الأستاذة الفاضلة أميمة ربما تكون رسالتى عجيبة فليس لدى مشكلة أطرحها بقدر ما لدى تجربة أود أن أشاركها مع القراء فربما تكون محفزا لليائسين ورحمة للقانطين ودليلاً على أن الله يمنع الشىء بقدر وحكمة ويضع الرحمة فى باطن الابتلاء. ولدت ابنًا بكراً لأسرة من ثلاث أخوات وأم فاضلة وأب موظف براتب معقول، فعشنا مطلع حياتنا فى استقرار وكان أبى حنونًا يضع آماله فى أسرته فربانا جزاه الله خيرًا على حب العلم والدين وعلى التفوق وكان رحمه الله على خلاف مع والده(جدي) فلم يكن يذكر عنه شيئا وكانت علاقتنا مع باقى أهل أسرة أبى منقطعة لسبب لم نعلمه ولم نهتم فى طفولتنا فى ظل حنان الأب واستقرار المعيشة، ثم كان التحول الفاصل العجيب عندما مات جدى وورث أبى عنه ثروة لا بأس بها فمارس بها التجارة ونجح فيها ونقل نفسه من مجرد موظف إلى تاجر مرموق وكان مقدم الدنيا بزينتها علينا سلبيًا فنتيجة طبيعة عمله الجديد قلت الأوقات التى يقضيها معنا وصار يقضى ليالى كاملة بعيداً عن أمى وأخوتى وابتلاه الله بأصدقاء السوء المنجذبين إلى أمواله فزينوا له الحرام من المخدرات فسقط فى قبضتها وساءت معاملته لأمى وكنت فى ذلك الوقت فى منتصف فترة المراهقة وأخواتى البنات فى مطلعها ونحتاج إليه كثيراً فحاولت محاورته فما كان منه إلا نهرى وضربى أمام أمى وأخوتى وفوجئنا بمن يبلغنا بزواجه من أخرى على أمى التى حزنت حزنا شديداً وكثيراً ما كنت أراها تبكى بعيدا عنا حزنا على الزوج الذى أفسده المال ثم كانت الفاجعة الأخيرة بهروب أبى مع زوجته الجديدة وعلمنا أنه وقع فى ضائقة مالية فى تجارته وحاصرته الديون فوجد فى الهرب حلاً تاركاً أولاده بلا مورد تقريباً وفى مرحلة حرجة من حياتهم والله ما كرهت المال قدر ما كرهته تلك اللحظة فهو الذى بدل أبينا الحنون الفاضل بشخص آخر أنانى فظ مدمن وغادر. وباختفاء أبى واجهتنا الحياة بطلعة جديدة وحشية فقد تركنا فى مراحل تعليمية مختلفة ولم نكن نملك من الدنيا سوى منزل بالإيجار وأم رءوف رزقنا الله بها فقامت بتدبير حياتنا ببيع بعض حُليها الذهبية على أن ذلك لم يعيننا سوى لفترة قصيرة وكنت فى تلك الفترة قد أنهيت امتحان الثانوية العامة وعلى الرغم من كل الظروف حصلت على مجموع جيد والتحقت بكلية من كليات القمة وشجعتنى أمى بقولها أنها ستبيع عينيها مقابل أن أكمل فى الكلية العملية التى تحتاج إلى نفقات عالية ولكن كان لله مراد آخر فاعتلت أمى وسقطت طريحة الفراش واحتاجت لعملية فى معدتها بعنا فيها كل مصاغها ولن أنسى ترددى على أعمامى لمساعدتنا وقولهم لى أبحث عن أبيك. ونتيجة الظروف الجديدة اضطررت لترك كليتى والالتحاق بكلية نظرية فى المدينة الإقليمية وبحثت عن عمل فى إحدى محطات البنزين القريبة منا وصرت عائلاً لعائلتى وعلى الرغم من أنى كنت أعمل من السابعة صباحًا إلى التاسعة مساءً إلا أن المرتب بالكاد كان يمنحنا الطعام ولن أنسى أبداً أحد أيام رمضان التى لم نجد فيها إفطاراً سوى بضع تمرات وكنت فى ذلك اليوم شديد التبرم بالأب الهارب والفقر فى المعيشة والعمل المرهق والمستقبل الضائع ولاحظت أمى ما بى فوضعت التمر فى فمى وقالت لى: "إن حلال التمر وإن قل أبرك من حرام اللحم وإن كثر وإن المال لا يمنع عنا التعاسة أوالمرض". فى ذلك اليوم ظللت ساهراً إلى الفجر وتحول ضيقى وبرمى إلى دعاء بأن يكشف الله الضر عنى وبصدق الدعاء مرت الأيام واستكملت دراستى النظرية بجوار عملى الذى ترقيت فيه بالاجتهاد من مجرد عامل إلى مشرف إلى إدارى بتخرجى ثم رزقنى الله بالعمل فى دولة خليجية وببركة دعاء أمى حبب فى صاحب العمل العربى ففوضنى فى إدارة مؤسسة تعمل فى ملايين وزوجت إخوتي وجعلت أمى تحج وكلما زاد المال فى يدى كانت أمى تذكرني: "المال لا يصنع السعادة وإنما تصنعها تقوى الله والحدب على الناس والمعاملة الحسنة".. ورزقنى الله من حيث لا أحتسب بدخولى شريكاً مع صاحب العمل العربى, وزواجى ورزقت بأولاد وفى رمضان الماضى وأنا محاط بكل زينة الدنيا كانت أمى تفطر أولادى بتمرات ونظرت لى نظرة ذات مغز فمر شريط حياتى أمامى وعلمت أن ما نعتبره أحياناً أنه نعمة قد يكون نقمة وما نخاف منه قد يكون بوابة رحمة الله وأن الابتلاء أحياناً لا يكون منه إلا كل خير. (الحل) يااااااا الله... والله يا أخى الكريم لقد بكيت كثيراً عند قراءتى لرسالتك فى المرة الأولى، ولقد أعدت قراءة القصة أكثر من مرة, فبالفعل "ربما منعك ليعطيك" وما شاء الله لا قوة إلا بالله دائماً ما يكون عطاء الله أكبر من تصورنا وأمانينا, قصتكم رائعة ومؤثرة ورحيمة بقلوب القراء, ولذلك لن أطيل ولن أسهب فى الحديث عنها فسأذهب لأجلس هذه المرة فى مقاعد القراء وأترك لقرائي الكرام وكما طلبت أخى، وبنفس العنوان الذى اخترته أنت لقصتك "أيام التمر " ذلك القلب الكبير والكريم الذى تحمل مسئولية أحبابه بكل حب وكرم فعوضه الله بذلك خير عوض وخير جزاء, ليقرءوا عنه ويعتبروا منه ويتناقشون ويضيفون كالعادة حلو كلامهم, ولا أنسى الدعاء لوالدك وجدك بالرحمات ولأمك العظيمة بالعمر الطويل والسعادة وبعدها بالفردوس الأعلى ونحن جميعاً معها, أترككم لتفتحون قلوبكم معنا بالخير و للخير جميعاً بباب "أفتح قلبك ". لإرسال مشكلتك والتواصل مع الأستاذة أميمة السيد [email protected]