكيم"، وبذلك تم رفع العلم المصري علي الجزء الذي تم استرداه من طابا في 19 مارس 1989.