عادت الأنوار تتلألأ فوق جبل المقطم، وتحديدا أعلى جدران قلعة صلاح الدين،لتضفى على أجوائها الأثرية سحرا خاصا، فى الموعد السنوى الذى يترقبه الشعب المصرى الكادح كأنه ينتظر ليلة العيد، وهو بالفعل عيد فنى وعرس ثقافى، إنه مهرجان القلعة للموسيقى والغناء الذى تقيمه دار الأوبرا المصرية، ويعد من أقدم مهرجاناتها حيث بدأ عام 1989 واستمر حتى الآن. وفى الدورة الحالية (27) نجحت معالى وزير الثقافة الدكتور إيناس عبد الدايم فى تحويله إلى مهرجان دولي تشارك به فرق من دول عربية وأجنبية من أجل إثراء المهرجان بألوان مختلفة من الفنون، وتقديم وجبة فنية متنوعة للجمهور، فأصبح ملتقى عالميا على أرض مصر، تتعاون كل من وزارتى الأثار والثقافة لإظهاره بالشكل اللائق بمصر مهد الحضارة والتاريخ، ولا يخفى على أحد الدرب الذى تتبعه الأوبرا للوصول إلى كافة الطبقات الاجتماعية، من خلال بيع التذكرة بسعر رمزي لتيسير حضور االجمهور الذى يصعب عليه الذهاب إلى دار الأوبرا. إن المهرجان ملاذ للبسطاء من الناس، ينتظرونه بكل شغف وشوق للاستمتاع بفن راقى، وإذا كان الإقبال الجماهيرى مؤشرا دالا على نجاح المهرجان، فإن قدرة مسئولى الأوبرا برئاسة الدكتور مجدى صابر علىإقناع المزيد من كبار نجوم الغناء والطرب مثل الحجار، خالد سليم، الحلو،نادية مصطفى، ومدحت صالح وغيرهمبالانضمام والمشاركةهىمؤشر آخر على قيمة المهرجان ومكانته. ولقد فاجأت الأوبرا جمهورها هذا العامبمشاركة الفنان هانى شاكر لأول مرة فى حفلات االقلعة، ولن أطيل فى الحديث عنه، فالجميع يعلم تاريخه ومكانته الفنية (بلاأىتحيز رغم أننى من عشاقه)، والقلم يقف عاجزا عن وصف ما يمنحه لجمهورهمن فرحة، حيث يتسلل احساسهويسلك طريقالا مرئياليسكن قلوب جماهيره ويمنحها البهجة !! إنحالة الهانى شاكر - كما أسميها – تلقى بظلالها وتدغدغ مشاعرالجمهورلتأخذه إلى آفاق لا متناهية من الرقى والسعادة. حالة من الإبداع صنعها مشوار طويل من العناء والمثابرة والاجتهاد امتد منذ السبعينات وحتى الآن ليؤكد أن الفن الأصيل لا يرتبط فقط بالزمن الجميل لكنه قادر على خوض الصراع ضد الابتذال والاسفاف والتدنى ليخرج منتصرا. ها هو أمير الغناء العربى يقف شامخا متواضعا متألقا بشوشا يجنى ثمار نجاحه وسط جمهور من البسطاء الكادحين (الشقيانين) الذين يحلو للبعض اتهامهم بضحالة ثقافتهم وتدنى أذواقهم وتفضيلأغانى(المهرجانات)والموسيقى(النشاز) المزعجة للرقص ب(السنجة والمطواة)فيما يطلق عليه ثقافة (التوكتوك)!! ثم جاء مهرجان القلعة ليثبت أنها اتهامات زائفة، وادعاءات باطلة يبرر بها (مدعى الفن) ما يقدمونه من اسفاف هابطيصفونه بالفن الشعبى، ويحاولون إلصاقه بالجمهور عنوة، ليعلن جمهور القلعة بحضوره أنه ذواق للفن الجميل، ويقبل عليه إذا سمحت له ظروف وصعوبات الحياة. ولابد من الاشارة للمجهود المضنى الذى يبذله فريق العمل بالأوبرا المصرية لفرض الأمن والنظام والانضباط والسيطرة على جموع مكتظة قد ينقصها أحيانا الوعىبضوابط ومعايير حضور الحفلات خاصة بالمناطق الأثرية، فتحتاج إلى توجيه يستلزم اللباقة وضبط النفس ممن يوجهها،مع الحرص فى نفس الوقت على توفير سبل راحة الجمهور وإرضائه ، وهذا ما تم القيام به على الوجه الأكمل. سأظل أردد دائما أن الأوبرا هى قلعة الفن الراقى وآخر حصونه، ومازالت تحمل رسالتها الثقافية لحماية حضارة وتاريخ هذا الوطن، وأفخر كثيرا كثيراكثيرابانتمائى لها. كذلك سأحكى بكل فخر – فى يوم ما - لأولادي واحفادي أننى قد عشت فى زمن هاني شاكر.