لفت انتباهى فى الفترة الأخيرة سيطرة أنماط سلوكية متناقضة تنتهجها بعض الفتيات اعتقادا انها تضفى عليهن طابعا مختلفا ومتميزا!! النمط الأول يتجلى بوضوح فى تلك الفتاة المفرطة الرقة والنعومة، اهتمام بالغ بالمظهر، تسريحة الشعر، الملابس الأنثوية، والمكياج المتقن وغيرها من الأمور التى تتقنها الفتيات، لكني لا أفهم سر ارتباط الأنوثة لديهن بادعاء عدم إجادة اللغة العربية بالرغم أنها اللغة الأم، تعمد استخدام كلمات من لغات أخري مع ادعاء التفكير للحظات وكأنها فى حيرة لعدم وجود مرادف لها فى اللغة العربية – وهذا غير صحيح – أو النطق بشكل ممطوط سمج على سبيل الدلال، واستبدال الضاد بالدال، والقاف بالكاف على نمط (أنت الكلب الكبير) فى سيدتي الجميلة!! وعلى النقيض تتعمد أخريات التعامل بخشونة وصلف وفظاظة، والتكلم بألفاظ فاحشة قبيحة نابية مع أسلوب (التطجين) الذى لقنته السينما للمشاهدين كرمز للطبقات الأدنى، والتظاهر بكل ما هو وقح وكأنهن مؤمنات أن البذاءة قوة !! وقد تضيف إلي كل هذا إهمال المظهر الخارجي، أو ارتداء ملابس بنمط رجالي. والأغرب من ذلك أن بعض الفتيات يتبعن خليط من النموذجين، الحرص على المظهر الأنثوي فى الملابس والشعر والزينة، لكن ينتهجن منهج الخشونة فى الكلام والسلوكيات!! فى النموذج الأول تظن الفتاة أنها كلما أفرطت فى دلالها زادت أنوثتها، والواقع أن الدلال صفة تزين الفتاة لكن يفصلها عن الميوعة خيط واه إذا تعدته تحولت إلى كائن مائع بغيض، وأتذكر فى هذا الصدد كلمات العراب (عبقرية هي الفتاة التي تجيد التفرقة بين الدلال والميوعة، لو قابلتها يا بني فلتتبعها إلى آخر العالم). أما عن النموذج الآخر، والتى يمكن تسميته ب (المسترجلة) فإنه يفقد الفتاة الكثير. فالفتاة تفقد سحرها وجمالها بالتصرفات الفظة والصوت العالي، وتضيع رقتها بين ركام السوقية التى تغرق نفسها داخله ظنا منها أن هذا الاختلاف يجعلها أجمل. أتذكر أننى قرأت يوما مقالا يسرد رد فعل العقاد حينما ظهرت قصة الشعر المعروفة la Garçonne وانتشرت بين الفتيات في عصره فسمي من تتبعها ب(الغلامة)، فهى في رأيه قد تخلت عن مظهر أنوثتها!! ترى، ماذا لو عاش وشاهد سلوك الفتيات فى عصرنا هذا؟! أما النموذج الثالث (الخليط)، فهى فتاة فى مظهرها الخارجي، وصبى مشاكس فى سلوكياتها، فلم تعد هناك سمة تميزها!! لقد كان أحمد خالد توفيق بارعا ودقيقا حينما كتب (الهيبة الأنثوية وجلال الأنثى، هذه أشياء تفسدها الأنثى بنظام الضرب والمعلمة وكفك، تتظاهر بأنها ظريفة خالية من العقد فتفسد كل شئ). لا أعتقد أن قاسم أمين حين دعا لتحرير المرأة كان يقصد هذه السخافات، فقد كان يسعى لتحريرها من العزلة والجهل، كان يطالب بحقها فى الخروج والتعليم والعمل والمشاركة فى المجتمع كفرد واع، ولم يرغب فى تخليها عن أنوثتها، وتحويلها إلى مسخ. لقد عبرت أخت هارون الرشيد تعبيرا موجزا بقولها (نحن نساء مع رجالنا، رجال مع غيرهم)، مما يعنى إدراك متى تتسم المرأة بالرقة وتستمتع بالدلال، ومتى تختار الصلابة والصرامة نبراسا. أيتها الفتاة، تمسكي بأنوثتك فى مختلف مراحل حياتك، احتفظى بما يميزك، لا تتنازلى عنها أبدا، يمكنك أن تحتفظى برقتك وقوتك في آن واحد، كوني رقيقة دون ميوعة، كوني جادة قوية بلا خشونة، اعلمي أن التهذيب وسمو الأخلاق والسلوك الحسن صفات تزيدك جمالا وقيمة، ومن يحاول ان يقنعك بعكس ذلك هو فى الواقع يسلبك حقك فى التميز، كوني أنثى متوازنة مهما كان عمرك أو عملك، كوني أنت.