فى إحدى ورش تصنيع الأحذية من الجلد الطبيعي، وقف «الأسطى» وهو رجل سبعينى، ليلبى طلبات الزبائن فى المعرض الملحق بالورشة التى لم يتبق فيها سوى صنايعى واحد، سألته عن سبب غياب المساعدين، فقال إن أبناءه الثلاثة لم ترق لهم المهنة التى تربوا من خيرها، ولم يشأ أحدهم أن يتفرغ لها أو يعطيها بعض الوقت، كما أن الصنايعية لم يعد الحال معهم كما سبق، خاصة مع منافسة الصينى بقوة للصناعة المحلية، وبالتالى هجروا المهنة، واتجهوا للعمل على التوكتوك الذى يدر دخلا يوميا أكبر بكثير من يومية الصنايعي، تركت الرجل وتصورت حال هذه الورشة بعد «الأسطى» الذى تخرج من تحت يديه تنويعات من أشكال الأحذية التى تضاهى الماركات العالمية. نفس الحال فى ورش تصليح السيارات وورش المشغولات اليدوية والتراثية التى كان يتم فيها توارث المهنة جيلاً بعد جيل، ولعل جولة بسيطة فى خان الخليلى والحسين والأزهر تعكس هذا الواقع الذى أصبح شبحا مخيفا يهدد كل الحرف والصناعات اليدوية والتى تحتاج لعمالة ماهرة يتم تدريبها حتى «تشرب الصنعة» بلغة أهل الحرف،على مدى سنوات. بالطبع التوكتوك أصبح هو الحل لكل مشكلات العمل، فالصبى الذى لم يتجاوز عمره السنوات العشر بإمكانه أن يركب توكتوك ويحصل على يومية تتجاوز مائتى جنيه، وكذلك الشباب المتعطلون عن العمل، ومن يعملون فى مهن تحتاج إلى مجهود، وبالتالى استشرت ظاهرة التوكتوك وتفاقمت حتى أصبحت نمط حياة، يعكس حالة العشوائية والفوضى التى تميز شوارعنا، بل والمجتمع ككل. بدأ التوكتوك فى التسلل على استحياء إلى المدن منذ سنوات، وتجرأ الآن وأصبح يسير على الطريق الدائري، وعلى طريق مصر اسكندرية الصحراوى خاصة فى المناطق الآهلة بالسكان فيه، وأصبح يسير فى الشوارع الرئيسية والهامة، ولنا فى شارع الهرم والذى يضم الأثر الأعظم وهو الأهرامات الثلاث، خير دليل، بالطبع توالى على مسئولية محافظة الجيزة محافظون لا يريدون بذل أى جهد، يزيد الأزمة تعقيدا، لأن من أمن العقوبة من حقه أن يفعل ما يشاء، وهذا بالضبط ما يحدث. المشكلة الآن أن هناك حوالى ثلاثة ملايين مواطن طبقا للتقديرات المختلفة يعيشون على الدخل من التوكتوك بالإضافة بالطبع إلى أسرهم، وهذه كارثة كبري، لأن هذه القوة البشرية إذا ماتم استغلال طاقاتها فى العمل بالصناعات المختلفة لحققنا الاكتفاء الذاتى فى سلع بسيطة للغاية ونستوردها من دول أخرى، الغريب أن وزارة التنمية المحلية كانت قد حددت قيمة للتراخيص وهى 350 جنيهًا تقريبا، على أن يتم تحديد أجرة موحدة فى كل قرية وتحديد خطوط سير لها،. لتكون فى المناطق غير المخططة، وبين القرى وبعضها البعض، وعدم السير فى المناطق الحضرية أو الطرق الرئيسة أو الطرق السريعة أو بين المدن وبعضها البعض، غير أن هذا القرار لم يفعَّل حتى الآن فى كثير من المناطق الحضرية تحديدًا.. البحث عن عمالة حرفية أصبح مشكلة تعانى منها كل الورش وأصحاب الحرف تقريبا، وبالتالى لايتم توارث المهنة، وإذا استمر صاحب الورشة فى حرصه على العمل حتى آخر يوم من عمره، فإن الورثة سرعان ما يبيعون المحل، وبعدها يتم تحويل النشاط إلى نشاط آخر، لا يتولى التصنيع فى كل الأحوال... المشكلة الآن أصبحت أكبر من أن تترك «للظروف».. ومن ثم يجب البحث عن حلول علمية وعملية للحفاظ على ميراثنا من «الحرف والمهن»..