ناقش "المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية" التحديات التي تواجه صناعة النشر في الوقت الراهن وسبل التغلب عليها، والدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات النقابية للناشرين المصريين والعرب لتجاوز مشكلات صناعة النشر مصريا وعربيا. وتطرق المركز - في حلقة نقاشية عقدها مساء اليوم الأحد تحت عنوان: "معركة بناء الوعي الوطني.. تحديات ومبادرات صناعة النشر المصرية"، برئاسة الدكتور خالد عكاشة مدير المركز، وبمشاركة عدد من المتخصصين - إلى الوضع القانوني لصناعة النشر المصرية وقدرتها على مواجهة القرصنة الفكرية، ومدى الحاجة إلى تغيير بعض القوانين بما يحفظ حقوق الناشرين والمؤلفين، وكذلك المشكلات العملية التي تواجه صناعة النشر في الوقت الراهن وسبل التغلب عليها، والدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات وكذلك أجهزة الدولة المختلفة لمساعدة صناعة النشر على الخروج من أزماتها. وأكد الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن تلك الندوة - التي تستضيف كبار صناعة النشر المصرية - تستهدف تبادل التقييم والأفكار والمبادرات حول صناعة النشر التي تعد من ركائز بناء الحضارة الإنسانية. وقال إن مصر لها السبق في وضع جذور الحضارة الإنسانية، ولذلك من الضروري أن تكون مهمة الجميع استعادة ذلك وتعزيزه ووضعه في صدارة الاهتمامات والأولويات، مشيرا إلى المتغيرات العديدة التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية وألقت بظلالها على صناعة النشر. وشدد الدكتور خالد عكاشة على ضرورة إلقاء نظرة معمقة من شأنها الوصول إلى صيغة ومبادرة وورقة متكاملة لتغذية صناع القرار والجهات المسؤولة لدعم صناعة النشر وتلبية طموحات بناء الدولة المصرية الحديثة، في ظل معركة بناء الوعي الوطني، لافتا إلى أن قطاع النشر يقدم الفكر وكل أدوات القوى الناعمة لتكون الدولة في صفوف الفائزين في تلك المعركة، مذكرا بأن مصر خاضت معارك سابقة في هذا الاتجاه وحققت فيها الانتصار. من جانبه، قال الدكتور حسن أبو طالب عضو الهيئة الاستشارية للمركز إن كل الأزمات دائمًا ما تولد فرصًا، وهذه الحلقة النقاشية تهدف إلى تسليط الضوء على هذه الفرص، مشيرا إلى أن قطاع النشر واجه الكثير من التحديات، وآخرها ما يتعلق بانتشار وباء كوفيد-19، مؤكدًا الحاجة إلى الحفاظ على المكانة المصرية في هذا القطاع، وأن يكون القطاع أداة لمواجهة كل ما يخص مصر والشعب المصري. بدوره، أوضح رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يولي أهمية كبيرة لإعادة بناء الإنسان المصري، لا سيما في ما يتعلق بالصحة والتعليم والثقافة. وشدد على أن النشر من أهم أدوات القوة الناعمة، معتبرا الكتاب المصري سفيرا فوق العادة لمصر لدى كل الدول، لذا من المفترض أن يحظى بالكثير من الرعاية، خاصة أنه جزء من روافد الثقافة للقارئ العربي بصفة عامة. وذكر سعيد عبده أن من يمثل مهنة النشر في مصر هو اتحاد الناشرين، وهذا أمر لم يكن مفعلا، ولكن تم تفعيله في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن "من أهم المشكلات التي نعاني منها في هذه الصناعة هو ضعف قانون الملكية الفكرية الحالية في مواجهة حالات التزوير التي أصبحت في صراع وجود مع دور النشر". وتحدث عن مشكلة الفضاء الإلكتروني الذي يتم بيع الكتب من خلاله ويصعب السيطرة عليه، منوها بالجهد الذي يحاول اتحاد الناشرين بذله من أجل حل مشكلة الملكية الفكرية في الوطن العربي. ونبه سعيد عبده إلى أن عدد المكتبات الموجودة في مصر لا يزيد على 400 مكتبة، وأن هناك أماكن محرومة من تلك المكتبات، مطالبًا بتخصيص عدد من المحال لتكون مكتبات، مذكرا بأن قديمًا كانت الأندية ومراكز الشباب ترحب باستضافة المكتبات لتقديم الثقافة مجانًا. من جهته، أكد محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب أن الاتحاد له دور مهم في صناعة النشر، قائلا: "تمت إعادة إحياء الناشرين العرب عام 1995، ونسير على هذه الخطى لمحاولة نقل التجارب لدى الدول الأجنبية من خلال المشاركة في معارض دولية ليحدث احتكاكًا بين الناشر العربي الناشر الأجنبي". وأوضح أن الاتحاد يحاول عقد ورش وندوات لتطوير هذه الصناعة، بجانب تعاون كبير مع اتحاد الناشرين الدولي في نقل الخبرات، فضلا عن الاهتمام الكبير في حماية الملكية الفكرية، مضيفا: "هناك لجنة بالاتحاد هي لجنة الملكية الفكرية، وهي لجنة لها صلاحيات واسعة، والشخص الذي يقوم بالاعتداء على الملكية الفكرية يتم منعه من المشاركة في أي معرض". وتابع محمد رشاد أن الاتحاد أسس علاقات جيدة مع مدراء المعارض للحصول على أفضل المميزات للناشرين، وأن هناك لجنة لمديري المعارض تجتمع كل عام للوصول إلى أفضل المميزات. واعتبر أن جائحة كورونا تزيد المشاكل الموجودة بالفعل مثل الأمية والاعتداء على الملكية الفكرية وزيادة الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أسعار وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وقلة المكتبات العامة. من ناحيته، قال رضا صالح مدير عام إدارة النشر والتوزيع بمؤسسة الأهرام سابقا إن التوزيع يعد هو القناة الواصلة بن المؤلف والقارئ الموجود في السوق المصرية، وهو يقوم بالدور اللوجستي الذي يوصل المطبوعة للقارئ في مصر وخارجها، كما أنه مرتبط بإمدادات قطاعات النشر ببحوث ودراسات السوق حول توجهات القارئ والتغيرات التي تحدث في سوق النشر والإضافات التي تفيد قطاع النشر في تحسين المنتج. وأشار إلى التغيرات التي تحدث سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فهو واقع جديد يتطلب معالجات غير تقليدية، منوها بأهمية إدراج التنمية الثقافية كأحد المكونات الأساسية للنشر. وأضاف رضا صالح أن التنمية الثقافية تعد جزءا أساسيا من الروافد لتنمية أي دولة، مشددا على أهمية استخدام تجارة الكتاب كمدخل لتحقيق عوائد اقتصادية، مؤكدا أن التوزيع والنشر صناعة في حد ذاتها من الممكن أن تحقق عوائد اقتصادية كبيرة إذا أحسن استخدامها. كما أكد الدكتور حسام لطفي المستشار القانوني لاتحاد الناشرين المصريين أن صناعة النشر صناعة مهمة وحيوية وقضية أمن قومي، مشددا على أن القانون الوطني المصري رقم 81 لسنة 2002 وضع ليحل محل كل القوانين الخاصة بالملكية الفكرية التي كانت موجودة، وهو مطابق لكل الاتفاقيات الدولية والشرعة الدولية. وأشار في الوقت نفسه إلى أنه يتم حتى الآن الخلط بين العقوبة الجنائية والتعويض المادي، فالقانون ينص على مضاعفة الغرامة بتعدد المصنفات المصادرة، ولكن القضاء لا يضاعف الغرامة، ويفرضها 5000 جنيه على المصنف بغض النظر عن عدد النسخ المصادرة. وأوضح الدكتور حسام لطفي أن التعديل الجديد على القانون برعاية اتحاد الناشرين المصريين استحدث عقوبة الحبس، وعقوبة رد مثلي ما عاد عليه من فائدة مثل عقوبة المخدرات، علاوة على الحق في المطالبة بتعويض لا سقف له يجبر ما تحقق من ضرر وما فات من خسارة وكسب. وأكدت نشوى الحوفي مديرة النشر الثقافي بدار نهضة مصر أن القراءة والتنمية الثقافية هما المفتاح لتغيير أي صفات سلبية لدى المجتمع سواء الفساد أو القبح أو التطرف أو الإرهاب، مشيرة إلى أن التفاصيل الإدارية صرفت الأنظار عن الاهتمام بالإنسان وجعل الثقافة جزءًا من سلوك الإنسان اليومي، فالآن لا يوجد أي برنامج إذاعي أو تلفزيوني يحث الناس على القراءة أو يناقش كتاب وأدباء فيما تم إصداره. وذكرت بأنه في الماضي كانت هناك برامج إذاعية وتلفزيونية تقدم للناس الثقافة والقراءة والكتب، لافتة إلى ضرورة الاهتمام بإنشاء مكتبات في الأماكن الحيوية والمناطق العمرانية الجديدة. وشددت نشوى الحوفي على أن هناك حاجة لأن تكون هناك منصة إلكترونية تُعرض عليها فيديوهات لكتاب وناشرين لعرض المنجزات الثقافية في مصر والدول العربية وتسهل وصول المواطنين للكتب والثقافة، فهناك حاجة إلى التأكيد للناس على أهمية القراءة والوعي وتنمية الفكر. من جانبه، تحدث المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مجموعة الشروق عن أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، لأنه من دونها لن يكون هناك استمرار في التأليف والكتابة، وهو ما شدد عليه الاتحاد الدولي للناشرين في مؤتمره الأول عام 1896، حيث أكد أن حقوق الملكية الفكرية ركيزة من ركائز النشر في العالم. ونوّه بأن الاتحاد الدولي للناشرين جعل مصطلح الناشر مصطلحًا عامًا يشمل كل أشكال نشر المحتوى بما فيها السينما والموسيقى، ومن هنا تبرز أهمية تعديل قانون اتحاد الناشرين المصريين لتعديل مفهوم الناشر وتحديثه بما يتواكب مع العصر الحديث. وأكد المهندس إبراهيم المعلم أن هناك مصطلحًا حديثًا في العالم الآن هو "الصناعات ذات المحتوى الفكري"، وهي الصناعات التي تشتمل على محتوى يخضع لحقوق الملكية الفكرية، وهو أهم نوع من الصناعات في الوقت الراهن عالميًا، لأنه هو الذي يقوم ببناء الإنسان ويعمل على تنميته، ضاربًا المثل بالسعي العالمي للتوصل إلى لقاح لفيروس كوفيد-19 والذي يؤكد أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية مثلما حدث مع العلماء الذين توصلوا إلى هذه اللقاحات، والذين ترتب على جهودهم العلمية أن قامت حكومات بشراء اللقاحات لتوزيعها على مواطنيها مع إعطائهم حقوقهم المادية والأدبية. ورأى أن من أهم أنواع الاستثمار هو الاستثمار في الإنسان، وأن افضل عنصر من عناصر التنمية هي التنمية البشرية التي تعتمد على عنصرين أساسيين هما الثقافة والصحة. وذكر المعلم أن منظمة اليونسكو أكدت أن الصناعات الإبداعية هي أكبر صناعات تحقق نموًا سنويًا بنسبة تتراوح بين 6 و8%، وأنها أكثر صناعات تؤثر في الإنسان وبنائه وتنميته، مشددًا على أن مصر لديها ميزة نسبية في السينما والموسيقى والمسرح والكتاب في كل العالم العربي، ويجب على الدولة والمجتمع أن تدرك أهمية صناعة النشر، لأنها أداة مهمة في بناء الوعي والثقافة وتحقق نفعًا ماديًا ومعنويًا للدولة. وفِي ختام الندوة، أكد الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الوعي جزء أساسي من حياة أي إنسان، ويتشكل بصورة مختلفة من مرحلة لأخرى، إلا أنه مع اختراع الطباعة تحول الوعي والكتابة إلى أمر تجاري، مشيرًا إلى أن الكتب انتهت ولكن الكتابة لم ولن تنتهي، فهناك طرق جديدة لعرض المحتوى. ونبه إلى أن الكثيرين انتقلوا إلى طريقة العرض الإلكترونية للكتب بدلًا عن اقتناء النسخ الورقية منها، مشددًا على أن مستقبل الكتابة يتمثل في هذه الكتب الإلكترونية، ولا مناص بالنسبة لمن يريدون الاستمرار في صناعة النشر من التركيز على الإصدارات الإلكترونية من الكتب. وأضاف الدكتور عبد المنعم سعيد أن مشكلة التزوير مشكلة قديمة وستستمر، ولكن فيما يخص النسخ الإلكترونية هناك عدة منصات تحمي المحتوى المعروض بها وتمنع تداوله أو تحميله وإنما تتيح قراءته فقط، وهي وسيلة جيدة تحارب التزوير وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، مشيرًا إلى أن الناشرين مثلما يهتمون بالكتب فإنهم مسؤولون أيضًا عن البحث عن المواهب، فمصر مليئة بالمواهب الذين يحتاجون إلى احتضانهم ونقلهم إلى طريق الاحتراف. و شدد على أن المنقذ الوحيد للوعي المصري هو أن يخرج هؤلاء الموهوبون في الكتابة ويصبحوا محترفين ويخرج إنتاجهم الفكري إلى المجتمع الذي يحتاج إلى الوعي وليس إلى القولبة.