«دعم الولاياتالمتحدة لتنظيم الإخوان مشروط بنجاح التنظيم فى تهدئة الإقليم».. هذا ما تراه الباحثة السياسية البارزة الدكتور هالة مصطفى، التى تعتقد أن استراتيجية واشنطن للتعاون مع الإخوان ليست خيارا نهائيا، فهى ما زالت «تحت التجريب». وأوضحت أن الإخوان -بقدرتهم التنظيمية- هم من فرضوا أنفسهم على واشنطن فى غياب بدائل ليبرالية جاهزة بعد سقوط مبارك، ولفتت إلى أن الدكتور سعد الدين إبراهيم لعب دورا كبيرا فى تسويق التنظيم لواشنطن، كما أن رموزا يسارية وليبرالية مثل علاء الأسوانى دعمت الإخوان خوفا من عودة نظام مبارك من خلال الفريق أحمد شفيق. وأوضحت «هالة» أن دعم قطر للإخوان يمكن فهمه بصورة أفضل من خلال الصراع المذهبى بين السنة والشيعة، الذى ترعاه الولاياتالمتحدة فى إطار حربها على إيران، فقطر تعد الإخوان لمواجهة المد الشيعى فى مصر، كما تدعم السعودية حركة «14 آذار» السنية بقيادة سعد الحريرى فى لبنان، لمواجهة قوى «8 آذار» المدعومة من حزب الله، ومن ورائه إيران. * لماذا يدعم الأمريكيون الإخوان منذ اندلاع الثورة وسقوط مبارك؟ - أنا أتحفظ على فكرة أن الأمريكان فى حالة غرام مع الإخوان وأفكارهم. كل ما فى المسألة أنهم تعاملوا مع الواقع. وعلى أرض الواقع كان التنظيم أكثر القوى السياسية تنظيما، وهو السبب الذى دفع أيضاً المجلس العسكرى، وليس واشنطن وحدها، لوضع الإخوان على قائمة اهتماماته. ما أريد أن أقوله أن الأمريكيين لم يفرضوا الإخوان، لكن الإخوان هم من فرضوا أنفسهم عليهم، وعلينا، فى غياب بدائل أخرى جاهزة بعد سقوط مبارك. والدليل أن الرئيس بوش الابن، الذى أدت ضغوطه على مبارك لإجراء إصلاحات ديمقراطية وتوتر العلاقة بينهما، تخلى عن دعم الديمقراطية فى المنطقة عندما جاءت الصناديق ب«حماس» فى غزة فى 2006. * لماذا كان يضغط بوش على مبارك لتحقيق الديمقراطية وقتها؟ - بعد أحداث 11 سبتمبر قرر بوش تغيير سياسة واشنطن الخارجية تجاه المنطقة، التى كانت تتغاضى عن الديمقراطية مقابل حفاظ الأنظمة المستبدة (ومنها نظام مبارك) على مصالحها، وضغطت وزيرة الخارجية «كونداليزا رايس» وقتها بالفعل على مبارك، لإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة، ونتج عن هذه الضغوط دخول 88 من أعضاء التنظيم فى البرلمان عام 2005. وكان الجدل فى واشنطن وقتها: الخيار بين استبداد نظام مبارك أو حكم الإخوان، واختار بوش «مبارك» بعدما فقد حماسه لدعم الديمقراطية، بعد نجاح حماس فى انتخابات 2006، وهذا دليل على أنه ليس صحيحا أن الأمريكان يدعمون الإخوان بشكل مطلق ومبدئى كما يتصور البعض. * ما الذى تغير مع دخول أوباما البيت الأبيض؟ - بعد دخول أوباما البيت الأبيض واندلاع ثورات الربيع العربى، تبنى أوباما استراتيجية مختلفة خلاصتها: لماذا لا نتعامل مع الإسلاميين ونوظفهم لخدمة مصالحنا فى المنطقة، خصوصا أن مبارك سقط، والبدائل الليبرالية ضعيفة، ومنطق أوباما، الذى ما زال يمثل المحرك لسياسة واشنطن فى مصر الآن، بنى على عدة افتراضات، أولها أن الإخوان أكثر قدرة حتى من أجهزة الدولة المصرية الأمنية على ضمان اتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل، وثانيها أن دعم الإخوان باعتبارهم تيارا إسلاميا معتدلا -مقارنة بالقاعدة- سيؤدى تلقائيا إلى احتواء التيارات الجهادية، التى تهدد المصالح الأمريكية حول العالم. * متى يدير الأمريكيون ظهورهم للإخوان؟ - إذا ثبت أن هذه الفرضيات خاطئة، أى إذا فشل الإخوان فى الحفاظ على الهدنة بين حماس وإسرائيل، ولم يسهم صعودهم للسلطة فى تهدئة الحركات الإرهابية، كما حدث مع عناصر القاعدة الشيشانية فى بوسطن، وإذا فشلوا فى استعادة الأمن فى سيناء التى تهدد الفوضى فيها إسرائيل واتفاقية السلام مع مصر، إضافة إلى النجاح فى احتواء الشارع المصرى الغاضب. لاحظ أيضاً أن استمرار تجاهل الإخوان لمبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء والحريات العامة، أمر حساس لواشنطن فى دعمها للإخوان، لأن هذه التجاوزات تحرج الإدارة الأمريكية أمام مؤسساتها التى تؤمن بالليبرالية وحقوق الفرد، بشكل لا تناظره حتى دول أوروبا. * هل تعتقدين أن عدم احترام الإخوان لحقوق الإنسان فاجأ الأمريكيين؟ - نسبيا، لأنه كانت هناك فرضية أن الخروج من العمل السرى إلى العمل العلنى سيدفع الإخوان بالضرورة إلى مراجعة كثير من أفكارهم السلبية. * من أقنع الأمريكيين بهذه الفكرة؟ - الدكتور سعد الدين إبراهيم كان يتزعم هذا الاتجاه، وكان مؤثرا جدا فى إقناعهم بهذه الفرضية، قبل أن يغير رأيه فيهم بعد صعودهم للسلطة. وهو بلا شك صاحب فضل كبير فى تسويق التنظيم للأمريكان. والحقيقة أن نظام مبارك الذى اختصم الجميع، دفع كل القوى الأخرى للتحالف فى مواجهته، وهذا استفاد منه الإخوان، كما أن بعض أبرز رموز اليسار والليبرالية، مثل علاء الأسوانى وحمدى قنديل، دعموا مرسى بقوة حتى لا يعود نظام مبارك من خلال شفيق. * قلت إن استمرار نشاط الجماعات المتطرفة بقيادة القاعدة يمكن أن يؤثر على حماس واشنطن تجاه الإخوان.. لماذا يتحمل الإخوان فاتورة جماعات متطرفة أخرى؟ - لأن التعاون مع الإخوان جزء من استراتيجية، وهم سيسقطون إذا سقطت هذه الاستراتيجية. لاحظ أن دعم واشنطن للإخوان ليس خيارا استراتيجيا مثل دعمهم مثلا لحلفائهم فى أوروبا أو إسرائيل، هو فقط خيار غير نهائى، والإخوان ما زالوا تحت التجربة. * لكن الأمريكيين تعاونوا مع التيارات الإسلامية منذ زمن بعيد، وكانت حرب «المجاهدين» فى أفغانستان من أشهر الحالات؟ - هذا صحيح، لكن التعبير المناسب أن الأمريكان وظفوهم وقتها لتحقيق مصالحهم. وعموما واشطن تشعر براحة أكبر فى التعامل مع الإخوان عن التيارات القومية، التى كان ينتمى إليها عبدالناصر والسادات ومبارك، لأن التيار القومى بحكم نشأته وأفكاره معادٍ للغرب وإسرائيل، وحتى «السلام» الذى بادر السادات بعقده مع إسرائيل كان باردا، و«مبارك» رغم كل ما يقال عن عمالته لإسرائيل ظل السلام مع إسرائيل فى عهده باردا أيضاً، وظلت إسرائيل فى عقيدة نظامه الخطر الأكبر على مصر. أما الإخوان بحكم أجندتهم الأممية فإن حدود الدولة القومية لا تحتل لديهم هذه الأهمية، ويمكن أن يكون أكثر تسامحا أو تساهلا فى ملفات خطيرة مثل حدودنا مع غزة، والنزاع حول حلايب وشلاتين مع السودان، وحتى ملف عودة اليهود لمصر الذى فجره مؤخرا عصام العريان. * إلى أى حد تبارك الولاياتالمتحدة الدعم القطرى للإخوان؟ - قطر وثيقة الصلة بواشنطن، ولا يمكن أن تخاطر بإغضاب البيت الأبيض. ولكى تفهم موقف قطر من مصر عليك أن تضع هذه العلاقة فى إطار الحرب المذهبية فى المنطقة بين المحور السنى (مصر والسعودية وقطر وتركيا) والهلال الشيعى (إيران وسوريا وحزب الله). قطر تدعم الإخوان فى مصر فى مواجهة المد الشيعى، كما تدعم السعودية قوى «14 آذار»، التى يتزعمها سعد الحريرى، فى مواجهة «8 آذار» التى يدعمها حزب الله الشيعى وإيران. وأمريكا تبارك الدعم السعودى والقطرى، وتمنح قطر -على وجه الخصوص- مساحة كبيرة للحركة فى الإقليم، لأن جهودها تساعد فى دعم المحور السنى، فى مواجهة الهلال الشيعى.