علي الرغم من التصريحات الرسمية، وبعض الدراسات المائية التي ما تزال تؤكد أن مصر لن تتضرر من بناء إثيوبيا ل 'سد النهضة'، إلا أن الواقع العملي يحتم علي مصر أن تتحرك لمواجهة خطر محتمل جراء هذا الأمر، وإذا كان هناك ثمة احتمالين للتعامل سواء بالتحرك الدبلوماسي أو العمل العسكري، فإن هناك احتمال ثالث ربما يفرض نفسه بقوة قريبا، احتمال يسمي 'نهر الكونغو'. ومشروع نهر الكونغو هذا، فكرة طرحت قبل أكثر من 100 عام، وتحديدا عام 1902 عندما طرحها 'أباتا' كبير مهندسي الري المصريين في السودان الذي اقترح شق قناة تصل نهر الكونغو بأحد روافد النيل بالسودان للاستفادة من المياه التي تهدر منه حيث يلقي النهر ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلنطي حتي أن المياه العذبة تمتد إلي مسافة 30 كيلو مترا داخل المحيط بخلاف وجود شلالات قوية يمكن من خلالها توليد طاقة كهربائية تكفي القارة الإفريقية كلها. وبعد 78 عاما من طرح هذه الفكرة، عادت للظهور مجددا في نهاية عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أمر بعمل جولة ميدانية في الكونغو لتقديم تصور عن الطبيعة الجغرافية للنهر وبعد تقديم المشروع للسادات قامت الحكومة المصرية بإرساله إلي شركة آرثر دي ليتل '1' الشركة الأمريكية العالمية المتخصصة في تقديم الاستشارات الاستراتيجية لعمل التصور والتكلفة المتوقعة ثم ردت بالموافقة وأرسلت في التقرير حقائق مدهشة ورائعة لمصر. وبعد رحيل السادات، تم إغلاق الملف مجددا، ولم يفكر المخلوع مبارك، في أن يحقق أمنا مائيا لمصر خاصة مع تصاعد الأزمة بين البلدين علي خلفية محاولة اغتياله بأديس أبابا عام 1995. فكرة المشروع الدكتور عبد العال حسن، نائب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية، كان قد أعلن عن نجاح خبراء الهيئة في وضع 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية تسمح بزيادة إيراد نهر النيل عن طريق نقل فواقد المياه المهدرة من نهر الكونغو في المحيط الهادي إلي حوض نهر النيل، دون التعارض مع اتفاقيات الأنهار الدولية، لأن نهر الكونغو لا يخضع للاتفاقيات الدولية، حيث سيتم استخدام جزء من فاقد نهر الكونغو الذي يصل إلي 1000 مليار متر مكعب سنويا يلقي في المحيط الهادي، وذلك عن طريق إنشاء قناة حاملة بطول 600 كيلو متر لنقل المياه إلي حوض نهر النيل عبر جنوب السودان إلي شمالها ومنها إلي بحيرة ناصر. تقوم فكرة المشروع علي تماس حوضي نهر النيل ونهر الكونغو، حيث سيتم الاستعانة بكافة البيانات المتاحة من خلال البيانات التي رصدتها الأقمار الصناعية المرئية والرادارية والخرائط الطوبوغرافية والخرائط الجيولوجية والبيانات المناخية، لدراسة أنسب مسار لتوصيل المياه من نهر الكونغو إلي نهر النيل عبر خط تقسيم المياه وصولا إلي جنوبجوبا 'جنوب السودان'. تمت دراسة 3 سيناريوهات مقترحة لتحديد مسار المياه، طول الأول 424 كيلو متر وفرق منسوب المياه سيكون 1500 وهو ما يحل تنفيذه، والسيناريو الثاني علي مسافة 940 كيلو متر وارتفاع 400 متر، والثالث ينقل المياه علي مسافة 600 كيلو متر وفرق ارتفاع 200 متر، وهو السيناريو الأقرب إلي التنفيذ من خلال 4 محطات رفع للمياه متتالية. وكشف المقترح عن إمكانية توليد طاقة كهربائية تبلغ 300 تريليون وات في الساعة، وهي تكفي لإنارة قارة أفريقيا، لافتا إلي أن الكونغو تصنف علي أن لديها 1/6 من قدرات الطاقة الكهرومائية في العالم لتوليد المياه من المساقط المائية. وأوضح عبد العال أن العوائد الاقتصادية الأولية للمشروع تتمثل في توفير المياه المهدرة من نهر الكونغو إلي مصر عبر جنوب وشمال السودان، واستخدامها في خطط التنمية لخدمة الدول الثلاثة، فضلا عن توفير الطاقة الكهربائية التي تحتاجها الكونغو ومصر ودول البحيرات الاستوائية وغرب أفريقيا. وأوضح عبد العال أن تنفيذ المشروع سوف يتضمن إنشاء شبكة طرق والمسارات التي يمكن من خلالها ربط الإسكندرية بكيب تاون لربط شعوب القارة الأفريقية من أقصي شمالها إلي أقصي جنوبها من خلال خط سكك حديدية. وقال: 'إن تنفيذ المشروع سيتم علي عدة مراحل حسب توافر ظروف التمويل تنفيذا للهدف الأساسي، وهو وضع قدم مصر وتثبيتها في عمقها الاستراتيجي'، لافتا إلي أن المدي الزمني لتنفيذ المشروع في حالة تنفيذ السيناريو الثالث يستغرق 24 شهرا بتكلفة 8 مليارات جنيه، وهي تكلفة محطات الرفع الأربعة لنقل المياه من حوض نهر الكونغو إلي حوض نهر النيل، بالإضافة إلي أعمال البنية الأساسية المطلوبة لنقل المياه. البيروقراطية وكان الدكتور حسين العطفي، وزير الموارد المائية والري الأسبق، قد أبدي حين توليه مهام الوزارة تحفظه علي المشروع، موضحا أن هذا الرفض يتفق مع القواعد والقوانين الدولية المنظمة للأنهار المشتركة، وذلك تفاديا لحدوث نزاعات بين الدول المتشاطئة وهي الدول المتشاركة في النهر. هذه التصريحات الحكومية، رد عليها المهندس إبراهيم الفيومي، رئيس شركة ساركو - التي نجحت في توقيع بروتوكولات التعاون مع حكومة كينشاسا في عدد من مشروعات التنمية، حيث نفي أن يكون القانون الدولي عائقا لتنفيذ المشروع، مؤكدا أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأنهار لم تتضمن الأنهار الوطنية ومنها نهر الكونغو، والذي لا يشارك فيه الكونغو أي دولة أخري، لأنه ينبع منها ويصب في المحيط. طاقة تكفي إفريقيا! كما اعتبر الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعية أن هذه الفكرة ما زالت صالحة للتطبيق حتي بعد إنشاء بحيرة ناصر، إلا أن هناك عقبات حقيقية تقف دون تنفيذها منها أن الكونغو بها أكبر ثاني منطقة غابات استوائية في العالم بعد غابات الأمازون، حيث تبلغ مساحة الغابات في الكونغو 215 مليون فدان وهي منطقة شديدة الوعورة والفكرة تحتاج لدراسة اقتصادية مستفيضة. وأضاف أن المشروع يوفر لمصر 95 مليار متر مكعب من المياه سنويا توفر زراعة 80 مليون فدان تزداد بالتدرج بعد 10 سنوات إلي 112 مليار متر مكعب مما يصل بمصر لزراعة نصف مساحة الصحراء الغربية، بالإضافة إلي أن المشروع يوفر لمصر والسودان والكونغو طاقة كهربائية تكفي أكثر من ثلثي قارة أفريقيا بمقدار 18000 ميجاوات أي عشرة أضعاف ما يولده السد العالي، أي ما قيمته إذا صدر لدول افريقيا حوالي 3.2 ترليون دولار.