عقود ثلاثة مضت عاني خلالها الشعب اللبناني من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب تلك الطبقة الحاكمة التي أوصلت لبنان إلي الوضع المذري الذي هو عليه الآن ، وبسبب الفساد وبسبب الفقر الممتد عبر عقود وانعدام الأمل في التغيير انتفض الشعب اللبناني وخرج بكامل أطيافه في 20اكتوبر الماضي 2019 الماضي مطالبا بالتغيير ورافضا لكل الرموز والقيادات السياسية والحزبية، وسائرا علي الطائفية والمحاصصة وعلي العائلات التي توارثت حكم لبنان خلال العقود الأخيرة ، وأملا في قيادات وكفاءات شابة واعدة تنتشل لبنان من الوضع المأسوي التي تسببت فيه تلك الزمرة الحاكمة التي انتفخت جيوبها من ثروات ومقدرات وأموال الشعب اللبناني والتي تقدر بالمليارات . فوسط أزمة اقتصادية خانقة عاشها اللبنانيون خلال أكثر من عام ، فمن الأضرار الاقتصادية الناجمة بسبب انتشار فيروس كورونا إلي انفجار مرفأ بيروت في شهر أغسطس الماضي وما تبعه من انفجارات متلاحقة دون معرفة الأسباب ، ومن ثم استقالة حكومة حسان دياب الغير مسئولة عن خراب لبنان ، ووصولا إلي اعتذار السفير مصطفى أديب الذي كان قد عين لتشكيل الحكومة بعد فشله في الحصول على دعم كاف بسبب محاربته من جبهات متعددة تستأثر بالحكم ما أدى إلى اعتذاره ، ولكل تلك التداعيات والأوضاع الكارثية التي عصفت بلبنان أيقظ اللبنانيين من سباتهم وانتفضوا جميعاً يريدون رحيل جميع رموز الفساد في السلطة (كلن يعني كلن ) ومطالباتهم بمحاكمتهم واستعادة الأموال المنهوبة، فلم يعد يحتمل الشعب اللبناني البائس وجود تلك القيادات التي فضلت المصلحة الشخصية علي المصلحة الوطنية واحتكارها المناصب ،ولا بتحمل وجود تلك الرموز الفاسدة التي نهبت جيوبه وأهدرت المال العام واستولت علي أموال المودعين وأفلست الدولة ووضعت اللوم علي الآخرين، وترجع أزمة لبنان في مجملها إلي هذا النظام الطائفي القائم علي المحاصصة والعائلات ، وبسبب كثرة رؤسائه منذ اتفاق الطائف عام 1989، فلكل طائفة زعيم يدير شؤونها وعلاقاتها مع بقية الطوائف والدولة ككل عبر تحالفات سياسية وتفاهمات اقتصادية وأمنية تصب في مصلحتهم ومصلحة داعميهم في الداخل والخارج علي حساب الشعب ، وللأسف كان آخر ما يشغل بال تلك القيادات بالدولة هو السيطرة علي مفاصل الدولة من أجل مصالحهم الشخصية ومصالح أبنائهم وليبقي هرم السلطة كما هو ، فها هو الحريري المرفوض شعبيا يعود تدريجيا وللمرة الرابعة إلي رئاسة الحكومة اللبنانية بعد عام على الإطاحة به ، فبعد طول انتظار كلف الرئيس ميشيل عون سعد الحريري بتأليف حكومة إنقاذ لبنان ، ويأتي هذا التكليف بعد سنة على استقالته ولكنه يعود هذه المرة تحت غطاء دولي ودعم فرنسي وأميركي ليكون أمام اللبنانيين المنقذ الأول والأخير،وذلك بعد عرقلته لمساعي السفير مصطفى أديب لتأليف الحكومة ، ولا ندري لماذا يصرّ الحريري على منصب رئيس الحكومة ؟ ولا بكيف يظهر نفسه أمام السياسيين في لبنان وكأنه وحده هو صاحب الفضل في المبادرة الفرنسية ؟ والأكثر من ذلك ظهوره وكأنه يملك وحده ورقة الإنقاذ الدولية التي ستمكن لبنان من الحصول على المساعدات الضرورية من اجل إنقاذه، فكيف يسمح اللبنانيون للحريري وغيره من القيادات وسط المطالب الصارمة من المجتمع الدولي أن يصبح رئيساً لحكومة تضم حزب الله وتضم نفس رموز وقيادات من الأحزاب السياسية المسئولة عن خراب وانهيار لبنان خلال فترات حكمه التي عجزت خلالها حكومته من تأمين الخدمات الأساسية للشعب ؟ كيف للحريري الذي ساهم بانهيار وسقوط البلاد اقتصاديا وعلي مدي أعوام طويلة بسياساته الخاطئة أن ينقذ لبنان من محنته، كيف يرضي الشعب اللبناني الذي ينتظر بفارغ الصبر حكومة كفاءات وإنقاذ لانتشال البلاد من كبوتها للحريري بتشكيل الحكومة ،كيف يسمح اللبنانيون بعودة تلك القيادات السياسية لتحكم لبنان مرة أخري وتقوه الي الهاوية . لن يأتي التغيير الحقيقي إلا بتقدم الوطنية على الطائفية وبإنهاء حكم الطوائف والعائلات وبإنهاء نظام الزعماء في لبنان، فآمال التغيير في لبنان لن تحدث إلا بتمسك الحراك اللبناني بالتخلص من تلك الطبقة السياسية الحاكمة وبالعمل علي إجراء انتخابات نيابية مبكرة تتمكن من تغيير المعادلة ، وبالإتيان بنواب جدد ممثلين من الشعب فعلاً ويكون همهم الأول النهوض بدولتهم وليس بنهبها ، وبإعطاء الشعب اللبناني الثقة لحكومة اختصاصيين لتنتشل لبنان من محنته ، وتكون قادرة علي إعادة ثقة المجتمع الدولي إليه ، هذا المجتمع الذي يربط تقديم الدعم إلي لبنان شريطة تمكنه من تقديم إصلاحات اقتصادية وبنيوية فاعلة ، ولربما كان الشعب اللبناني وبما يملك من طاقات وكفاءات شابة قادر علي تحقيق ذلك .