لم يكن المشهد الذى انتشر كالنار فى الهشيم عن الطفل فى اعتداءه على رجل المرور سوى لحظة مهمة استوجبت الوقوف أمامها كثيرا. صحيح أن ثمة كتابات عدة سطرت، ومقالات حررت ولقاءات تليفزيونية تم اجراؤها بشأن تلك الواقعة التى نظر الكثيرون إليها على أنها تجاوز غير مقبول ليس فقط بحق من تعرض للاعتداء وإنما بحق المجتمع بأسره. كما انه من الصحيح أيضا أن البعض حمل الاسرة المسئولية الاولى والاخيرة فيما يتعلق بالسلوك المشين للطفل. إلا أنه من الصحيح كذلك أن اقتصار المسئولية على الاسرة بغض النظر عن مستواها الاجتماعى او المالى والثقافى، يعنى فهما مغلوطا او قاصرا لما يحدث فى المجتمع المصرى الذى يحتاج إلى مزيد من الدراسات والتحليلات للكشف عن التحولات والتغيرات التى جرت للمصريين كما سبق أن ادلى بعض المفكرين والباحثين بدلوهم فى هذا المجال محاولين رصد طبيعة التغير وحجمه ومستواه واتجاهاته. وبعيدا عن كافة التفاصيل التى تضمنتها تلك الدراسات رغم اهميتها، إلا اننا نود أن نسلط الضوء على ابرز الخلاصات التى انتهت إليها غالبية تلك الدراسات وهى تلك المتعلقة بتراجع دور الاسرة فى عملية التربية والتنشئة المجتمعية والفكرية والثقافية للطفل. بمعنى أكثر وضوحا لم تعد الاسرة التى تعد اللبنة الاولى فى بناء المجتمعات، صاحبة الدور الاكبر فى تنشئة الطفل وتعليمه وتربيته، وإنما زاحمها فى هذا الدور العديد من أدوات التنشئة وأبرزها الاعلام بمختلف صوره واشكاله وخاصة الاعلام الجديد المعروف اختصارا بالاعلام الاجتماعى الذى اكسب هؤلاء الاطفال ثقافة مختلفة عن تلك الثقافة التى تحاول كثير من الاسر غرسها فى نفوس أطفالها. مع الاخذ فى الحسبان أن دور الاعلام امتد ليؤثر على أدوار بقية ادوات التنشئة مثل المدرسة والنوادى ودور العبادة. وهو ما يحتاج إلى دراسات مستفيضة حول تأثيرات الاعلام على التنشئة الاسرية. وإلى حين اجراء مثل هذه الدراسات التى يجب الا تتوقف لحظة واحدة مسايرة للتطور المستمر فى شئون الحياة، إلى حين ذلك يجب ان تكون ثمة معالجات سريعة ودقيقة وفاعلة لحماية اطفالنا من الوقوع تحت تأثيرات تلك الوسائل الاعلامية التى تكسبهم مزيدا من الانحراف والخروج على ثقافة المجتمع وعدم احترام قيمه وعاداته، وهو ما يزداد خطورته إذا ما انحرف هذا الطفل تجاه جماعات العنف والتطرف والارهاب. نهاية القول إن ما حدث فيما يعرف اختصارا بمشكلة طفل المرور، يدق جرس انذار بشأن استمرارنا فى المسار ذاته فى معالجة قضايا الطفولة فى دولتنا، بل يجب ان يدرك القائمون على الامر والخبراء والمتخصصون فداحة الازمة وعمقها. وحسنا ما فعله المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بإقدامه على توقيع برنامج عمل مع منظمة اليونيسف حول دور الإعلام في مواجهة قضايا وتحديات مشاكل الطفولة، فهذه اولى الخطوات التى تستوجب استتبعها بخطوات أوسع مدى.