تعد اتفاقية التريبس التي بدأ سريانها اعتباراً من أول يناير 1995 إحدي اتفاقيات التجارة الدولية وقد وقعتها 125 دوله , واحتوت الاتفاقيه علي ثلاث اجزاء هي المعايير والنفاذ وحل النزاعات , وقد ظهر جليا في بنود هذه الاتفاقيه تأثير الولاياتالمتحدهالامريكيه حيث توافقت اغلب البنود مع قوانين الملكيه الفكريه المطبقه بامريكا وخاصة فيما يخص الصناعات الدوائيه , كما ان الشركات الدوليه استطاعت ان تحقق هي الاخري الكثير من المكاسب عن الطريق الضغوظ الكبيره التي مارستها علي حكوماتها من أجل صياغة قواعد صارمة لحماية ما اسمته بحقوق الملكية الفكرية , والتي اعتقد انها ما وجدت الا لتكبل اي انطلاقه للدول الناميه في مجال الصناعات الدوائيه لتظل علي الدوام مستهلكا لا منتجا , تابعا لا متبوعا. فهذه الشركات تستحوذ – بشكل يمثل احتكارا كاملا - علي حقوق براءات اختراع الأدوية وتضع الأسعار الباهظة للأدوية التي تعتبر في حكم الأساسية , ولذلك تستولي قله من الشركات علي صناعة الدواء العالمية وتتحكم فيها بشكل شبه كامل. مما لاشك فيه ان أعضاء اتفاقية التريبس من الدول الناميه قد واجهوا ضغوطاً لايقدرون علي ردها من ممثلي الغرب لحملهم علي قبول التزامات تتجاوز بكثبر ما نصت عليه اتفاقية التريبس, ولقد وضح بجلاء الايدي الخفيه للشركات متعددة الجنسيات وتحريكها – من وراء الستار- لحكومات الدول الغربيه من اجل الضغط علي دول العالم النامي من أجل التوصل الي صياغة قواعد صارمة لما اسموه "بحماية حقوق الملكية الفكرية". ان صياغة اتفاقية التريبس تثير الكثير من الخلاف في وجهات نظر ما بين الدول المتقدمه والناميه خاصة فيما يتعلق بالصحة , فقد استبعد – بشكل متعمد - خبراء الصحة العامة من مناقشات نصوص الاتفاقية قبل اقرارها ، ومما دعا الكثيرين الي القول بان اتفاقية التريبس تخدم وبصوره واضحه متطلبات شركات الأدوية الدوليه لا متطلبات الصحة العامة . ومن الجدير بالذكر ان شركات الأدوية الدوليه تحتكر حقوق براءات اختراع الأدوية وتتقاضي أسعاراً باهظة عن الأدوية الأساسية , وتخضع صناعة الدواء العالمية لتحكم عدد قليل من الشركات العملاقة، خصوصاً بعد أن اندمجت بعضا منها في كيانات عملاقة , ومن المعروف ان الشركات الامريكيه تستحوز علي 30% من سوق الدواء العالمي بينما تستحوز الشركات الاوربيه علي 30% و تستحوز الشركات اليابانيه علي21% من السوق. ومن القضايا موضع الخلاف التي تثيرها اتفاقية التريبس كيفية تطبيق الدول لأوجه المرونة ، وتحديد نوعية المرونة التي قد تطبق والظروف التي يمكن أن تطبق فيها , في علي سبيل المثال ذلك الجدل الكبير الذي اثير حول تزويد الدول الفقيرة الواقعة في منطقة جنوب الصحراء الكبري في إفريقيا بأدوية رخيصة للإيدز، وفي ذات الوقت لم يكن هناك اي اهتمام بما هو واجب علي الحكومات تجاه تزويد الأفراد المرضي بالأدوية الأساسية التي يحتاجونها بموجب القانون الدولي. مما لاشك فيه انه بوجد كثير من العراقيل أمام الدول النامية ، حتي فيما يختص بالاستفادة من أوجه المرونة الموجودة بالاتفاقية , وتتمثل بعضا من هذه الصعوبات – علي سبيل المثال وليس الحصر – في شرط امتداد حماية براءات اختراع الأدوية لمدة عشرين عاماً ، وصعوبات ما ورد في بنود الاتفاقيه عما سمي بتنفيذ الترخيص الإجباري , فقد نصت الاتفاقيه علي إن حماية براءة الاختراع تمتد لمدة عشرين عاماً وهذه المده تعتبر حماية طويله نسبيا لحق الامتياز، مما يحرم الدول النامية من فوائد المُنْتَج طوال هذه المدة , حيث ان فترة حماية براءة الاختراع بموجب اتفاقية التريبس تمنع الشركات غير الحاصلة علي حق امتياز تصنيع الأدوية التجارية من تصنيع النظائر لتلك الأدوية, ونتيجه لذلك لايمكن السيطره علي ارتفاع أسعار الأدوية، مما يؤثر بالسلب علي حق الأفراد في الحصول علي الأدوية الأساسية ، وتتمتع خلال هذه الفترة شركات الأدوية بألارباح المرتفعه للأدوية الحاصلة علي الامتياز لأطول مده ممكنه . كما ان الاتفاقية لا تتضمن إلا القليل من القيود القانونية ضد الترخيص الإجباري، لكن السطوه - ذات الطابع السياسي – التي تتمتع بها شركات الصناعات الدوائية العملاقه قد تكون مانعا اقوي من تلك القيود ، وقد تمكنت الشركات الدوليه - حتي الآن- من النجاح في منع الدول النامية من تصنيع الأدوية. ان العالم العربي يمتلك براءات اختراع تصل تقريبا الي حوالي 5% من إجمالي الأدويه التي ينتجها ، في حين ان التصنيع بامتياز يمثل حوالي 40% من الإنتاج المحلي العربي، والباقي يتم استيراده كاملاً . ورغم ذلك الواقع المرير تأتي الاتفاقية لتحرم الدول النامية من الحصول علي الابتكارات الجديدة نتيجة ترك الحريه لصاحب براءة الاختراع في رفع أسعار التكنولوجيا ، بما يؤدي إلي احتكارات تشمل جميع أوجه التصنيع ، ويظهر ذلك بجلاء علي ارض الواقع حيق اثبتت التقارير ان الدول النامية خلال عقد التسعينيات لم تتمكن من الحصول إلا علي 6% فقط من بين 3.5 ملايين براءة اختراع، في حين حصلت الشركات متعددة الجنسيات علي أكثر من 80% من تلك البراءات , لذلك فلا غرابه في ان تتقدم 72 دولة من دول العالم الثالث بطلبات لمنظمة التجارة العالمية تدعو فيها إلي إعادة النظر في أحكام اتفاقية "التريبس". ويصبح الامر في غاية الخطوره اذا علمنا ان الاهتمام بالأبحاث والتطوير في شركات الدواء العربية لاترصد له الموازنات المناسبه ، وهو ما يؤكده خلو ميزانيات معظم هذه الشركات من أي إنفاق في هذا المجال ، في حين تنفق الولاياتالمتحدة 14% علي أبحاث الدواء من إجمالي مبيعاتها، وبريطانيا 12% ؛ فضلاً عن ذلك فإن معظم البلدان العربية تعاني من هجرة العقول باتجاه الدول الكبري. ان اقتصاديات الدواء هي التي تسيطر علي افكار مصنعي الادويه الغربيين دون الالتفات الي تلك الشعارات التي يرفعونها عن حقوق الانسان في الحصول علي الدواء , فالامر لايعدو كونه دعايه لزوم التسويق لااكثر ولا اقل , لذا يجب ان تكافح الدول العربيه من اجل ايجاد مكان لها تحت شمس صناعة الدواء العالميه. * خبير مالي واداري [email protected]