لاشك أن للكلمة مسئولية جسيمة على الفرد والمجتمع والسلام الإجتماعى والإنساني فهي تبني أحيانا وتهدم أحيانا أخرى.. ومن الكلمة السيئة تأتي الشائعة التي قد تهلك مجتمعا بأسرة مالم يكن لها فكرا يتصدي لها ومجتمعا واعيا يلفظها وبناء اجتماعي متماسك يعلى شأن الأخلاق والسلوك القويم بين أبنائه.. حول هذا الأمر يحدثنا فضيلة الدكتور نزيه عبد المقصود عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا في حوار ل "الأسبوع". قال فضيلته...أنعم المولى سبحانه وتعالى علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ، ومن أعظم هذه النعم نعمة اللسان ، قال تعالى " ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين " ، وجعل الله تعالى اللسان أداة الكلام ، وكمله بنعمة البيان التى يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات ، فقال تعالى " الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " . وإذا كان اللسان هو أداة الكلام ، فإن الشريعة الإسلامية الغراء قد اهتمت بالكلمة التى تصدر عن اللسان لما لهذه الكلمة من أهمية وأثر عظيم ، فبكلمة تسعد الأمة ، وبكلمة تشقى الأمة ، وبكلمة تصان الأعراض والدماء ، وبكلمة تهدر وتراق الدماء . ولخطورة الكلمة التى تصدر عن اللسان جاء الأمر من الله تعالى بضرورة حفظ اللسان ، والتأكيد على أن كل كلمة سنحاسب عليها ، فقال تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " وأكد لنا النبى صلى الله عليه وسلم على أن اللسان يكون سببا فى دخول صاحبه الجنة ، أو دخوله النار ، ففى حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قال : قلت بلى يارسول الله ، فأخذ بلسانه وقال " أكفف كليك هذا " فقلت : يارسول الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال " ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس فى النار على وجوههم، أو قال : على مناخيرهم ، إلا حصائد ألسنتهم " . وعن أبى هريرة رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم ". ** وماالدليل على أن الكلمة أمانة ومن دلائل الإيمان!! * يقول د. نزية:أكد لنا النبى صلى الله عليه وسلم على أن من الإيمان ألا نتكلم إلا بالكلمة الطيبة التى تعود علينا وعلى المجتمع بالخير ، فقال صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " ولأن الكلمة أمانة فقد أمرنا المولى سبحانه وتعالى ألا نتكلم إلا بالكلمة الطيبة ، التى تبنى لا تهدم ، التى تصلح لا تفسد ، فقال تعالى " وقولوا للناس حسنا " ، وقال تعالى " قل لعبادى يقولوا التى هى أحسن " ، وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ".. لذا فإن الكلمة أمانة ومسئولة ، لأنها تجمع شمل الأمة ، وتقوى عزيمتها ، وتحول العدو إلى صديق ، وتقلب الضغائن إلى محبة ، وتمنع كيد الشيطان ، وهذا ما أخبرنا به المولى سبحانه وتعالى فى قوله " ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم " ، ويقول صلى الله عليه وسلم " والكلمة الطيبة صدقة " ** وماهي الكلمة الطيبة التي يأمرنا بها الدين الحنيف؟! * الكلمة الطيبة التى يأمرنا بها ديننا الإسلامى الحنيف ، لها أثر طيب فى حسن العلاقة بين المسلم وغيره ، فقد أمرنا المولى سبحانه وتعالى بالقول اللين مع الكافة حتى مع غير المسلمين ، فقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام " اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " . ** ولماذا حذرنا ديننا من خطورة الشائعات على الفرد والمجتمع؟! * لأن الكلمة أمانة ومسئولة فإن الشريعة الإسلامية الغراء تحذر من نشر الشائعات ، وتبين خطورتها على الفرد والمجتمع ، وضرورة التصدى لها ، فنشر الشائعات وترويجها من سلوك المنافقين للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم الخبيثة بزعزعة الأمن والاستقرار الذى تنعم به البلاد ، وبث روح الإحباط واليأس فى نفوس المواطنين ، والشائعات إحدى الحروب الخبيثة التى لم يسلم منها حتى النبى صلى الله عليه وسلم ، فقد حارب المشركون النبى صلى الله عليه وسلم بترويج الشائعات للنيل من دعوته صلى الله عليه وسلم وتشويه صورته فأشاعوا كذبا وزورا أنه ساحر ، وادعوا بهتانا أنه شاعر ومجنون . ** وكيف وضع الإسلام منهج الوقاية من الشائعات؟ * ولخطورة الشائعات على الفرد والمجتمع وضع الإسلام المنهج القويم لوقاية المجتمع من الشائعات ، وتمثل هذا المنهج فيما يلى : أولا : وجوب التثبت من الأخبار والتأنى فى الحكم عليها ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ، وقال صلى الله عليه وسلم " التأنى من الله والعجلة من الشيطان " ثانيا : عدم ترديد الشائعات ، فإن فى ترديدها مساهمة فى نشرها . ثالثا : ضرورة تماسك أفراد المجتمع وتقديم حسن الظن عند الاستماع لتلك الشائعات، لأن سوء الظن وتصديق الشائعات وعدم التثبت والتروى يؤدى إلى نشر الخصومة بين الناس واضطراب أحوالهم ، وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من سوء الظن ، فقال صلى الله عليه وسلم " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولاتحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغصوا ، وكونوا عباد الله إخوانا " ** وماهي أهم النصائح التي تقدمها فضيلتكم للإنسان في حياته؟ * لا بد أن يدرك المسلم خطورة الكلمة وأنها أمانة ومسئولة ، وأنه يتعين عليه ألا تصدر عن لسانه إلا الكلمة الطيبة ، فما أحوجنا إلى هذه الكلمة الطيبة التى تبنى لا تخرب ، و التى تعمر لا تدمر ، و التى تقرب لا تفرق ، و التى تكون سببا فى تقوية أواصر المحبة والمودة بين أفراد المجتمع ، والصلح بين الأنام ، وإزالة الخلافات والمشاحنات بين أفراد المجتمع. على كل إنسان غيور على دينه، غيور على وطنه ، محبا لوطنه، أن يصدى لكافة الشائعات وأن يتأنى ويتروى عند سماعها ، وأن يسعى لهدمها والقضاء عليها حتى ننعم بنعمة الأمن والأمان والسكينة والطمأنينة والاستقرار .