وإني لأستحيي من الله أن أُري أجرّر حبلا ليس فيه بعيرُ.. وأن أسأل العبد اللئيم بعيره وبعران ربي في البلاد كثيرُ.. شاعر عربي قديم. كتب توفيق الحكيم مقدمة قصيرة لكتابه 'حمار الحكيم' جاء فيها: 'قال حمار الحكيم 'توما': متي ينصفني الزمان فأركب، فأنا جاهل بسيط أما صاحبي فجاهل مُركب؟ قيل لحمار الحكيم 'توما': وما الفرق بين الجاهل البسيط، والجاهل المُركب؟، فأجاب قائلاً: الجاهل البسيط هو من يعرف أنه جاهل، أما الجاهل المركب فهو الجاهل الذي يدعي المعرفة'. إنني أريد أن أشكو إلي الله من الحكيم 'توما' الذي أصبح أكثر انتشارا علي قنوات التليفزيون، وصفحات الصحف، ودوائر المجالس السياسية، من سحب الهواء الملوث بعادم السيارات المزدحمة، في شوارع القاهرة، وأرجوه مخلصا أن يرحمنا من الحكيم ' توما ' وأن يمنّ علي حماره بالظهور، إن كان ضنّ عليه بالركوب. في سياق الصدام المحتدم، بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر، ثمة بواطن كثيرة للزلل، إذا لم يتم توصيف الأزمة توصيفًا صحيحًا، وإذا لم تتم رؤيتها من منظور محدد، لا هو بالقانوني المجرد، ولا هو بالاقتصادي البحت، ولا حتي بالعسكري المباشر، وإنما من المنظور الأوسع الذي يحتوي جميع الأبعاد، وهو الأمن القومي المصري، فالأزمة من أولها إلي آخرها، رغم صورها الخارجية القانونية أو الاقتصادية أو التسليحية، نضجت عواملها، واحتدمت عناصرها، داخل بوتقة هذا الأمن القومي، وخطوط التماس الساخنة فيها هي في جوهرها خطوط الصدام، وضغوط الإزاحة بين مفهومين وعقيدتين، أولهما وطني وقومي للأمن، وثانيهما إمبريالي وإمبراطوري له، وخطوط الصدام وضغوط الإزاحة هنا، ليست تجاوزا علي القانون، وافتئاتا عليه علي جانب، وتمسكا بفرض القانون علي الجانب الآخر، وليست تمويلا يستقطع، مما يسمي المساعدات، ليوضع في أيدي مجموعات تتقنع بالديمقراطية، وهي تنثر الفتن وتشعل الحرائق، وتنزح المعلومات، في مواجهة سعي مشروع لكي يمر صنبور المال الملوث، من خلال محددات طبيعية فعلا وزمانا ومكانا، وخطوط الصدام وضغوط الإزاحة هنا، ليست معونة يتم قبولها أو رفضها، أو معاهدة سلام يتم ربطها بالمعونة، ويتم إبطالها بمنعها، وليست دعوات للتهدئة، أو دعوات للتصعيد، كما أنها ليست تخويفا من قطع المعونة، أو تحفيزا علي توفر البديل، فذلك كله حرث علي السطح المفكك لتربة العلاقة، لا يقلب الأرض ولا يجهزها لتحتضن نبتا صحيا. خطوط الصدام، وضغوط الإزاحة هنا، بشكل أكثر وضوحا وحسما، هي مواجهة بين مفهومين للأمن، الأول مفهوم وطني، ضخّت ثورة 25 يناير في بنيته وعروقه دما جديدا، فأخرجته من غرفة الإنعاش حيّا، ليمارس وظائفه الحيوية الطبيعية، وهو مفهوم نسبي ومفتوح، بحكم تفاعلات جارية، وتوازنات متغيرة، وتهديدات مستجدّة، في بيئة الزمان والمكان، والثاني مفهوم مغلق ومطلق، يريد أن يفرض قوانينه علي سواه، فعندما يكون مفهوم الأمن، مغلقا ومطلقا، وإمبراطوري النزعة، من الطبيعي أن يسعي إلي أن يفرض علي جميع مفاهيم الأمن الوطنية الأخري، أن تكيف أوضاعها ورؤاها ومصالحها النسبية، مع ما هو مطلق، وأن تصطف مفردة طائعة في إطار أوضاعه ورؤاه ومصالحه، فضلا عن أنه كمفهوم يعني إسقاط جميع خطوط الدفاع الحمراء، من فوق الخرائط، وتعطيل نظرية الردع، في أيدي من يتحصنون بها، عن القيام بوظيفتها، باعتبار أن أمنهم النسبي، مجرد دائرة صغيرة، عليها أن توظف نفسها، في الدائرة الواسعة لهذا الأمن المطلق. لقد بدأ انشغال أمريكا بمصر ووضعها وأهميتها، سواء كمركز للعالم العربي، أو كمرتكز لمسرحي البحر الأحمر والبحر الأبيض، منذ بواكير عام 1942، ورغم أن الأمريكيين كانوا في سعيهم المحموم، لاستخلاص إرث بريطانيا، وسط لهيب الحرب العالمية الثانية، يحدّقون بعيون مفتوحة في الحضور والقوة والأسواق، إيذانا بانتقال البندول الاستراتيجي، من أوربا إلي أمريكا الشمالية، فقد بدأ الاحتكاك الأمريكي المصري في هذا السياق، عسكريا خالصا، فقد تمركزت القوة الجوية الأمريكية التاسعة، وأعداد كبيرة من دبابات 'شتيرن' في مصر، منذ بداية ذاك العام، وقبيل نهايته افتتح السلاح الجوي الأمريكي بالقرب من القاهرة، واحدا من أكبر المطارات العسكرية في العالم، خارج الولاياتالمتحدة، تنفيذا لمبدأ الإعارة والتأجير. ورغم أن هذه النظرة الأمريكية، إلي الحضور العسكري باعتباره في ذلك الوقت المبكر، مجرد دخول إلي الوجود السياسي والاقتصادي، فقد كان الاهتمام الأمريكي، بأوضاع القوات المسلحة المصرية كبيرا جدا، إلي حد يستحق التأمل والتوقف. لقد كان السفير الأمريكي في القاهرة، يكاد يضع أذنيه متصنتا علي نبض هذه القوات، فلم تتوقف تقاريره إلي الخارجية الأمريكية، عن الأوضاع داخل الجيش المصري، حتي إنه رصد في 29 يونيه من ذلك العام 'وفق الوثائق الأمريكية' حركة اعتقالات قام بها النحاس باشا، داخل بعض وحدات الجيش، وفسّر لحكومته هذه الاعتقالات بأنها محاولة من الوفد، لإحداث حالة من التخويف داخل القوات المسلحة المصرية، ويبدو أن الحكومة المصرية، لم تعدم من يري رغم انحياز أمريكي واضح تجاه هجرة - اليهود إلي فلسطيني - أن حضورا أمريكيا قويا، يمكن أن يدعّم الأماني المصرية، في إنهاء الوجود العسكري البريطاني بعد الحرب، ولذلك حين طلبت أمريكا، من حكومة النحاس الإقرار لقواتها الجوية، بامتيازات القواعد الجوية نفسها الممنوحة للقوات البريطانية بمقتضي اتفاقية 1936، لم تتردد حكومة الوفد في الموافقة، بل دون استحصال موافقة البرلمان، ولم تتأخر أمريكا في استثمار امتيازات الطيران أو قاعدتها الجوية في مصر، لبناء قاعدة إعلامية، بدأت من خلالها في عملية تسرب هادئ إلي خلايا المجتمع المصري. بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، كانت بريطانيا بعد مراجعة إستراتيجيتها العسكرية في المنطقة وفي البحر الأبيض 'ديسمبر 1945' تنتهي إلي أنه: 'لا يوجد بديل عن مصر، كعنصر حيوي وأساسي، للقاعدة الدفاعية عن الشرق الأوسط'، غير أن الموقف الشعبي المشتعل في مصر، كان يجهض كل محاولات بريطانيا لإبقاء جوهر احتلالها في إطار صيغة جديدة، لكن أمريكا تدخلت بنفسها، فقد أرسل 'ترومان' رسالة إلي 'فاروق'، جاء فيها 'إن حكومتي وهي تتابع عن كثب تقدم المفاوضات بين بريطانيا ومصر، تعبر عن رغبتها في نجاح هذه المفاوضات'، قبل أن يضيف 'إن أمن الشرق الأوسط كله، مسألة ذات أهمية بالنسبة لأمننا علي وجه الخصوص' ولم يفهم 'صدقي' سبب تورط أمريكا من أجل ضمان أمن الشرق الأوسط، وفق التصور البريطاني، لأن أمريكا كما كتب بألفاظه 'تعلق عليها مصر أكبر الآمال' ولم يكن الخلط في الرؤية من نصيب 'صدقي' وحده، وإنما كان من نصيب 'النقراشي' من بعده، فعندما اختنقت المفاوضات المصرية البريطانية، وأسقطت ثورة الشارع المصري اتفاقية ' صدقي - بيجين' وأسقطت 'صدقي' معها، لم يجد 'النقراشي' بديلا عن وقف المفاوضات، وإحالة القضية إلي مجلس الأمن '28 يناير 1947، ولكن بريطانيا لجأت إلي أمريكا، لتثني مصر عن عزمها، بينما لجأت مصر إلي أمريكا أيضا، لتقنع بريطانيا بالرحيل، وذهب 'إبراهيم عطا الله' رئيس أركان الجيش المصري إلي الولاياتالمتحدة، 'إبريل 1947' ليستطلع إمكانية الحصول علي معونة فنية وعسكرية أمريكية للجيش المصري، ثم قام 'النقراشي' بزيارة واشنطن ' 1 سبتمبر' وطلب دعما أمريكيا عسكريا وغير عسكري، غير أن هذا الدعم لم يصل، فقد كانت أمريكا قد انتهت من صياغة رؤية للمنطقة 'بعد إعلان مبدأ ترومان' ترتكز علي أن جلاء القوات البريطانية عن مصر، سيؤثر سلبا علي مصالح أمريكا في الشرق الأوسط وفي البحر المتوسط، وخلال الشهر نفسه، وفي إطار مباحثات بين أمريكا وبريطانيا، كانت أمريكا تتفق مع بريطانيا، من وراء ظهر مصر، علي أهمية أن تكون لبريطانيا تسهيلات استراتيجية في مصر، علي أن تكون الاتفاقية المصرية البريطانية في إطار عام من اتفاقيات الدفاع الإقليمي، فقد كان هناك هيكل استعمار جديد قد تخلّق مكتملا، وتخلّقت معه أدواته أيضًا. وعندما بدأت أول محاولة أمريكية، لإلقاء صنارة المعونة لمصر، في شكل صفقات قمح مجانية، كانت المعونة بدورها مشروطة، كعهدها في كل مرحلة تالية، وكان الشرط الذي طرحته أمريكا مقابل القمح، هو أن تحصل علي وضع الدولة الأولي بالرعاية، لكن الحركة الوطنية المصرية، التي كانت في أوج صعودها، رفضت الشرط ولم تقبل المعونة. هكذا لم تقدم الولاياتالمتحدة إلي مصر، منذ هذا العرض، وعلي امتداد تاريخ العلاقة معونة غير مشروطة، وكان الرفض ثم الصدام يتخلّق دائمًا في الدائرة ذاتها، الأمن القومي المصري: 1. كان الصدام في هذه الدائرة وقطع المعونة، أشد ما يكون ارتباطًا في عام 1954 بصفقة الأسلحة التشيكية لمصر، وكان قرار الحرب في عام 1956 يتعجّل ضرب الجيش المصري قبل أن يكمل استيعابه للسلاح الجديد. 2. وكان الصدام في هذه الدائرة ذاتها، في عام 1962، بحجب معونات أقرها الرئيس 'كينيدي' رغم رفض الكونجرس، بسبب رفض مصر الانصياع لطلب أمريكي، بعدم إرسال القوات المصرية، لدعم الثورة الوليدة في اليمن. 3. وكان الصدام في هذه الدائرة نفسها في عام 1964، حين قدمت أمريكا، ثلاثة شروط سعت إلي فرضها لتمرير المعونة، وكانت هذه الشروط تحديدا هي: إيقاف المشروع النووي المصري، وحل القيادة العسكرية العربية المشتركة، وتحجيم دور مصر الإقليمي، ولم يكن عدوان 1967، الذي لعبت الولاياتالمتحدة دورًا مركزيًا فيه، سوي رد أمريكي علي رفض مصر الانصياع لهذه الشروط. 4. وقد تحولت هذه المعونة خلال العشرين عامًا السابقة، علي ثورة 25 يناير، إلي سلاح مباشر للإكراه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وفي مجال الزراعة مثلا، ألحقت شروط المعونة ضررًا بالغًا بمصالح الفلاحين المصريين، وجردتهم حتي من عوائد القش ومخلفات الزراعة، بتحرير تجارة القطن والأسمدة، وتخلي الدولة عن سيطرتها علي محصول قصب السكر، ومصانع الغزل والنسيج، وفرض عدم التوسع في زراعة القمح، وفي السلع الاستراتيجية الأخري.. إلخ. وكانت آثار شروط المعونة أكثر فداحة وغرمًا علي الصناعة الوطنية، فقد رُميت مصانع القطاع العام، الرابحة والمنتجة في صفقات مشبوهة وفاسدة، بين أيدي السماسرة والتجار. وفي المحصلة النهائية، فقد صُممت برامج المعونة المرفقة بشروطها، ضد مصالح القاعدة المنتجة العريضة في مصر، وضد شرائح الطبقة المتوسطة، واستهدفت تحويل مصر إلي سوق مفتوح للسلع الأجنبية، وإلي إفقاد الدولة المصرية، مرتكزاتها الإنتاجية، وإعاقة اعتمادها علي ذاتها، وإحباط مشروعات التنمية الحقيقية، وفرض تنمية مشوهة عليها، تعيد توزيع الثروة الوطنية لصالح طبقة اجتماعية ضيقة عند القمة، تحتكر لنفسها الثروة والسلطة معًا. ولم يكن قطاعا التعليم والثقافة، بعيدين عن الآثار الوخيمة لشروط هذه المعونة، فضلا عن أن ما قدم منها، في مجالي الصحة والسكان تحول إلي أداة لنزع المعلومات السرية والحساسة، التي تغطي جميع مفاصل المجتمع المصري، ولقد كان المنتوج النهائي لذلك كله، هو إضعاف مصر استراتيجيًا، وحبسها داخل حدودها، وإفقار شعبها، وإفقادها دورها الإقليمي، وإضعاف مكانتها الدولية. يتصاعد الخطاب شررًا في أروقة الكونجرس، في مواجهة ما أطلق عليه رئيس 'فريدوم هاوس' الحملة المنظمة ضد المجتمع المدني في مصر، والتي تمثل عملا واضحًا لتعطيل الديموقراطية، ولست أعرف كيف يمكن تلخيص الديموقراطية علي جانب في المجتمع المدني، وكيف يمكن تلخيص المجتمع المدني علي الجانب الآخر في الجمعيات، فالديمقراطية ليست مجتمعًا مدنيًا فقط، لأنه لا حرية لتذكرة الانتخاب، دون حرية رغيف الخبز، كما أن المجتمع المدني بدوره ليس جمعيات مأجورة، تستمد طاقتها من صنبور مال أجنبي ملوث، وإنما هي بالدرجة الأولي أحزاب سياسية ونقابات مهنية، يشكلان معًا القوتين الحقيقيتين، في محيط العمل الديمقراطي. وأحسب أن أكثر الأضرار تحققًا، من شيوع نمط هذه الجمعيات، والذي دفعته الولاياتالمتحدة بشروط معونتها في الواقع المصري، ليس فقط ما أحدثته من تحول، في النمط التاريخي للعمل الأهلي في مصر، فقد حولته من عمل تطوعي إلي عمل مأجور، أو ما أحدثته هذه الجمعيات من تصدع مجتمعي، بامتثالها لشروط التمويل الأجنبي المفروضة عليها، ولا بسيل المعلومات، التي جمعتها في شكل تقارير وأرسلت إلي أصحاب الأمر خارج الحدود، وإنما ما أحدثته من تجريف في الأحزاب السياسية المصرية، ففي مجتمع تغيب فيه التوازنات الاجتماعية، وتتفاقم البطالة، وتنغلق نوافذ المستقبل أمام أجيال صاعدة، عندما يكون الخيار محددًا، بين عمل سياسي وطني بلا أجر، وعمل مأجور ذي صبغة سياسية، فإن الحاجة والفقر والبطالة، تنحاز غالبًا إلي جانب الأخير. غير أن شرر هذا الخطاب، الذي يتصاعد في الكونجرس، تتطاير منه تهديدات واضحة ، علي غرار كلمات 'إليانا روس' رئيسة لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس، التي ربما خُيّل إليها أنها تلقي كلماتها إلي جوار مدفع علي ظهر بارجة أمريكية، تشق البحر الأبيض، وإلي جانب التهديدات الواضحة، تتطاير أكاذيب ملفقة، أغلبها يرمي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بافتعال المشكلة والصدام، كي يصرف أنظار الداخل الوطني، عن أطماعه في البقاء في السلطة. والحقيقة أن مقدمات المواجهة، وتتابع فصولها، يغنيان عن الرد علي هذا السلاح المثلوم بدوره: 1. لقد بدأ التلويح مبكرًا، بسلاح المعونات من الجانب الأمريكي، قبيل منتصف العام الماضي، ففي شهر يوليو الماضي تحديدًا، قدم الجمهوريون مشروعًا إلي الكونجرس، يهدف إلي تعليق المساعدات المقدمة لمصر، في حالة عدم تنفيذها اتفاقية السلام مع إسرائيل. 2. وبعد شهرين اعتكف مجلس الشيوخ الأمريكي علي وضع مشروع، يهدف إلي فرض عدة شروط علي مصر، مقابل استمرار الولاياتالمتحدة في تقديم المساعدات لها، ونص المشروع '1601' علي أن تقدم مصر تأكيدًا بموافقتها علي استخدام هذه المساعدات في دعم المصالح الأمريكية، داخل مصر وفي المنطقة، إلي جانب شروط أخري تتعلق بقضايا الجمعيات وحقوق الإنسان، كما تتعلق بشروط حول تأمين شبه جزيرة سيناء. 3. ثم كانت الحركة علي الأرض واضحة، من خلال تلك المجموعات الممولة بملايين الدولارات، والتي استباحت مصر طولا وعرضًا وعمقًا، تجمع الفوضي، وتنشر الدعوة إلي العصيان، وتحض علي الفوضي والفتنة والصدام. 4. فيم إذاً يتطاير شرر التهديدات والوعيد، إذا كانت المعونة العسكرية من أولها إلي آخرها - وهي قلب الموضوع طبعًا - لا تساوي سوي ربع في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وهي في حالة أقرب إلي النقاهة منها إلي الصحة؟ أعيد إذًا توصيف القضية علي نحو صحيح، لكيلا تظل سيفًا مصلتًا علي عنق مصر، فخطوط التماس الساخنة فيها، هي خطوط الصدام، وضغوط الإزاحة، بين مفهوم قومي للأمن، دبت فيه روح الحياة بفعل الثورة، ومفهوم إمبريالي إمبراطوري، هو بطبيعته مغلق ومطلق ومستبد.