إن وسائل المواصلات العامة بحر ثرى بالموضوعات، وكم من مرات عثرت على أفكار لمقالاتى من خلال أحاديث الناس، ومؤخرا تبين لي أن هذا اتباع لأسلوب علمى ابتكره الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع لمعرفة ما يشغل الرأى العام من خلال ما أطلق عليه اسم خطاب الحياة اليومية، ويشير باختصار لملاحظة تفاعل الأفراد سويا في مواقف الحياة حيث تدل الكلمات والايماءات ولغة الجسد على الكثير من اهتماماتهم. في ميكروباص، استمعت مضطرة إلى فتاة في حوالى العشرين من عمرها ظلت تتحدث عبر الموبايل طوال الطريق، لن أعلق على صوتها المرتفع وضحكاتها الرقيعة وعدم اهتمامها بوجود غرباء!! فالأدهى من ذلك محتوى حديثها مع (صاحبها)، والحكاية باختصار انها تعلل موقف ما بأن أخاها رد (شات) بدلا منها لوجود الموبايل في حوزته، وتستنكر تصرفه، وتلوم صاحبها على سذاجته وعدم شعوره بالمكيدة وتجاوبه إلى حد طلب لقائها!! مع محاولة - في الوقت ذاته - لاسترضائه حتى لا يغضب من اضطرارها لعدم مقابلته خلال الأيام القادمة!! ووسيلتها لتنل رضاه أن تنعت أخاها بالغباء والتخلف!! ولن تصدقوا كم عبارة كررت خلالها ذلك!! مع صفات أخرى بألفاظ أستحى من كتابتها. وحينما أنهت المكالمة، اتصلت بصديقتها لتحكي لها تفاصيل ما حدث، مع التأكيد أنها لن تتواصل معه (شات) وستكتفى بالمكالمات الصوتية حاليا، وإن كنت لم أفهم تماما معنى ذلك الحرص!! ضايقتني، وأثارت غضب كل الركاب، ليس فقط لأسلوبها المائع وكلماتها المتدنية واختراقها حق الآخرين في عدم سماع تلك البذاءات، وانما لافتقادها قيمة خلقية أساسية ألا وهى احترام الأخ والحرص على سيرته وعدم السماح لأحد بالتطاول عليه أو ذكره بسوء. وددت لو التفت إليها منبهة إياها لما ترتكبه في حق نفسها وحق أخيها وأسرتها وكل من يستمع لتلك المحادثة، لكن عقلي أبى أن أنفذ ذلك هامسا لي بتساؤلات (هل تبينت نوع التربية التي تلقتها تلك الفتاة؟! من لم تتردد في توجيه السباب لأخيها الغائب هل ستستمع إلى كلماتك باحترام؟!) حقا، لقد توارت الأخلاق وضاع الحياء!!