عندما كنت صغيرة.. كانت هناك صديقة لأمي عليهما رحمة الله، يوماً ما أتتها منهارة من البكاء لتشتكى لأمي من زوجها الضرير أن شكوكها تأكدت لها أنه على علاقة عاطفية بقريبتها المطلقة اللعوب والتي تقع فريسة للديون والمساومات، في حين أنها على شبه قطيعة معها بسبب سوء سلوكها، حينما استمعت إلى محادثة هاتفية بينهما يعرض من خلالها عليها الزواج وكيفية الترتيب لذلك حال أعلن الخبر بين الأقارب والمعارف.. وللحق..اندهشت كثيراً من كونه ضريرا، ومتزوجا ولديه اللهم بارك من الأبناء سبعة وفوق ذلك أيضاً له معجبات !! بدرت إلي ذهنى وقتها كذلك قصة حب وزواج الأديب طه حسين من سوزان زوجته الفرنسية، وكيف كانت تحبه وتقف بجواره وتدعمه! عقلي الصغير وقتها لم يستوعب ما الذي يجعل امرأة تقع في حب رجل ضرير أو العكس؟! وما الذي يجعل ذلك الضرير يتعلق بها بهذا الشكل رغم أنه لا يري بعينيه ملامحها، جمالها، محاسنها وأنوثتها؟!! وللأمانة.. وقبل أن أمتهن مهنتى الإصلاحية هذه وقبل أن أدعمها بالدراسة لسنوات وأتخصص فيها وتكون محور أبحاثي ورسالتي التي أعددتها للحصول على درجة الدكتوراه، فكان هذا الموقف من الأسباب القوية التى تلقيت من خلاله أولى دروس "التوجيه والإرشاد الأسري والزواجي" من أمي بعد متابعتى وقتها لرد فعلها، فكنت أتعلم من الموقف الواحد عدة دروس، ولم لا وقد تربيت بين حكيمتين هما أمي وجدتى لها، رحمة الله عليهما ؟!!!..حيث أن أمي حينها تركت صديقتها تفرغ طاقتها في البكاء والكلمات الرافضة للحدث، بعدما قامت واحتضنتها وهدّأت من حنقها وغضبها وسقتها عصير الليمون المهديء..سألتها الصديقة والحزن يملأ عينيها وصوتها: قوليلي أعمل إيه؟!! فسألتها أمي: هل واجهتيه؟! فردت: لا.. هو أنهي المكالمة وخرج مع السائق الخاص به إلي مكتبه، وأنا خرجت بعده مباشرة مهرولة إلى عندك.. وبهدوء شديد واختصار ردت أمي عليها: (أسمعيه ما تسمعه هي له)! وباندهاشة نظرت إليها صديقتها وكأنها لم تفهم معنى الجملة أو المقصد منها، ورأيتها وقد صمتت وصمت معها ضجيج الاعتراض الهامس منها في المكان للحظات تأهبت أنا فيها مثلها على شوق لأستمع إلى شرح أمي لمعانى تلك الكلمات المختصرة.. ثم بدأت أمي تفسير الجملة وسرد نصائحها الرائعة لصديقتها..فقالت: نعم، أسمعيه حلو الكلام، فزوجك ضرير وقلبه وعينه في أذنيه يري ويسمع معاً بهما، وقريبتك ذكية وعرفت كيف تستميل قلبه إليها بأعذب الكلمات التي يفتقد سماعها منك أنت بسبب انشغالك بالإنجاب والأولاد، هى لاحظت احتياجه ونقاط ضعفه، هي متفرغة وانت منشغلة، هي في حاجة لمن ينتشلها من معاناتها المادية حتى لو كذبت عليه بكلمات الحب المغشوشة..وأنت زوجته حبيبته وأماً لفلذات كبده وفرصتك في التقرب إلى قلبه وكيانه أكبر بكثير، زوجك يبحث عن الكلمات التي يحبها بالخارج لافتقاده لها بالداخل، وهو لم يقصر معك في المشاعر ولا الماديات و باعترافك، هو رجل محترم وميسور ومتعلم ووسيم وبه من الصفات الطيبة ما يجعله مطمع لكثير من النساء وخاصةً التى في حاجة إلى المال، فإن لم تستطيعين الحفاظ عليه فلا تلومن إلا نفسك.. ثم لو أنه عزم النية على الزواج من أخري لأهداف خيرية فلا تحولي حياته إلي جحيم، ولكن يجب نصيحته باختيار العفيفة المحترمة، إفعلى ما عليك لله وفي النهاية لن يتم أمر إلا بأمر الله.. *عن قصد وددت أن أذكر هذه القصة للإشارة إلي أمر هام جداً أصبح هذه الأيام من الأسباب القوية لعدم استقرار العديد من البيوتات المصرية والعربية بل تصل أغلبها إلى الطلاق وانتشاره بشكل مخيف وخاصة بعد توغل وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي وإهدار الكثير من الأزواج والزوجات الوقت عليها..ألا وهو "الصمت الزوجى" وعدم التواصل الدائم من قريب أو من بعيد، وبالتالي أصبح هناك فتور عاطفي وفتور في المعاملات بين العديد من الأزواج والزوجات، حتى لو كان كل منهما يكن للأخر مشاعر طيبة ومحملة بالمودة والحب إلا أن عدم التعبير عنها يصنع فجوة بينهما، وكلما زاد الصمت، كلما اتسعت الفجوة وافتقد كل طرف لأجمل مشاعر تساعده على الاتزان النفسي وملء الفراغ العاطفي الذي يحتاجه كل إنسان من شريك حياته.. فالزوجة تحتاج احتواء الزوج بكلماته و ربتاته اللطيفة، باحتضانه لها في جميع حالاتها النفسية السيئة كانت أو المستقرة، تحتاج أُذن الصديق التي تصغي لحديثها حتي وإن كان الحديث تافهاً من وجهة نظره، تحتاج إلي كلمات الغزل التي تعطيها الثقة بنفسها وتزيد من تعلقها به..وكذلك الزوج فهو يحتاج من زوجته كل ما سبق واحتاجت هى إليه.. فالحديث الحديث أوصيكم حلوه وما أدراكم؟!! فهكذا العشق ينبع وهكذا ينمو وينضج، فالأذن تعشق قبل العين أحياناً، وعذوبة الكلمات وروعتها لها وقع على النفس ما أروعه، فإن من البيان لسحراً.. قال تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..." فاتقوا الله في أنفسكم وما خُلق منها، إتقوا االله في "الميثاق الغليظ" ! ولا تتركوا آذان أحبتكم لحلو الكلام الطائش الملوث بسموم مدسوسة من شياطين الإنس والجن والعياذ بالله، ولا تستهينوا أبدا بقيمة الحوار الدائم وكلماته وهمساته اللطيفة التى قد تصل بمشاعر الزوجين إلى عنان السماء، فبإهمالها تذبل النفس وتُطمس الروح وقد تهوى بعيداً عن المحبوب إلي سابع أرض.. اللهم أصلح أحوال وبيوت الأمة العربية والإسلامية، وقو اللهم أواصل المودة والرحمة بين الأزواج والزوجات واهدهم لما تحب وترضي. ................................................................... للتواصل.. وإرسال مشكلتك إلى الدكتورة / أميمة السيد:- [email protected] مع رجاء خاص للسادة أصحاب المشاكل بالاختصار وعدم التطويل في رسائلهم.. وفضلا..أى رسالة يشترط فيها الراسل الرد فقط عبر البريد الإلكتروني فلن ينظر إليها..فالباب هنا لا ينشر اسم صاحب المشكلة، ونشرها يسمح بمشاركات القراء بأرائهم القيمة، بالإضافة إلي أن الجميع يستفيد منها كتجربة فيشارك صاحبها في ثواب التناصح. ............................................................................................. تذكرة للقراء:- السادة القراء أصحاب المشكلات التى عرضت بالموقع الإلكترونى.. على من يود متابعة مشكلته بجريدة المصريون الورقية فسوف تنشر مشكلاتكم بها تباعاً يوم الأحد من كل أسبوع..كما تسعدنا متابعة جميع القراء الأفاضل.