في رشيد ستتمكن من زيارة بيت الأماصيلي وطاحونة أبو شاهين فقط وهما جزئين من ثروة رشيد من آثار العصر العثماني التي يبلغ عددها اثنين وعشرين منزلاً وحماما وطاحونة، وأحد عشرة مسجداً وزاوية وثلاثة أضرحة، معظمها مغلق والمفتوح منها تأكله الرطوبة وبحاجة للترميم مجددا رغم ترميمه حديثا!ويمكن لكبار الزوار زيارة بيت زبيدة زوجة مينو حاكم رشيد أثناء الحملة الفرنسية والتي كتب عنها الشاعر الرشيدي الكبير علي الجارم رائعته غادة رشيد، النوافذ الأرابيسك القديمة لواجهات البيوت الأثرية تم استبدالها بأخري جديدة تماما كما تم تلوين وحدات الطوب بالأحمر والأسود في محاولة للإيحاء بالشكل الأصلي للبناء، الذي أبدع بناته الأصليون في تزيينه بالطوب المنجور'طوب يصنع من الطين' الأسود 'المحروق' والأحمر مع استخدام مونة القصرمل والجير والحمرة، التلوين الحديث يرجعه الأثريون في رشيد الي عدم وجود طمي لصنع طوب كالأصلي، ورغم ملايين الترميم المهدرة التي سبق ونشرنا عنها بالمستندات، فإن هذه الملايين لم يدخل ضمنها إحضار طمي ولو من خلف السد العالي أو من كل تلك التوسعات التي تجري ليلا نهارا للترع أو من حفر أساسات البيوت في المناطق الزراعية برشيد نفسها وتصنيع بعض اللبنات للمحافظة علي قيمة الأثر. ولايختلف حال المساجد في شيء عن البيوت، فالتعديات تحيط بمعظمها، وإخراج المؤجرين من الأوقاف للمحلات أسفل بعضها لإجراء الترميم في حكم المستحيل، ومازال العمل منذ الثورة متوقفا في ترميم مسجد زغلول الذي انطلقت من مئذنته 'حي علي الجهاد' وهي كلمة السرللهجوم علي الإنجليز الذين ظنوا ان رشيد قد خلت من سكانها، أما عند مسجد المحلي ثاني اكبر مساجد رشيد ويقع في شارع السوق، فسيتدافع الباعة ليؤكدوا لك أن غلق مسجد كهذا وحرمان المصلين من الصلاة فيه حرام، وذلك بعد ان توقف ترميمه تماما منذ أربع سنوات وبقيت الدعامات تحيط بالمسجد، بينما تتركز المخاوف في إمكانية أن تنهار مئذنته كاملة وتتسبب في كارثة وذلك بعد أن سقطت أجزاء منها، والمياه الجوفية تغرق المسجد بما يسمح بطفو قارب صغير وبما يؤثر علي سلامة الجدران والأساسات والأعمدة الأثرية، وكما أدي الإهمال إلي انهيار أجزاء كاملة من مسجد زغلول أكبر المساجد الأثرية بالمدينة وأقدمها، فإن المصير ذاته ينتظر مسجد المحلي الذي تم بناؤه عام 1721 ميلادية أما ماتم في مسجدي الصامت والنور من استبدال للأرضيات الحجرية الاثرية فهو جريمة اخري تمت بحجة ان الأرض الحجرية لا تصلح مع ارتفاع المياه الجوفية فتم استبدال الأرضيات برخام منخفض الجودة يشبه الحجارة! ويؤكد الدكتور حجاجي ابراهيم أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة طنطا وعضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلي للآثار ان ماتم جريمة كاملة أخرجت الأثر عن أثريته مشيرا إلي أن أحدا لم يحاسب حتي الآن عما تم من جرائم في حق الاثار المصرية ومن إهدار للمال العام في عمليات ترميم فاسدة فاشلة. وبينما تخرب آثار رشيد تخرب أيضا ثروتها من النخيل، فتتراجع في بلد المليون نخلة مصنوعات الجريد ليس فقط لعدم توريث الآباء المهنة لأبنائهم، لكن لاختفاء الخوص الذي تشتهر به المدينة، القاص فؤاد مرسي مدير عام الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة الذي يتبني مشروعا لوصف مصر الحديثة أكد أنه خلال حديثه مع أبناء رشيد ضمن مشروعه تأكد أن الخوص الذي يأتي من قلب النخل ويصلح لعمل منتجات يباع الي تجار يأخذون الحزمة بسعر خمسة جنيهات ويصدرونها لإسرائيل بستة دولارات! ويضيف مرسي أن السعف الملاصق للجمار يعتبر حياة النخلة ويؤدي انتزاع الجمار الي موت النخلة وهو ما يدمر ثروة رشيد من النخيل.. بينما يؤكد اهالي رشيد ان اسرائيل حلت ازمتها في عيد السعف عن طريق تجار يأتون من العريش لشراء سعف رشيد! وبينما تقف الأقفاص السمكية التي تملأ مجري النيل عائقا كبيرا أمام الملاحة حتي انها تكاد تسد مجري النيل، لا يقدم أحدا حلولا للقضاء علي هذه المشكلة التي تمس أرزاق الذين احترفوا الصيد ثم تحولوا الي تلك الأقفاص كوسيلة سهلة لينمو السمك الصغير بداخلها كمزرعة سمكية طبيعية. ويلتهم النحر شواطئ رشيد حتي انه اكل بالفعل مايقرب من خمسة كيلومترات من مساحتها وهو ما يجعلها بحاجة فورية الي مشروع لحماية المتبقي من أراضيها.