موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 5 يونيو 2025    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقصف بكثافة خيام نازحين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة    جماهير الأهلي تطالب بمحاسبة هاني شكري.. وتحرك قانوني عاجل    «وكمان تيشيرت أحمر».. مدرب الزمالك السابق يتحسر على انتقال زيزو إلى الأهلي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    أكثر من مليون ونصف حاج.. بدء تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث سير ببني سويف    لقطات جديدة من حفل زفاف محمد شاهين والمنتجة رشا الظنحاني، ومفاجأة من العروس (فيديو)    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    ما هى أوقات استجابة الدعاء في يوم عرفه 2025 وأفضل الأعمال المستحبة؟.. الإفتاء توضح    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    أوكرانيا تعتمد على زيادة إنتاج الأسلحة في الخارج    «الطقس× العيد».. حار إلى شديد الحرارة وتحذير من الشبورة والرياح واضطراب الملاحة (نصائح الأرصاد)    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم الخميس.. والعظمى بالقاهرة 35    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    البيت الأبيض يرد على انتقادات ماسك لقانون الموازنة: العلاقات متناغمة وترامب ملتزم بدعم القانون    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    9 ذو الحجة.. ماذا يفعل الحجيج في يوم عرفة؟    سعر السمك والجمبري والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو 2025    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    أغانى الحج.. رحلة من الشوق والإيمان إلى البيت الحرام    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: أخيرا بهجت عملها (صور)    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    مطار العاصمة الإدارية يستقبل أولى الرحلات القادمة من سلوفاكيا على متنها 152 راكبا (صور)    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    محافظ الدقهلية يتابع عمليات نظافة الحدائق والميادين استعدادا للعيد    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    وزيرة البيئة تنفي بيع المحميات الطبيعية: نتجه للاستثمار فيها    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    دعاء من القلب بصوت الدكتور علي جمعة على قناة الناس.. فيديو    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عزون شرق قلقيلية بالضفة الغربية    الأمم المتحدة تدعو إلى التوصل لمعاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية    «مدبولي» يوجه الحكومة بالجاهزية لتلافي أي أزمات خلال عيد الأضحى    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    «الأوقاف» تعلن موضوع خطبة عيد الأضحى    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مصادر مطلعة: حماس توافق على مقترح «ويتكوف» مع 4 تعديلات    مصر تطلع المبعوث الصيني للشرق الأوسط على جهود وقف النار في غزة    نور الشربيني تتأهل لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش وهزيمة 6 مصريين    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي حافة انفجار إقليمي كبير.. !!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 07 - 05 - 2013

أكتب إليك أيها المحارب القديم و الصديق العزيز، بعد أن عاودت زيارتي في الهزيع الأخير من الليل علي غير موعد، وفي لحظات أقرب إلي الحلم من الحقيقة، فقد تركت بعضا من أنفاسك الدافئة تتجول في فضاء الغرفة، وبعضا من كلماتك تحوم كالفراشات الملونة حولها، ولكن بعضا من أسئلتك ظلت كالطيور المفترسة تشق الفضاء من حولي، بينما تهمّ مناقيرها بأن تأكل من رأسي، وقد كان لزاما عليّ أن أفتح الشبابيك وأن أتوسل بنور الصباح لكي تغادرني، ولكن الكتابة بدت لي في النهاية هي الشباك الوحيد، الذي يمكن أن تخرج منه هذه الطيور الجارحة إلي الفضاء المفتوح.
لقد أبديت دهشة مضاعفة من أن كثيرا من الأفكار التي تقنعت كذبا باسم الإسلام، والتي بدت قادرة علي الاستحواذ علي عقول الناس، وبدت قابلة للبقاء طويلا علي قيد الحياة، قد أدركها كثير من الأفول والذبول سريعا، وكأنها ليست سوي نباتات بغير جذور، أو كأنها ثمار معطوبة نمت في غير مكانها وغير زمانها.
والحقيقة في ذلك – أولا – أنه ليست هناك أفكار معلقة في الفراغ، فالأفكار في النهاية هي تعبير عن قوي سياسية واجتماعية في إطار بيئة معينة ولحظة تاريخية محددة، والحقيقة في ذلك – ثانيا – أن الأفكار لا تستمد قوتها من طاقاتها الداخلية، التي تحدد مدي تأثيرها وإشعاعها، أو من درجة صحتها وسلامتها، ولكنها تستمد قوتها ودرجة تأثيرها، إلي جانب ذلك، من طبيعة وحجم القوي الاجتماعية التي تعبر عنها، والحقيقة في ذلك – ثالثا – أن الأفكار لا تستمد قوتها في مرحلة معينة من طاقتها الداخلية، ومن سلامتها وصحتها ومن القوي التي تعبر عنها فحسب، وإنما تستمدها بالأساس من فشل الأفكار الأخري السابقة عليها في حيز التطبيق العملي.
ولذلك عندما يكون منتوج امتحان صحة وسلامة هذه الأفكار البديلة، في حيز التطبيق العملي وهو حصاد فشل سياسي أكبر وأنهار اقتصاد أقوي وتوتر اجتماعي أشد، وعندما ينكشف حجم وطبيعة وعلاقات القوي التي تعبر عنها هذه الأفكار فإن أفولها وذبولها المتسارع، لا يخرج عن قوانين الطبيعة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الإنسانية.
لقد كان سؤالك الأول يحرضني للبحث عن صلة بين ما قالته السفيرة الأمريكية في القاهرة، وما نفاه بعدها كالعادة متحدث باسم السفارة، حول أن 'عودة الجيش المصري إلي الحكم ستكون كارثة غير مقبولة لواشنطن وحلفاء مصر الآخرين' وبين تلك المحاولة السفيهة للتقيؤ علي رأس الجيش المصري، ينعت أداء قائده العام الفريق السيسي في كلماته الواثقة لطمأنة الناس، بأنه 'أداء ممثل عاطفي' والحقيقة عندي أن الصلة بين الحالتين والتعليقين، لا تحتاج إلي تنقيب أو بحث، فكلاهما يلتقي في دائرة واحدة هي دائرة مأزومة، أو علي نحو أدق دائرة أزمة، وهي أزمة مركبة لعدة أسباب:
الأول: أن الاستراتيجية الأمريكية قد استخدمت كل أسلحتها ومدفعياتها الثقيلة، لتغيير البيئة الداخلية المصرية وتأليبها علي ذاتها، وإحداث انقلاب جذري في أوضاعها، ولكنها تري وحلفاؤها في حيز الرؤية المباشرة أن عناصر هذه البيئة الأساسية أكثر تماسكا مما كانت تنطق به الظنون والأوهام، وأكثر صلابة مما تحركت به الفتن والمؤامرات.
الثاني: أن الشعب المصري الذي كان هناك كثير من حسن الظن الآثم، باستسلامه وتطويعه تحت غطاء زائف من الدين، قد برهنت أغلبيته علي كل أسلحة وأدوات تكنولوجيا صناعة الوهم، لم تنطل عليه، لأن إسلامه ليس إيمانا أعمي ولكنه مبصر وحاد البصر، وهو ما أعانه علي أن يفصل بين الدين كبضاعة للتجارة الدنيوية، وبين الدين كمكون حضاري في عمق وجدانه وتاريخه، وكضمير ذاتي داخلي حيّ يشكل جسرا مفتوحا بين الأرض والسماء وبين الدنيا والآخرة.
الثالث: إن الجيش المصري قد خرج من معركة تكسير العظام أقوي بنية وأوضح برهانا، وأصفي رؤية، فقد وضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وباءت بالفشل كل مخططات ومحاولات خلق حالة صدام أو مواجهة بين الشعب والجيش، أو تكريس حالة انفصام بينهما، أو تجريف الروح المعنوية للشعب تجاه قواته المسلحة، فالحقيقة الساطعة تؤكد أن أمواج التأييد الشعبي للجيش، هي أكثر الأمواج قوة وعنفوانا واندفاعا وعلوا، وأن منسوبها الذي ازداد ارتفاعه، هو الذي يتيح لسفينة الوطن، أن تظل طافية رغم مساحات الجدب والتصحّر، ومن المؤكد أن هذا المنسوب العالي من التأييد الشعبي للجيش، هو الذي خلق حالة معنوية عامة جديدة، انعكست في صفوف الجيش ذاته، إرادة وجهدا وبذلا، كما انعكست علي الشعب بدوره ثقة ووعدا وأملا، وحول هذه الدائرة تحديدا يتبدي قدر كبير من الفزع والقلق والتوتر، في دوائر الاستراتيجية المضادة وفي سلوك أدواتها المحلية.
الرابع: أن هناك إلي جانب ما سبق، جوانب ذاتية بحتة في كلا المصدرين تعزز الصلة بينهما، فصاحبة التصريح الأول لديها شعور عميق بالفشل والإخفاق، فقد ابتنت بيتا يتداعي، ونفذت استراتيجية تتهاوي، بينما تبدو الخيارات البديلة لترميم البيت أو استنقاذ الاستراتيجية، ليست حاضرة في الواقع، أما صاحب الوصف الثاني، فقد زيّن لنفسه كما زين له آخرون في مرحلة سابقة، أنه قادر علي أن يطوي السلطة تحت أقدام جواده الجامح، لكنه رأي نفسه في الصورة الأخيرة جالسا فوق جواد من خشب.
ولذلك كله، فإن الصلة بين القولين والحالتين ليست صلة في المظهر، وإنما في الجوهر، باعتبار كل منهما تعبيرا مأزوما عن أزمة، ولعلك في الإطار ذاته، تستطيع أن تسكّن كثيرا من تلك الأصوات، التي حاولت أن تبدو زئيرا عاليا لملوك في الغابة، وهي تتوعد الجيش بالقتل والذبح أحيانا، وبجيوش الاحتلال الصديقة أحيانا، إذا هم بالزحف لمساندة الشعب، وكأن أصواتها هي التي يمكن أن تشكل أسوارا عالية، يستحيل القفز من فوقها، مع أنها مجرد أكوام من الرمل ستذروها الرياح، إذا قامت العاصفة!
وكان سؤالك الثاني عن ذلك البيان المطوّل، الذي سبق أن نطق به السيد 'كيري' أمام الكونجرس حول مصر، وعلي وجه التحديد فقرتين محددتين منه، الأولي قوله: 'لقد خدعنا الإخوان خلال الفترات الماضية، وأوهمونا أنهم يمتلكون الكوادر والكفاءة التي تؤهلهم لقيادة مصر، لكنهم في الحقيقة لا يمتلكون هذه الكوادر علي الإطلاق' والثانية، حديثه عن 'دور محوري للجيش المصري في السيطرة علي المشهد المتصاعد في الشارع المصري، لحظة نزوله للميادين من جديد، خاصة أن الجيش يجب أن يقف حائلا دون نشوب حرب أهلية في البلاد'.
أما بالنسبة للفقرة الأولي، فاسمح لي أن ألخص إجابتي فيما يلي:
أولا: لست ممن يعتقدون أن الولايات المتحدة، قد شربت كأس الخديعة من يد الإخوان المسلمين، فذلك إذا كان يعكس قدرة الإخوان الفذة علي الخديعة، فإنها لا تعكس بأي حال من الأحوال قدرة الأجهزة الأمريكية علي الاستقصاء والتدقيق والتحقق، وإذا ما تجاوزنا عن الأجهزة الأمريكية الحكومية، التي تدخل في نطاق وزارات الأمن القومي، فإن الشركات الأمريكية الخاصة التي تدخل في نطاق عمليات التجسس والمتابعة والتحليل، والتي تعمل كسلطة استخبارات، قطاع خاص يمولها المال العام الأمريكي، وتمارس عملها عبر قارات العالم يبلغ تعدادها 2163 شركة، تتعامل معها 1271جهة حكومية أمريكية، من بينها وزارة الأمن القومي والدفاع والخارجية، من بينها ما يتجاوز 1900 شركة خاصة تتعامل فقط مع ملفات الإرهاب، أي أنها وثيقة الصلة بكافة الأوضاع والمتغيرات في مصر وفي الإقليم، ولذلك فإن توصيف ما انتهت إليه استراتيجية الولايات المتحدة في مصر، من أنه دخل إليها من باب خديعة الإخوان، هو تغطية علي باب سوء التقدير والحساب، الذي مثل قاعدة لهذه الاستراتيجية.
ثانيا: إن سوء تقدير الموقف وحساباته، في إطار هذه الاستراتيجية الأمريكية، التي ساعدت دون شك في تمكين الإخوان من السلطة، ينطوي علي بعد أكثر عمقا من تعبير كأس الخديعة، والتي يقول السيد 'كيري' إن أمريكا تناولته وشربته من يد الإخوان، وهو يتعلق تحديدا بغياب قدرة الأجهزة الأمريكية علي استقراء بنية الطبقات التحتية غير المنظورة في مكونات البيئة الوطنية المصرية، بما في ذلك، وضع ومكانة المؤسسة العسكرية المصرية في نسيج هذه البيئة.
إن الأمريكيين قادرون علي نزح جبال من المعلومات، التي تمس السطوح الملساء في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وفي الأشخاص أيضا، لكنهم برهنوا دائما علي اضمحلال قدرتهم علي تجاوز هذه السطوح، وعلي بناء تقديرات موقف، أكثر اعتمادا علي المكونات الأكثر ثباتا في البيئة التاريخية الوطنية، وأكثر إحاطة بصيغ ومعادلات حسابات الاحتمالات في ضوء التفاعلات المعقدة في هذا الحيز، ولهذا فقد وقعوا في خداع نظر ليس تجاه قدرات الإخوان، وإنما تجاه قدرات الشعب المصري.
ثالثا: لقد قدم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني تقريرا استبق زيارة السيد 'هاجل' وزير الدفاع الأمريكي إلي القاهرة، داعيا الوزير إلي الضغط علي الجيش المصري من أجل تبادل أكثر صراحة للآراء، في ضوء جدول أعمال مقترح، للقضايا التي يراها أكثر حيوية لمصالح الولايات المتحدة، وبعيدا عن الإشارات التي حملها متن التقرير عن توقف استمرار التدهور في مصر خلال الشهور المقبلة، وعن غياب أي تغيير محتمل في نهج د.مرسي، وعن حدوث مزيد من الاستياء الشعبي، إلا أن ما يعنينا تأكيدًا علي ما سبق، هو تأكيد التقرير علي أن 'واشنطن لم يكن لديها علم كبير بكيفية استجابة الجيش المصري خلال ثورة 25 يناير، ورفضه إطلاق النار علي المتظاهرين' لماذا؟ يضيف التقرير 'لأنه منذ 1979 لم تكن واشنطن برغم المساعدات السنوية التي قدمتها، تعرف الكثير عن آراء المستوي المتوسط من صفوف الضباط، وهو ما يجعل الجيش المصري مختلفًا عن جيوش أخري تتلقي مساعدات من واشنطن'، وما هو المطلوب إذن 'من المهم بشكل متزايد لواشنطن أن يكون لديها فهم لضباط الجيش، لاسيما في ضوء زيادة المطالبة الشعبية بانقلاب عسكري ضد حكم مرسي'.
والشاهد أن الجيش بالنسبة لهم مازال يكتنفه الغموض، فهل يمكن أن يكون لديهم فهم أو رؤية أقل غموضًا للشعب المصري؟!.
أما الجزء الثاني من بيان السيد 'كيري' أمام الكونجرس، والذي يتعلق بالحديث عن دور محوري للجيش المصري في المشهد المتصاعد في الشارع المصري، وضرورة وقوفه حائلاً دون نشوب حرب أهلية، فإنني أستأذنك في أن ألخص إجابتي فيما يلي:
أولاً: أنني لا أري تناقضا حقيقيا بين بيان السيد 'كيري' عن دور محوري للجيش، وعن حديث السيدة السفيرة عن الكارثة التي تمثلها لواشنطن عودة الجيش إلي الحكم، فليس المطلوب أمريكيًا من الجيش أن يكون أداة تغيير ثوري، في ظل أوضاع تزداد تصدعًا وانهيارًا وبؤسًا، وإنما مطلوب منه أن يكون أداة مؤقتة لضبط هذه الأوضاع، إذا ما وصلت تداعياتها إلي حالة الانهيار الشامل، التي يمكن أن تغرق مصر في الفوضي، أو في حرب أهلية.
ثانيا: كيف يستقيم ذلك، مع تلك التحليلات المتكررة عن أن هدف الولايات المتحدة، هو إيصال مصر إلي حالة من الفوضي، أو إلي حالة من الفوضي البناءة، علي حد تعبير 'كونداليزا رايس'، لقد صاغ الإستراتيجيون الأمريكيون مبكرًا، وقبل أن يصبح تعبير الفوضي البناءة شائعًا، نظرية كان منطوقها يقول: 'إن الفوضي سيئة، ولكن النظام أكثر سوءًا' فهل المطلوب هو حالة بين النظام والفوضي؟
في التقرير الاستراتيجي للوداع الذي قدمه 'جورج تنت' من رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية، تحت عنوان 'التهديدات عالمية الاتساع ضد الأمن القومي الأمريكي' نبوءة أكثر تدقيقًا لتلك الحالة الملتبسة بين النظام والفوضي، قد تقدم توصيفا أفضل، لتعبير الفوضي البناءة، لقد حدد 'تنت' جوهر التناقض علي خارطة الشرق الأوسط، في 'الصدام الرهيب بين قوتين' الأولي هي عجز عدة أمم خاصة في الشرق الأوسط في السيطرة علي الحداثة، مما سينتج جمهورا ثائرا بلا عمل، والثانية، انتشار تكنولوجيا المعلومات التي تمكن الشباب في مجالات عدة من تهديد الدول التي يعيشون فيها وفي تهديد أمريكا، قبل أن يضيف خطوطًا بالعرض إلي رؤيته الرأسية، حول تزايد ضعف الروابط الداخلية في عدد من الدول التي أصبح تماسكها أمرًا غير مسلم به، الإيقاع السريع للتغيير في عدد من المناطق التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، الضغوط السكانية من ناحية والنمو الاقتصادي اللذان سوف يؤثران بعمق في مستقبل الشرق الأوسط، لكن أهم ما أضافه 'تنت' نصًّا هو: 'إن المواطنين العاديين في عدة أماكن من العالم العربي، يبدون في صورة من الهياج الزائد، والصياح المدوي، فهناك جمهور قلق يصعب احتواؤه، لا قيادة معروفة له، ولا هيكل تنظيميًا واضحًا' وذلك هو جوهر المشكلة أمريكيا علي وجه التحديد، 'جمهور قلق وهائج يصعب احتواؤه، لأنه لا قيادة معروفة له، ولا هيكلاً تنظيميًا واضحًا'.
أي أن الفوضي في هذه الحالة لن تكون بناءة، لأن عناصرها الأساسية لن تكون محتواه، ولا واقعة تحت السيطرة، وبالتالي فإن منتوجها لن يكون بدوره قابلا للاحتواء، ولا واقعا تحت السيطرة، إنهم إذن يريدون الفوضي، شرط أن تكون بناءة في إطار الاستراتيجية الأمريكية، أي أن تكون لها قيادات معروفة يمكن احتواؤها، وهياكل تنظيمية واضحة، يمكن وضعها تحت السيطرة، وبالتالي يمكن دفع منتوجها علي خطوط التوجه الاستراتيجي السابق الإعداد والتجهيز.
وباختصار، فطالما بقيت الفوضي في مصر بناءة وتحت السيطرة، وطالما ظل منتوجها هو تقزيم الدولة، وإضعاف مؤسساتها، وفصم عري وحدتها الوطنية، وتسعير التناقضات، وتدمير قواعد إنتاجها، وزعزعة اقتصادها الوطني، فإنها مقبولة وجديرة بالتشجيع.
ثالثًا: لست ممن يعتقدون في صحة تلك التحديدات القاطعة، التي تتنفس في بعض وسائل الإعلام، مؤكدةً أن شهر العسل بين أمريكا والإخوان قد شارف علي الانتهاء، أو أن أمريكا توشك أن تغسل يديها من الإخوان، وتسعي إلي أن تستبدلهم بالسلفيين، أو أن أمريكا غاضبة ومستفذة من سلوك الإخوان تجاه إيران، فقاطرة الإخوان لا تزال تسير، ولو بدت بطيئة ومترنحة ومهتزّة، علي القضبان الأمريكية، وليس في سعيها للتمكين وإخضاع مؤسسات الدولة لرجالها وقيمها تناقضا حادا مع الاستراتيجية الأمريكية، وإذا كان الإخوان يخوضون بكل دأب معركة صفرية لإخضاع مصر، فإن أمريكا تخوض بكل إصرار معركة صفرية لإخضاع الإقليم، وكلاهما محكوم في ذلك بقوانينه وقيوده الذاتية، لقد حددت الثقافة الاستراتيجية الأمريكية نفسها بقوالب ذاكرتها العسكرية، وهي ذاكرة قليلة العمق، صغيرة العمر، تتشكل شرائحها الرقيقة من تاريخها العسكري، حتي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث لم يصادف الأمريكيون خصمًا لقدراتهم العسكرية، لا الهنود الحمر، الذين أبادوا 40 مليونًا منهم، ولا الكنديين والمكسيكيين، الذين اقتطعوا منها بالقوة غالبا، وبالتحايل أحيانا أكثر من ثلث المساحة التي تمددت فوقها الإمبراطورية الأمريكية، ولهذا آمن الأمريكيون دوما أن يكسبوا معاركهم بنصر مطلق منذ حربهم ضد إسبانيا 1898 إلي الحرب العالمية الأولي 1917، إلي الحرب العالمية الثانية 1942، ولهذا خانتهم ثقافتهم الاستراتيجية في حروب كوريا وفيتنام، ومؤخرا أفغانستان والعراق، حين واجهوا أوضاعًا مختلفة عن تلك التي شكلت فكرهم الاستراتيجي، مثلما شكلت عقيدتهم القتالية.
لا ينمو المستقبل من عوامل ليست قائمة في الواقع، ولذلك في قلب سؤالك الكبير عن المستقبل، تتكاثر أسئلة كثيرة، وتطل برؤوسها في هذا الفضاء المفتوح دون إجابات قاطعة، فنحن أمام قوة حاكمة ركبت موجة الثورة، وصعدت إلي شرفة السلطة العالية، لكن جوهر سلوكها من أوله إلي آخره، ناطق بأن معاولها تهدم السلالم التي صعدت عليها، بقدر ما تهدم في قواعد الدولة ومن أركان شخصيتها التاريخية، ونحن أمام شعب ما زال يرمم حلم الثورة والتغيير، وهو يعبر عن ذلك بفيض من الألم والغضب والمعاناة، وقد برهن بكل الصور الممكنة علي أن طاقته حية، وأنها لا تزال وافرة ومتدفقة، وإن فرض الانكسار والهزيمة عليه، ليس مقبولاً ولا متاحًا، فضلاً عن أنه يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، ونحن أمام جيش وطني، يتمتع بذاكرة استراتيجية واسعة وعميقة، ويمثل في ذاته تمثيلاً ديمقراطيًا صحيحًا للأمة، بكل طبقاتها وفئاتها وقواها، ويمثل في كيانه، تعبيرًا صافيًا عن عقلها المبدع، ووجدانها الحي، ورصيدها المعرفي الذي جمعته بالدم والعرق، من معارك التاريخ، توفرت له قيادة وطنية لا سبيل إلي إنكار ما تتمتع به من نفاذ في الرؤية، وصدق في التوجه، ودقة في الحساب وتقدير الموقف.
فنحن أمام استراتيجية غربية، كان تقديرها أنها ستمر في جسد مصر، كما يمر السكين في مكعب الزبد، ولكنها اصطدمت بمكعب من الجرانيت، وإذا لم يكن بمقدورها أن تتراجع، فليس بمقدورها في ضوء تفاعلات العوامل الداخلية، أن تتقدم إلي العمق الذي أرادته وتريده، ولذلك فإنها تكاد أن تصبح مستنفدة، رغم أن حضورها وأدواتها هنا وهناك أكثر بأسًا وعددًا وعدّة.
ونحن أمام بيئة استراتيجية إقليمية، لا يعيق عملية الانقلاب الاستراتيجي الكامل فيها شيء كما تعيقه غيبة الحسم الكامل في الحالة المصرية، فحسم مصير مصر، هو رمانة الميزان في حسم مصير الإقليم كله، وهو أمر ليس منفصلا بدوره عن الحسم الكامل المطلوب في سوريا، غير أن متطلبات وأسلحة الحسم هنا، ليست متطلبات وأسلحة الحسم هناك.
ما هو البديل إذن؟، إذا كان التصعيد الرأسي في مصر ليس قادرًا علي أن ينتج المطلوب منه في هذا الحيز الزمني الدقيق، قد يكون البديل تصعيدًا أفقيًا في البيئة الاستراتيجية المحيطة بمصر، يترتب عليه تصدير عوامل من شأنها خلخلة التربة الداخلية، بحكم الزلزال الذي سينجم عن هذا التصعيد، إن ثمة شواهد وظواهر عديدة، مدّعمة بقرائن ومعلومات، تؤكد أننا علي حافة انفجار إقليمي كبير، وذلك كله يحتاج إلي وقفة مطوّلة!.
Email: [email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.