لا يختلف الملمح المميز الذي سجلته المخرجة ماجي مرجان في فيلمها الروائي الأول 'عشم' عن ذاك الذي أثاره الفيلم نفسه. هناك انشقاق فعلي في المشهد المصري، هناك انقطاع بين المصريين، هناك تمزق في داخل المجتمع، يترجَم في العلاقات. ما فعلته ماجي مرجان في فيلمها، وهي أيضًا بالمناسبة مؤلفة الفيلم، بسيط وعميق في آن واحد ولا يعتمد أسلوبًا متداولًا في صناعة الفيلم في مجتمعنا بالطبع: قدمت ست قصص منفصلة ولكنها متقاطعة برباط واحد يتمحور حول الجرح الآني في مجتمع تتوه خطواته وتكاد تدوس على أنقاض الإنسانية فيه، فواصل كبيرة بين البشر تزيد من مساحة البعد والانفصال، ومع ذلك يحاول الفيلم أن يتشبث بالأمل، فكما يحمل كما كبيرا من القلق والارتباك يحمل أيضاً قدرا كبيرا من الحب للمدينة وناسها. لم يأت الفيلم على مسار تقليدي كما اعتاد الجمهور المصري، وربما هذا سيقوده إلى حدود الصدمة، ولكن ربما يبدو كنوع من تبادل الرسائل الخفية بين جمهور يعيش واقعه على المحك وفيلم يحاول أن يجتاز هذا المحك. عشم (المهرج) هو الشخصية الرئيسية التي تربط بين القصص الست بشخوصها الكثيرة، وهو ملمح آخر لفيلم يشارك فيه جيش من الممثلين في مقدمتهم المخرج محمد خان ومحمود اللوزي إضافة إلى الوجوه الشابة: أمينة خليل، سلمى سالم، سيف الأسواني، شادي حبشي، علي قاسم، مروة ثروت، منى الشيمي، مينا النجار، نجلاء يونس، نهى الخولي، هاني إسكندر، هاني سيف. وهو ما جعل الفيلم، بصرف النظر عن موضوعه وعن التوازي المقصود في عرض الحكايات، أشبه بمباراة وحشية لهؤلاء الممثلين الذين غاصوا في تشعبات الحالة الإنسانية وفي متاهات الأحلام والحماسات والانكسارات، وهو ما أظهرهم وكأنهم يقدمون عزفًا منفردًا أبرز قدرات الكثيرين منهم وضعف النص أحيانًا مقارنة بجهدهم الخاص. زخم الفيلم بقصصه وشخوصه صنع له هويته الخاصة ولكنه لم يكن غالبًا على الهوى، فالتعسف في بعض الحكايا والتقاطع الكثير المربك والأخطاء التقنية الواضحة صنعت نوعا من اللهاث المتعب والمزعج في متابعة الفيلم، كما لا يمكن التغاضي عن البعد الفني حيث لا ابتكارات جمالية مدهشة أو مؤثر حيوي في إعادة صوغ قصص إنسانية امتزجت بالثقافي والمجتمعي والسياسي، حيث يتقاطع الخاص بالعام ويشتبك بخيط رفيع يصور الحالة والتجربة الفردية الخاصة جدًا التي تصبح نافذة لقراءة المجتمع بسهولة. باختصار شديد: ما قدمته ماجي مرجان في هذا الفيلم، لا لبس فيه، فهناك مجتمع ممزق وأحلام مبتورة وخيبات لا تنتهي، والتباسات كثيرة، واسئلة مستمرة، ولكنها لا تتخلى عن أمل يعيد تشكيل الحياة، هو أمل شعرت به شخصيًا في مشهد الختام مع السيدة الكبيرة التي تعيد رسم حياتها من جديد بعدما استدعت الأمل، فتتعلم قيادة السيارة كما تتعلم كيف تعيش حياةً كادت تُسلب منها إذا فقدت الحبيب ورفيق الرحلة. فيلم 'عشم'، هو عشم جديد في الوطن والحياة، وموضوع غير نمطي وتجربة تستحق المشاهدة والتوقف عندها كثيرًا.