صرح وزير الأوقاف د محمد مختار جمعة بأن أهم فارق بين العلماء والجهلاء هو مدي فهم هؤلاء وأولئك لقضايا الحل والحرمة، والضيق والسعة، فالعالم يدرك أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، وأن التحريم والمنع هو استثناء من الأصل، يقول الحق سبحانه: " قل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَي طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (الأنعام: 145)، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): "إنَّ اللَّه تَعَالَي فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحثُوا عَنْهَا" (متفق عليه)، ويقول (صلي الله عليه وسلم): " ما أَحَلَّ اللهُ في كتابِه فهوَ حَلالٌ، و ما حَرَّمَ فهوَ حرامٌ، و ما سَكَتَ عنهُ فهوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ و ما كان رَبُّكَ نَسِيًّا" (الطبراني). فالجهلاء يجعلون الأصل في كل شيء التحريم والمنع، ويطلقون مصطلحات التحريم والتفسيق والتبديع والتكفير دون وعي، غير مدركين ما يترتب علي ذلك من آثار، وغير مفرقين بين التحريم والكراهية ولا حتي ما هو خلاف الأولي، فصعبوا علي الناس حياتهم، ونفروهم من دين الله (عز وجل) وهو ما حذر منه نبينا (صلي الله عليه وسلم)، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): " إنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ" (مسند أحمد)، وقوله لسيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) عندما شكا إليه (صلي الله عليه وسلم) بعض الناس أنه يطيل بهم الصلاة: " يا مُعاذُ، أفتَّانٌ أنت؟ " (سنن أبي داود). أما الفريق الآخر وهم العلماء فقد أدركوا بما لا يدع أي مجال للشك أو الارتياب أو حتي الجدل أن الأديان إنما جاءت لسعادة الناس لا لشقائهم، حيث يقول الحق سبحانه: " طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَي" (طه: 1، 2)، ويقول: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78)، ويقول سبحانه: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: 185). وفقهوا أن الفقه رخصة من ثقة، وأن الفقه هو التيسير بدليل، وأن النبي (صلي الله عليه وسلم) ما خُيِّر رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بين أمرين إلَّا أخذ أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، فأخذوا الناس إلي طريق الشريعة السمحاء النقية التي لا تنال منها المطامع ولا الأهواء ولا التوظيف الأيدولوجي، مع تأكيدنا أن هذا التيسير الذي نريده شيء وأن التسيب والانفلات شيء آخر، فالتيسير الذي نريده هو التيسير المنضبط بضوابط الشرع، لا ذلكم التسيب المبني علي الهوي. فتحت مسمي الالتزام والأحوط والاحتياط فتحت أبواب التشدد التي ساقت وجرفت الكثيرين في طريق التطرف، حتي ظن الجاهلون أن التحوط في التدين يقتضي الأخذ بالأشد، وأن من يتشدد أكثر هو الأكثر تدينًا وخوفًا من الله (عز وجل)، وتحت مسمي التيسير فتحت بعض أبواب الخروج عن الجادة، وديننا يريدها وسطية سوية، لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء، فلا إفراط ولا تفريط.