تناولت فى مقالى السابق سلوك أحد الفنانين تجاه الأوبرا المصرية، ووصلنى صدى المقال مؤيدا من أغلب القراء، فالأوبرا المصرية أو كما أسميها دائمًا قلعة الفن الراقى تمنح كل فنان يقف على مسارحها شرفًا وفخرا بمشاركته فى حفلاتها، والجمهور يرفض ويشجب أى مساس بذلك الصرح الثقافى العملاق، ومهما كان تاريخ الفنان وجماهيريته فمن غير المقبول أن يتطاول على الأوبرا المصرية أو يتعالى على جمهورها. ولعل ما حدث منذ سنوات بعيدة مازال عالقًا فى أذهان الكثيرين، تلك القصة المتعلقة بمطرب عربى اكتسب شهرته ونجاحه من أرض مصر، عبر حفلات ليالى التليفزيون فى التسعينيات، والتى جعلت منه نجما من نجوم الصف الأول فى العالم العربى بأكمله، وتتلخص الحكاية فى اعتذاره – بعد الاتفاق – عن المشاركة بحفل تقيمه الأوبرا متذرعا بمرض مفاجئ ألم بابنه ويستدعى سفره العاجل، وتم قبول اعتذاره تقديرا للظرف الإنسانى الطارئ، ثم اكتشفت إدارة الأوبرا أن اعتذاره جاء نتيجة إحيائه حفلا خاصا بأحد فنادق القاهرة فى نفس التوقيت!! وعلى الفور عرض اللواء الدكتور سمير فرج – رئيس مجلس إدارة الأوبرا حينئذ – الأمر على أعضاء مجلس الإدارة، وصدر قرار بمنعه من الغناء على مسارح الأوبرا المصرية، واستمر القرار ساريا حتى نجحت المساعى فى عهد الدكتور عبد المنعم كامل فى إتمام الصلح مع الأوبرا، وأحيا الفنان حفلا - لم تتحمل الأوبرا سوى أجور أعضاء الفرقة - متبرعا بأجره كاعتذار عما سبق. فالأوبرا حينما منعته لم تكترث بنجوميته وكونه واحدا من أهم الأصوات العربية، والديوان الناطق لأشعار نزار، ورمزا للرومانسية وتقديس المرأة، بقدر اهتمامها بإرساء مبدأ احترام الأوبرا المصرية. إن المؤسسة الثقافية الأولى فى مصر التى تحمل على عاتقها مهمة الحفاظ على الإرث الثقافى المصرى المتراكم عبر حقب التاريخ، وحماية تراث هذا الوطن، وصون هويته الثقافية، ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده، وتنمية قيمة التذوق الفنى للارتقاء بالذوق العام، ومجابهة قيم التدنى والابتذال والسوقية لا يمكنها التنازل لإرضاء أهواء شخصية لفنان مهما علا قدره. إنها الأوبرا المصرية قلعة الفن الراقى وآخر حصونه.