أثبت علماء النفس ان هناك اختلافا واضحا بين سلوك الذكور وسلوك الإناث، مما اقتضى ان نتحدث عن عقل ذكورى تنظيمى وعقل أنثوى تعاطفى. وهنا سؤال يطرح نفسه، ما هى الآليات الكامنة وراء هذا الاختلاف ؟ يرجع معظم الباحثين هذه الاختلافات الى تأثير العوامل الثقافية التربوية المكتسبة التى تعرف باسم التنشئة و التى تعمل على أرضية من العوامل البيولوجية الخلقية وهى الفطرة، وأصبح المطلوب معرفة مدى تأثير كل من هاتين المجموعتين من العوامل، وتحديد أيها أكثر أهمية. إن الاسلوب العلمى لمعرفة ذلك، هو أن نقوم بتنشئة مجموعتين من الصغار، إحداهما من الذكور والأخرى من الإناث، بأسلوب تربوى متماثل لا نفرق فيه بين الجنسين، فإذا نشأ الذكور والإناث وتبنوا سلوكاً متشابهاً أثبت ذلك سيادة دور التربية، وإذا نشأوا متمسكين بالفوارق السلوكية بين الذكور والإناث، أثبت ذلك سيادة دور الفطرة.. ولكن، كيف نوفر مثل هذه الظروف التربوية المتماثلة وأين نجد على كوكبنا هذا مجتمعاً يقبل تنشئة ذكوره وإناثه بنفس الأسلوب ؟!! لقد أتاحت إسرائيل للباحثين هذه الفرصة ! وذلك فى المزارع الجماعية الإسرائيلية المعروفة باسم «الكيبوتس»، حيث يتم تجميع المهاجرين الجدد لتدريبهم على نمط الحياة فى المجتمع الجديد، وتقوم إدارة هذه التجمعات «وليس الوالدان» بتنشئة الصغار، ويكون ذلك دون أى تفرقة بين الجنسين، فمثلاً يرتدون فى المدرسة وخارجها نفس الملابس، ويلتزمون بنفس قصة الشعر، كما يمتنع توجيه أى تعليمات للأطفال تظهر التمايز الجنسى، مثل لا تبك كالبنات ولا تتسلقى الأشجار كالأولاد، ويمتنع تشجيع البنات على اللعب بالعرائس وكذلك لعب الذكور بالمسدسات والسيارات، ويتركون جميع الأطفال يختارون مايشاءون من ألعاب. وهكذا... وتوقع المسئولون عن هذه التجمعات أنه بمرور عدد من الأجيال ستتلاشى الفوارق بين الذكور والإناث وتصبح ذكرى ! لكن لا شىء من ذلك حدث، فبالرغم من مرور أربعة أجيال، مازال الأطفال يكبرون وهم حريصون على ممارسة دورهم الفطرى كذكور وإناث. فما أن يصل الفتيان والفتيات إلى المدرسة الثانوية حتى يختار معظم الأولاد دراسة العلوم التطبيقية والرياضيات، وتختار معظم الفتيات دراسة العلوم الإنسانية واللغات، وهو النمط المميز لكلا الجنسين. وبعد سنوات قليلة تندفع الفتيات بشدة لممارسة دورهن كأمهات، بالرغم من غياب من يتعلمن منه الأمومة. هكذا أثبتت الخلفية البيولوجية الفطرية غلبة دورها على العوامل التربوية فى تشكيل مشاعرنا وسلوكياتنا كذكور وإناث. وهنا يفرض السؤال التالى نفسه، وماهى تلك العوامل البيولوجية التى تحدد توجهاتنا العقلية والسلوكية الجنوسية ؟ الإجابة هى، إنها بنية العقل وطريقة أدائه لوظائفه، فقد ثبت يقينا ان هناك اختلافات جوهرية بين مخ الذكر ومخ الأنثى. فمراكز مخ الذكر قليلة التواصل ببعضها، كما أنها تركن إلى الراحة فى أثناء النوم، بخلاف مراكز مخ الأنثى شديدة التواصل والتى تستمر فى عملها خلال النوم ! وكذلك تتفوق بعض المراكز المخية فى الذكور عن الإناث وبالعكس، فنجد الذكور أكثر تميزاً فى الرياضيات وإدراك الفراغ والتخطيط وأنشط جنسياً، بينما تكون الإناث أمهر لغوياً وأقدر على إدراك ما يدور فى عقول الآخرين، وذلك بالاضافة إلى فوارق أخرى كثيرة. والسؤال الأخير (الذى يفرض نفسه أيضا) هو، ما سبب هذه الفوارق فى بنية المخ ؟ الاجابة هى، أنها الجينات ثم الهورمونات الجنسية التى تفعل فعلها فى الجنين. فالمدهش، ان جنس الجنين الأصلى (فى كلا الجنسين) يكون أنثى !!!، فإذا كان الجنين ذكراً تسببت جينات الذكورة فى إفراز هرمونات الذكورة فى الجنين، مما يحول الأعضاء التناسلية الأنثوية الأصلية إلى أعضاء ذكورية، كما يحول بنية المخ الأنثوية الأصلية إلى بنية ذكورية، أما إذا كان الجنين أنثى ظلت الأعضاء التناسلية الأنثوية وكذلك بنية المخ على هيئتها الأنثوية. معنى ذلك ان الأنثى هى الأصل... وكأن الله عز وجل الذى كرم الذكورة بأن جعل آدم عليه السلام هو أول البشر، أراد أن يكرم الأنوثة بأن جعلها أصل كل جنين من البشر، ذكراً كان أو أنثى. سبحانك ربى.. د. عمرو شريف