يعتبر اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه فإنه مع صغير حجمه فله أثر عظيم فى الطاعة إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان فإن أطلقه الإنسان فى الخير غنم وإن أطلقه فى الشر غرم لقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» وقوله عز وجل «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» وقوله «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله «من أعان على قتل أمرئ مسلم ولو بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله ولا سيما إذا كان فى شهر الصيام. فى البداية يوضح الشيخ إسلام النواوى من علماء وزارة الأوقاف أن اللسان هو الوسيلة التى يستطيع بها الإنسان أن يعبر عما بنفسه وكان النبى صلى الله عليه وسلم حريصا علي أن يضبط أدوات التعبير التى يعبر بها الإنسان، فكان واضحا عندما نصح الصحابى الجليل معاذ بن جبل، حيث قال له «أمسك عليك هذا وأشار إلى لسانه» وكانت دهشة سيدنا معاذ عندما سأل النبى صلى الله عليه وسلم، وهل نؤاخذ بما نتكلم به فكان الجواب من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، ثم ينتقل بنا النبى صلى الله عليه وسلم نقلة أخرى ليؤكد أن نطق اللسان قد يكون سببا فى النعيم أو الشقاء لقولة صلوات الله عليه «إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِى لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِى لَهَا بَالًا يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ». وأضاف أن بعض الناس لا ينتبهون إلى حصائد ألسنتهم، خاصة إذا كان صاحب الكلمة مسئولا ويتوقف على كلمته مصائر الناس أو كاتبا سيتوقف على كلمته توجيه الناس أو عالما سيتوقف على كلمته حلال أو حرام، وحرص القرآن الكريم على حفظ اللسان وصيانته عما يذبذب أذهان الناس فى معرض الجدال العلمي والعقائدي والثقافى الذى ليس فى متناول كل الناس لتوجيه، فكان التوجيه القرآنى فى قوله تعالى «أن تقوموا لله مثني وفرادى» أن تشاع مثل هذه القضايا على عامة الناس حتى لا يفتنوا وقس على ذلك الشائعات التى أصبحت واقع الألسنة فى هذه الأيام. ويعتقد الشيخ النواوى أن هناك الكثير فروا بألسنتهم من الواقع ليعيشوا بعيدا عن الشائعات إما مؤسسين أو مروجين وتناسوا قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَ» ليبقى طوق النجاة هى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم «أمسك عليك لسانك». ويضيف أن الشريعة الإسلامية اهتمت بحفظ اللسان عن الأمور التي تؤدى إلي انشغاله عن ذكر الله فى كل الأوقات خاصة فى رمضان وأكدت أن استقامته سبيل لفوز صاحبه فى الدنيا والآخرة لقوله صلى الله عليه وسلم «إِذَا أَصْبح ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعضاء إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» وعنْ مُعاذ قَالَ: قُلْتُ يَا رسُول اللَّهِ أخْبِرْنى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنى الجَنَّة، ويُبَاعِدُنى عن النَّارِ؟ قَال: «لَقدْ سَأَلْتَ عنْ عَظِيمٍ، وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلى منْ يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالى علَيهِ: تَعْبُد اللَّه لاَ تُشْركُ بِهِ شَيْئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتى الزَّكَاةَ، وتصُومُ رمضَانَ وتَحُجُّ البَيْتَ إن استطعت إِلَيْهِ سَبِيْلًا»، ثُمَّ قَال: «ألاَ أدُلُّك عَلى أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، والصَّدَقةٌ تطفئ الخَطِيئة كما يطفئ المَاءُ النَّار، وصلاةُ الرَّجُلِ منْ جوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلا: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» ثُمَّ قَالَ: ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأمْرِ، وعمودِهِ، وذِرْوةِ سَنامِهِ قُلتُ: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رأْسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وعَمُودُهُ الصَّلاةُ. وذروةُ سنامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: ألاَ أُخْبِرُكَ بمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلى يَا رسُولَ اللَّهِ. فَأَخذَ بِلِسَانِهِ قالَ: كُفَّ علَيْكَ هَذَا. قُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ وإنَّا لمُؤَاخَذون بمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فقَال: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ، وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِم إلاَّ حصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟. ويوضح الشيخ محمد عيد من علماء الأوقاف أن الإسلام حرص على أن الابتعاد بالناس عن الشهوات الحيوانية والأخلاق الشيطانية فالنفس بطبيعتها كثيرة التقلب والتلون لتؤثرها بالأهواء والأدواء علاوة على أنها أمارة بالسوء تسير بصاحبها إلى الشر فإن لم تُستوقف عند حدها وتلجم بلجام التقوى والخوف من الله دعت صاحبها لكل شر لقوله تعالى «لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ولذلك حضت الشريعة الإسلامية على التخلق بالصفات الحسنة، ومنها حفظ للسان والصدق لحديث النبى صلى الله عليه وسلم قال «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة فى طعمه». وقال إن الشريعة حذرت من الكذب وكثرة الكلام بدون فائدة خاصة إذا كان فى أعراض الناس لما ورد أن َ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبةُ؟ قَالُوا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكرُكَ أَخَاكَ بِما يكْرَهُ. قِيل: أَفرأيْتَ إنْ كَانَ فى أخِى مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كانَ فِيهِ مَا تقُولُ فَقَدِ اغْتَبْته، وإنْ لَمْ يكُن فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بهتَّهُ. وأضاف أنة نظرا لخطورته وتحوله لسلاح فتاك فبكلمة تمزق المجتمعات وبها يدخل الإنسان فى الإسلام وبكلمة يخرج منه وبكلمة يتزوج وبكلمة أيضا يطلق وبكلمة تقام الحروب وبكلمة أيضا يعم السلام ولخطورة اللسان أوصى الاسلام بضرورة التزام الصمت والمحافظة على ذكر الله كثيرا والابتعاد عن الجدال والثرثرة فبكلمة قد ينال العبد رضا الله وبكلمة يخلد فى النار فأبو لهب عم النبى صلى الله عليه وسلم لم يرتكب جرما غير كلمة قالها فسخط الله عليه بها وهذا المعنى أكدت عليه السنة النبوية فى أحاديث بلغت حد الكثرة كما فى الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة - مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِى لها بالاً يرفعه الله بها فى الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة - من سَخَط الله - لا يُلْقِى لها بالاً، يهوى بها فى جهنم». وقد تكفل الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة لمن كفل له حفظ ما بين لحييه ورجليه لحديث سهل بن سعد عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «من يضمن لى ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» ومن حرص الإسلام على حفظ اللسان أمر بالتعوذ من شره لما ورد أن رجلا قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! علمنى تعوَّذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بكفى فقال: «قل: اللهم إنى أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيى». وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقى لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - لا يلقى لها بالاً، يهوى بها فى جهنم»، فجعل حفظ اللسان دليلا على الايمان فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» وعن أبى موس (رضى الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله ! أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» والمؤمن كالنحلة لا تدخل إلى بطنها إلى الطيب من الغذاء، ولا تخرج إلا طيباً فعن أبى زيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً» وليكن لنا فى ابو بكر الصديق أسوة وقدوة فى محاسبة نفسه وكف لسانه عما لا ينبغى فخليفة رسول الله وأول مصدق به رضى الله عنه - كان يضع حصاة فى فيه ليمنع بها نفسه عن الكلام وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذى أوردنى الموارد.