عندما تمت الموافقة علي الاستفتاء علي الدستور من خلال الاستفتاء الشعبي , ظن الكثير من المواطنين ان هذه مواده والتي تمس حياتهم اليومية من حريات وصحة وتعليم ستوفر لهم حياة كريمة، ستكون مختلفة عما كان يعيشه في السابق، إلا أن الأوضاع وخاصة في مجال الرعاية الصحية والتي خصص لها الدستور المادة'62' لم تعط للمواطن المصري ابسط حقوقه بل علي العكس انتزعت منه ابسط هذه الحقوق وهو 'حقه في الحصول علي علاج' حيث نصت علي أن 'الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين، وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبي بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر علي الحياة'. وأضافت المادة 'وتشرف الدولة علي كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة، وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التي تحقق هذه الرقابة'. كما نصت المادة علي أن المواطن سيحصل علي حقه في العلاج بكل سهولة بل العكس جاءت القرارات الوزارية لتؤكد ضرورة ان يحصل المواطن علي هذا العلاج بالمجان في أول 24ساعة في حالات الطوارئ بالمستشفيات الخاصة، علي ان تتحمل وزارة الصحة هذه التكلفة حتي تستقر حالة المواطن، ويتم نقله لأحد المستشفيات الحكومية او العامة، أو أن يستمر المريض بالمستشفي الخاص علي أن يتحمل تكلفة العلاج. ولكن الواقع عكس ذلك تماما وهذا ما اكدته احدي المريضات التي قامت بالذهاب إلي المجالس الطبية المتخصصة لتبدأ رحلة استخراج قرار علاج علي نفقة الدولة. ورغم انها تعتبر من المرضي الذين تشملهم قرارات العلاج، حيث إنها مريضة فشل كلوي، والذي يعتبر من ضمن الخمسة امراض المزمنة والتي يتم استخراج قرارات علاج لها طبقا لقرار وزير الصحة الاسبق حاتم الجبلي , الا انها ظلت لاكثر من 3 أشهر لم تحصل علي قرار علاجها حتي الآن. ولم تكن حالة هذه المريضة هي الوحيدة بل يوجد مثلها الكثير والكثير من المرضي الذين لايستطيعون أن يذهبوا الي المستشفيات للعلاج مجانا بسبب أن العلاج المجاني لا يوجد في كثير من المستشفيات والتي قامت بتحويل العلاج المجاني إلي علاج اقتصادي يتحمله المواطن الذي اغلقت امامه كافة الابواب والتي يمكن ان يطرقها للحصول علي حقه في العلاج. حال الصحة والمستشفيات لم ينل اعجاب المرضي فقط بل الاطباء ايضا حيث اعلن الدكتور ايهاب الطاهر أمين عام نقابة أطباء القاهرة عن رفضه للحال السيئ الذي وصلت إليه المنظومة الصحية مؤكدا أن المادة الخاصة بالرعاية الصحية في الدستور ستعمل علي زيادة الوضع سوءا، وعلق الطاهر علي هذه المادة قائلا 'الصياغة التي تم تحرير المادة بها العديد من السلبيات.. منها أنه لم يتم التأكيد أن الرعاية الصحية سوف تقدم للجميع دون تمييز لأي سبب 'وبالتالي فان الدولة سيمكنها تقديم خدمة أفضل للمواطن الغني'.. كما أنه لم يتم ذكر ان الرعاية الصحية ستغطي جميع الأمراض بل تم الاكتفاء بضمان الدولة لعلاج حالات الطوارئ. وأوضح أنه لم تحدد المادة ايضا المعايير الأخري لتقديم الخدمة الصحية من حيث تطور الخدمة وقبولها لدي المريض، وهذا يتيح للدولة فرصة تقديم نفس الرعاية الصحية الحالية المتدنية التي لا تليق بالشعب المصري 'هذه هي المعايير الواجبة طبقا لدستور منظمة الصحة العالمية'. لافتا أنه من ضمن السلبيات أيضا أن المادة لم تنص علي التزام الدولة بالإنفاق علي القطاع الصحي بنسبة من الموازنة لا تقل عن متوسط النسب العالمية، وهذا الأمر يدل علي استمرار عدم اهتمام الدولة بصحة الشعب إذ إنه لا يمكن تقديم رعاية صحية حقيقية بدون انفاق مناسب، أما عبارة 'تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومي' فإنها عبارة هلامية لا تحمل أي ضمانات. مؤكدا ان الدولة تنصلت ايضا من رعايتها للأمراض المزمنة التي تعصف بصحة الشعب و قد تحتاج لزراعة الأعضاء، حيث لم تذكر المادة اي شيء عن هؤلاء المرضي الذين يتجاوز عددهم الملايين. وأضاف: و هذا بدوره سوف يؤدي إلي نفس السياسات الفاشلة الموجودة حاليا في الإشراف علي القطاع الصحي وسيمكن المنشآت الصحية من اشتراط المقابل المادي قبل علاج حالات الطوارئ و الحوادث. واتفق معه الدكتور محمد حسن خليل المنسق العام للجنة الدفاع عن الحق في الصحة مشيرا إلي أن مصر تعتبر من اقل الدول انفاقا علي الصحة حيث لم تتعد موازنتها 4.9%. وأشار خليل الي ان المادة الخاصة بالرعاية الصحية في الدستور جعلت الصحة وكأنها هبة للفقراء بدلا من أن يجعلها حقا لجميع المصريين، ذلك في الوقت الذي تتعرض فيه صحة المصريين في الفترة الحالية إلي مخاطر مختلفة. وأشار خليل إلي أن نص المادة الخاصة بالرعاية الصحية اكد مسئولية الدولة عن صحة غير القادرين فقط، بينما أغفلت مسئولية الدولة عن صحة الشعب والأطفال وعلاقة الصحة بالتنمية وبتكوين شباب صحيح قادر علي الدفاع عن الوطن. واتهم خليل الحكومة، بالاستمرار في تعويق الحق في الصحة، بسبب تخصيصها أقل من ثلث الحد الأدني من الإنفاق الضروري، لافتا الي عدم نص المادة علي النسبة المحددة للصحة واكتفت بكلمة 'كافية' وهذا ما يعد استمراراً علي الوضع الحالي. مضيفا أن الحل الآمن للخروج من هذه المعوقات والتي يشهدها المواطن المصري اثناء علاجه هو تحقيق المطلب الشعبي بتخصيص 15% علي الأقل من الإنفاق الحكومي للصحة، إلا ان الحكومة الحالية قامت بتخفيض الإنفاق علي الصحة من 4.9% العام الماضي إلي4.7% العام الحالي.ليس ذلك فقط بل يأتي دستور ثورة 25يناير ليضع الوضع علي ما هو عليه دون تحديد لموازنة الصحة، أو حتي النص علي ما يتناسب مع النسب العالمية "والتي ترفض ان تقل موازنة الصحة في اي دولة عن 15%من الموازنة العامة. وأوضح خليل، أن خفض الموازنة ينعكس علي تدهور أوضاع المستشفيات وخرابها وبالذات في أقسام الطوارئ، مما يساهم في ظاهرة الاعتداءات الواسعة علي الأطباء والتمريض في أقسام الاستقبال بالمستشفيات، ولا تكاد تفتح بعد إصلاحها إلا لتغلق ثانية، خاصة في ظل تقاعس حكومي واضح عن توفير قوات من الشرطة أو الجيش لحمايتها أما الدكتور عبد لله الكريوني 'عضو مجلس نقابة الاطباء' فاختلف عن الآراء السابقة ورأي ان مادة الرعاية الصحية في الدستور ستكون هي الحل لحصول المواطن المصري علي حقه في العلاج واصلاح المستشفيات في مصر بل ووصفها بأنها انتصار لما ينادي به الاطباء والمهنيون والمرضي. وأشار الكريوني إلي أن هناك ثلاث نقاط تميزت بها هذه المادة، الاولي وهو نصها علي توفير الدولة لميزانية كافية من الناتج القومي للصحة، وهذا لم يكن موجودا من قبل، حيث كانت الدولة تخفض من نسبة الصحة لتصل إلي3.5% فقط من الوازنة ,في حين ان اغلب الدول تصل ميزانية الصحة فيها إلي12%. وأضاف الكريوني: أما النقطة الثانية، وهي للمرضي غير القادرين فقد الزمت المادة الدولة بتحمل تكاليف تقديم الرعاية الصحية لهم. أما النقطة الثالثة والأخيرة وكما أوضح الكريوني - فتخص حالات الطوارئ والحالات الخطرة حيث ألزمت المادة كافة المنشآت الصحية بأن تقدم لهم الرعاية الصحية مجانا حتي تستقر حالتهم الصحية.. وعلق الكريوني علي عدم نص المادة علي نسبة معينة للصحة قائلا 'إنه في كل دساتير العالم لم يتم النص علي نسب للصحة أو التعليم أو الجيش وإنما هذا يتعلق بالموازنة، كما ان النسب تتغير باختلاف السنين'.