وأصحاب المهنة: الدولار السبب في ضياعنا الإسكافي أو "الجزمجي" هو صانع الأحذية يدويًا, يصنع كل فردة من الحذاء بدقة وحرفة, ويعمل عليها أكثر من شخص فيصبح الحذاء اليدوي ذا قيمة عالية ويرتفع سعره. لكن مع المشاكل الاقتصادية في مصر وارتفاع الدولار، وزيادة الأسعار وتغير المناخ السياسي باستمرار دون وضع خطة لتطوير المشاريع الصغيرة والأعمال اليدوية التي كانت توفر فرصًا كثيرة للعمل بدأ يحدث انحدار في عدد العاملين في مجال الصناعات اليدوية وصناعتهم حتى وصلت إلى انقراض بعض تلك الحرف وتهديد أخرى وأصبح العاملون في تلك الحرف يعانون كثيرًا من المشاكل دون الالتفات لهم أو الاهتمام بهم وبحرفتهم. عندما تمر بأحد شوارع قليوب البلد، تجد معمارًا من الطراز القديم داخل أحد الممرات الضيقة التي من الصعب دخول شخصين في نفس الوقت، والسير من هذا المدق بسبب ضيقه الشديد، ولو تجولت في تلك الشوارع الجانبية، تجد كثيرًا من المقاهي والمحلات القديمة, وفي إحدى الحواري الضيقة تجد تلك العقارات التي تهالكت وجهاتها وكسا الصدأ أبوابها ونوافذها وفي أحد تلك المباني القديمة ذات الأبواب الخشبية الكبيرة والدرابزين والسلالم من الطراز القديم تجد ورش تصنيع الأحذية اليدوية. الأسطي "ناصر المحلاوي" 58 عاماً, "جزمجى" أبا عن جد، يحكي لنا عن صعوبة هذه المهنة، قائلا: مهنة الجزمجي هي مهنتى الأولى والأخيرة التي بدأت ممارستها منذ 32 عاما، وإن عشقي للمهنة كان يحول دون اشتغالي بمهنة أخرى. وأضاف: "معرفش اشتغل غيرها ولا حابب أي مهنة ثانية غير مهنتي اللي ورثتها أنا وأخواتي من أبويا ربنا يديله الصحة.. الواحد أحياننا من كتر ما بيحب شغلانة مايعرفش يسيبها ولا عمره يفكر يشتغل شغلانة تانية غيرها حتي لو مكسبها مبقاش زي الأول". ويقول ناصر: المهنة انقرضت لأن الآباء لم يعلموا أبناءهم المهنة، ولم يورثوها لهم، فضلاً عن ارتفاع أسعار الخامات بشكل مبالغ فيه، حيث ترتفع أسعارها يوميًا وارتفعت تكاليف صناعة الأحذية، واتجاه معظم أصحاب المهنة لفتح محلات لبيع الأحذية الجاهزة، وهذا تسبب لموت فعلي لعدم دخول أجيال جديدة ورفض الجيل الجديد استكمال مهنة الجيل القديم، ومعظمهم تحولوا إلى تغيير النشاط من صناعة الحذاء إلى بيعه. وأضاف: تصنيع الأحذية أصبح أسهل من الممكن أن تنتهى منها فى 10 دقائق، بينما قديما الحذاء الواحد كان يستغرق أسبوعا يتم تصنيعها من الجلد الطبيعي ويتم تعليب النعل وبها شغل يدوى عالٍ. وتابع ناصر: "مهنة صناعة الأحذية مهنة عريقة يمتد تاريخها لأكثر من 150 عامًا، زمان كنا ننافس الأحذية الإيطالي والبرازيلي وهى أحذية متينة وجميلة بعكس الأحذية الصيني التى تعتمد على الشكل والإكسسوارات، وهو ما تجذب الزبون لأنهم فعليا درسوا السوق المصرية ونحن مازلنا نعمل بالأساليب القديمة". وأكمل: "لكن مع فترة الانفتاح الاقتصادي فى نهاية حكم السادات غرقت مصر بالأحذية التي كانت يتم استيرادها عن طريق بورسعيد، واتجه الشباب لارتداء الماركات العالمية التى قامت بعمل دعايات ضخمة لها ما أثر علينا وتسبب فى إغلاق 90% من الورش وتم تسريح آلاف العمال الذين اتجهوا لمهن أخرى". يسرد عم "ناصر" ل"المصريون" مراحل تصنيع الأحذية، «التفصيلجى» هو أول مراحل التصنيع فيقص القماش حسب شكل تصميم الحذاء ويعطيه «للمكنجي» وهي المرحلة الثانية في صناعة الأحذية ومهنته استلام الخامات من «التفصيلجى» لتبدأ المرحلة الثانية وهى تصنيع الوشوش وتركيب «الإبزيمات» وإتمام مرحلة «التقفيل» لتصبح جاهزة «للجزمجى» وهى المرحلة الثالثة حيث يقوم بتركيب «الإبزيمات» والأحزمة الخاصة بالأحذية والمستخدمة كحلي وأربطة للأحذية النسائية، بعد تسلم الوشوش من «المكنجي» يقوم بتركيبها على القوالب لتكون جاهزة لتصبح حذاء. ناصر من أشهر صناع الأحذية في القليوبية أجبره ارتفاع أسعار الجلود وضعف الإمكانيات على وقف إنتاج الأحذية الرجالي، يقول "منذ 20 سنة كانت المهنة لها أهميتها وكان ورش تصنيع الأحذية موجودة في كل مكان، أما الفترة الحالية فلا يتجاوز عدد الورش في المنطقة 3 ورش", يحلم الأسطى ناصر بأن تتجه الدولة لإنشاء مدارس لتعليم تصنيع الأحذية لتحافظ على ما تبقى من المهنة و«عشان متموتش المهنة بموت أصحابها»، مؤكدا أن تصنيع منتج محلى بكوادر مصرية سيوفر دخلاً للدولة من صناعة بسيطة وهامة مثلما يحدث فى إيطاليا وعدد من الدول الأوروبية التى تهتم بالصناعات اليدوية الصغيرة. وأضاف ناصر: اختفى الوجوه الشابة بتلك الحرفة، على الرغم أنها كانت من الحرف التي تدر دخلا كبيرا على العاملين بها قبل تدهور حالة الصناعات اليدوية للأحذية، متابعا: لا يفكر العاملون فى تفاصيل مهنتهم التى اعتادوا أن تجالسهم يوميا بقدر ما يهاجمهم دائما هاجس انقراض المهنة، خاصة بعد انتشار المنتجات والصناعات الصينية والتركية، والتى اعتبروها الخطر الأكبر على مهنتهم بعد اختفاء رغبة الشباب في تعلمها وعدم وجود دعم حكومي للصناعة. وفي آخر الحديث طالب الأسطى ناصر الدولة بزيادة الرقابة، متسائلا أين تلك الأجهزة نحتاج لتدخل الدولة مباشرة لإنقاذ الصناعة من الانهيار، لأن تجار الخامات يقومون بالبيع بمزاجهم لأن مفيش حد بيسأل المستورد عن فواتير الاستيراد، مؤكدا أن هناك العشرات من صغار الصناع لا يجدون قوت يومهم. وتابع: "منقدرش نلقى المسئولية على أصحاب الورش وأبنائهم الذين رفضوا العمل بالمهنة ولكن هناك قرارات عشوائية وغير مدروسة مثل فتح باب الاستيراد من الخارج وعدم استيراد ماكينات حديثة أو تطوير المهنة والأذواق كل هذا أدى لانهيار المهنة".